مقدمة
كانت حملة فيلادلفيا (1777-1778) جهدًا بريطانيًا خلال حرب الاستقلال الأمريكية للسيطرة على فيلادلفيا، عاصمة المستعمرات المتمردة آنذاك. سعى البريطانيون، بقيادة الجنرال ويليام هاو، إلى إلحاق هزيمة حاسمة بالجيش القاري بقيادة جورج واشنطن، وبالتالي إنهاء التمرد. اتسمت الحملة بمعارك كبرى، ومناورات استراتيجية، واحتلال بريطاني لمدينة فيلادلفيا، لكنها انتهت في النهاية دون تحقيق النصر الحاسم الذي سعى إليه البريطانيون.
الخلفية
بعد إجلاء البريطانيين من بوسطن في مارس 1776، حولوا تركيزهم إلى نيويورك. نجح البريطانيون في السيطرة على نيويورك في خريف عام 1776، لكن واشنطن تمكن من الحفاظ على جيشه من خلال سلسلة من الانسحابات والمعارك الصغيرة. في نهاية عام 1776، شن واشنطن هجمات مفاجئة على ترينتون وبرينستون، مما عزز الروح المعنوية الأمريكية وأحبط الخطط البريطانية.
في عام 1777، وضع البريطانيون خطة ذات شقين لإنهاء الحرب. كان من المقرر أن تتقدم قوة بقيادة الجنرال جون بورغوين من كندا إلى أسفل وادي هدسون، بينما كان من المقرر أن تهاجم قوة بقيادة الجنرال هاو فيلادلفيا. كان من المفترض أن تلتقي القوتان في ألباني، نيويورك، وبالتالي عزل نيو إنجلاند عن بقية المستعمرات.
التحضيرات البريطانية
بدلاً من الإبحار شمالًا لدعم بورغوين، قرر هاو مهاجمة فيلادلفيا. انطلق هاو من نيويورك في يوليو 1777 على متن أسطول كبير، وهبط بقواته في هيد أوف إلك، ماريلاند، في أواخر أغسطس. كان هذا الموقع أقرب إلى فيلادلفيا من نيويورك، لكنه تطلب من البريطانيين السير عبر ولاية بنسلفانيا.
معركة برانديواين
سعى واشنطن إلى اعتراض تقدم هاو نحو فيلادلفيا. تمركز الجيش القاري على طول نهر برانديواين، على أمل منع البريطانيين من عبور النهر. في 11 سبتمبر 1777، اشتبك الجيشان في معركة برانديواين. شن البريطانيون هجومًا التفافيًا، وتمكنوا من تجاوز الجناح الأيمن للجيش الأمريكي. على الرغم من المقاومة الشرسة، اضطر الأمريكيون إلى التراجع. كانت معركة برانديواين نصرًا بريطانيًا، وفتحت الطريق أمام احتلال فيلادلفيا.
احتلال فيلادلفيا
بعد معركة برانديواين، انسحب الجيش القاري إلى فيلادلفيا. قرر الكونغرس القاري إخلاء المدينة والانتقال إلى يورك، بنسلفانيا. في 26 سبتمبر 1777، دخلت القوات البريطانية فيلادلفيا دون مقاومة. استقر هاو في المدينة، بينما تمركز معظم جيشه في جيرمانتاون، وهي بلدة صغيرة تقع خارج فيلادلفيا.
معركة جيرمانتاون
في 4 أكتوبر 1777، شن واشنطن هجومًا مفاجئًا على البريطانيين في جيرمانتاون. خطط واشنطن لهجوم معقد بأربعة محاور، على أمل تطويق الجيش البريطاني. حقق الهجوم الأولي نجاحًا، وتمكن الأمريكيون من مفاجأة البريطانيين وإجبارهم على التراجع. ومع ذلك، سرعان ما انتشر الارتباك في صفوف الجيش القاري، وتوقف الهجوم. شن البريطانيون هجومًا مضادًا، وتمكنوا من صد الأمريكيين. كانت معركة جيرمانتاون هزيمة أخرى للجيش القاري، لكنها أظهرت أن الأمريكيين كانوا قادرين على شن هجمات جريئة.
حصن ميرلين
بينما كان هاو يحتل فيلادلفيا، كان البريطانيون بحاجة إلى تأمين خطوط الإمداد الخاصة بهم عبر نهر ديلاوير. كان حصن ميرلين، الواقع على جزيرة مود في نهر ديلاوير، يعيق الملاحة البريطانية. في نوفمبر 1777، شن البريطانيون هجومًا على حصن ميرلين. بعد قصف مكثف، تمكن البريطانيون من الاستيلاء على الحصن. مكن الاستيلاء على حصن ميرلين البريطانيين من استخدام نهر ديلاوير لنقل الإمدادات إلى فيلادلفيا.
فالي فورج
بعد معركة جيرمانتاون، توجه الجيش القاري إلى معسكر الشتاء في فالي فورج، بنسلفانيا. كان الشتاء في فالي فورج قاسياً للغاية، وعانى الجنود من نقص الغذاء والملابس والإمدادات الأخرى. مات الآلاف من الجنود بسبب المرض والجوع. على الرغم من الصعوبات، تمكن واشنطن من الحفاظ على جيشه معًا. وصل البارون فون شتويبن، وهو ضابط بروسي، إلى فالي فورج وقام بتدريب الجيش القاري، مما حسّن انضباطه وفعاليته القتالية.
الإجلاء البريطاني
في ربيع عام 1778، تلقت الحكومة البريطانية أخبارًا عن تحالف فرنسي أمريكي. قرر البريطانيون إخلاء فيلادلفيا والتركيز على الدفاع عن نيويورك. في يونيو 1778، غادر البريطانيون فيلادلفيا، وعاد الجيش القاري إلى المدينة.
معركة مونماوث
أثناء انسحاب البريطانيين من فيلادلفيا، طارد الجيش القاري بقيادة واشنطن البريطانيين عبر ولاية نيو جيرسي. في 28 يونيو 1778، اشتبك الجيشان في معركة مونماوث. كانت المعركة غير حاسمة، لكنها أظهرت أن الجيش القاري قد تحسن بشكل كبير في الانضباط والقتال. كانت معركة مونماوث آخر معركة كبرى في حملة فيلادلفيا.
النتائج
لم تحقق حملة فيلادلفيا الأهداف الاستراتيجية للبريطانيين. على الرغم من أنهم استولوا على فيلادلفيا، إلا أنهم لم يتمكنوا من تدمير الجيش القاري أو إنهاء التمرد. أدت الحملة أيضًا إلى التحالف الفرنسي الأمريكي، الذي كان بمثابة نقطة تحول في الحرب.
- الفشل الاستراتيجي البريطاني: على الرغم من الاستيلاء على فيلادلفيا، فشل البريطانيون في تحقيق نصر حاسم أو تدمير الجيش القاري.
- تعزيز الجيش القاري: على الرغم من المعاناة في فالي فورج، خرج الجيش القاري أكثر قوة وانضباطًا بفضل تدريب فون شتويبن.
- التحالف الفرنسي الأمريكي: كان التحالف الفرنسي الأمريكي نتيجة مباشرة للحرب، وكان له تأثير كبير على ميزان القوى في الحرب.
الأهمية
على الرغم من أنها لم تكن انتصارًا أمريكيًا مباشرًا، إلا أن حملة فيلادلفيا كانت مهمة لعدة أسباب:
- أظهرت صمود الجيش القاري: على الرغم من الهزائم والمعاناة، تمكن الجيش القاري من البقاء في الميدان ومواصلة القتال.
- ساهمت في التحالف الفرنسي الأمريكي: أقنعت المساعدة الفرنسية السرية سابقًا فرنسا بدخول الحرب علنًا إلى جانب الأمريكيين.
- أدت إلى تحسينات في الجيش القاري: أدى التدريب في فالي فورج إلى تحسين كبير في انضباط الجيش القاري وفعاليته القتالية.
خاتمة
كانت حملة فيلادلفيا سلسلة من المعارك والمناورات الاستراتيجية التي سعى خلالها البريطانيون للسيطرة على فيلادلفيا، عاصمة المستعمرات الأمريكية المتمردة. على الرغم من أن البريطانيين نجحوا في الاستيلاء على المدينة، إلا أنهم فشلوا في تحقيق نصر حاسم أو تدمير الجيش القاري. انتهت الحملة بانسحاب بريطاني من فيلادلفيا والتحالف الفرنسي الأمريكي، مما أثر بشكل كبير على مسار حرب الاستقلال الأمريكية.