أصل الكتاب ومؤلفه
كتاب “تحرير الوسيلة” هو في الأصل تعليقات وحواشي كتبها الإمام الخميني على كتاب “وسيلة النجاة” للسيد أبو الحسن الأصفهاني، أحد كبار مراجع التقليد في النجف الأشرف. كان السيد الأصفهاني مرجعًا للعديد من الشيعة في جميع أنحاء العالم، وقد اشتهر كتابه “وسيلة النجاة” بتبويبه المنهجي وشرحه الموجز للأحكام الشرعية. قام الإمام الخميني بتوسيع هذا الكتاب وإضافة مسائل جديدة إليه، مع تقديم تفسيرات معاصرة تتناسب مع التحديات والقضايا المستجدة في العصر الحديث.
أهمية الكتاب ومكانته
يكتسب “تحرير الوسيلة” أهمية كبيرة لعدة أسباب، منها:
- مرجعية فقهية: يُعتبر مرجعًا فقهيًا هامًا للمقلدين للإمام الخميني، حيث يوضح آراءه وفتاواه في مختلف المسائل الشرعية.
- أسلوب معاصر: يتميز بأسلوبه الواضح والمبسط، مما يجعله سهل الفهم لغير المتخصصين في الفقه.
- شمولية الموضوعات: يغطي الكتاب مجموعة واسعة من الموضوعات الفقهية، بدءًا من الطهارة والصلاة والصوم والحج، وصولًا إلى المعاملات والأحكام الاجتماعية والسياسية.
- إضافات معاصرة: يتضمن الكتاب مسائل فقهية معاصرة لم تكن موجودة في الكتب الفقهية التقليدية، مثل أحكام البنوك والشركات والتأمين والمسائل الطبية الحديثة.
- تأثير سياسي واجتماعي: كان للكتاب تأثير كبير على الحركة الإسلامية في إيران وخارجها، حيث استند إليه الإمام الخميني في صياغة رؤيته للدولة الإسلامية والمجتمع المسلم.
محتويات الكتاب وأبوابه
يشتمل “تحرير الوسيلة” على مجموعة واسعة من الأحكام الشرعية، ويمكن تقسيمه إلى عدة أبواب رئيسية:
- العبادات: وتشمل الطهارة، والصلاة، والصوم، والاعتكاف، والزكاة، والخمس، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- المعاملات: وتشمل البيع، والإجارة، والمضاربة، والمساقاة، والمزارعة، والشركة، والوكالة، والوديعة، والعارية، والقرض، والرهن، والصلح، والحوالة، والضمان، والكفالة، والإقرار، والجعالة، والسبق والرماية.
- الأحوال الشخصية: وتشمل النكاح، والطلاق، والظهار، والإيلاء، واللعان، والرضاع، والحضانة، والنسب، والوقف، والوصية، والميراث.
- الأحكام الجزائية: وتشمل القصاص، والديات، والحدود، والتعزيرات.
- الأطعمة والأشربة: وتشمل أحكام الذبائح، والصيد، والأطعمة المحللة والمحرمة، والأشربة المحللة والمحرمة.
- القضاء والشهادات: وتشمل أحكام القضاء، والشهادات، والأيمان، والنذور، والعهود.
يتميز كل باب من هذه الأبواب بتقسيمات فرعية تفصل الأحكام وتوضحها، مع ذكر الأدلة الشرعية التي استند إليها الإمام الخميني في استنباط هذه الأحكام.
مميزات الكتاب وأسلوبه
يتميز “تحرير الوسيلة” بعدة خصائص تجعله مرجعًا فقهيًا متميزًا:
- الوضوح والتبسيط: يعتمد الإمام الخميني في كتابه على لغة واضحة ومبسطة، مما يجعله سهل الفهم للقارئ العادي.
- الشمولية: يغطي الكتاب جميع جوانب الحياة، ولا يقتصر على المسائل العبادية فقط، بل يتناول أيضًا المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
- المعاصرة: يتضمن الكتاب مسائل فقهية معاصرة لم تكن موجودة في الكتب الفقهية التقليدية، مثل أحكام البنوك والشركات والتأمين والمسائل الطبية الحديثة.
- الواقعية: يعكس الكتاب فهمًا عميقًا للواقع الاجتماعي والسياسي، ويقدم حلولًا عملية للمشاكل التي تواجه المسلمين في العصر الحديث.
- الاجتهاد والتجديد: يعتمد الإمام الخميني في كتابه على الاجتهاد والتجديد، ولا يقتصر على تقليد آراء الفقهاء السابقين، بل يقدم آراء جديدة تتناسب مع مقتضيات العصر.
يُعتبر أسلوب الإمام الخميني في “تحرير الوسيلة” أسلوبًا عمليًا وواقعيًا، حيث يركز على تطبيق الأحكام الشرعية في الحياة اليومية، وتقديم حلول للمشاكل التي تواجه المسلمين في العصر الحديث.
أثر الكتاب على الفقه الشيعي
كان لـ “تحرير الوسيلة” تأثير كبير على الفقه الشيعي، حيث ساهم في:
- تجديد الفقه: ساهم الكتاب في تجديد الفقه الشيعي وتقديم آراء جديدة تتناسب مع مقتضيات العصر.
- تيسير الفقه: ساهم الكتاب في تيسير الفقه الشيعي وجعله سهل الفهم للقارئ العادي.
- توسيع نطاق الفقه: ساهم الكتاب في توسيع نطاق الفقه الشيعي ليشمل مسائل جديدة لم تكن موجودة في الكتب الفقهية التقليدية.
- تطبيق الفقه في الحياة: ساهم الكتاب في تطبيق الفقه الشيعي في الحياة اليومية وتقديم حلول للمشاكل التي تواجه المسلمين في العصر الحديث.
- إلهام الحركات الإسلامية: ألهم الكتاب الحركات الإسلامية في جميع أنحاء العالم، وقدم لها رؤية واضحة للدولة الإسلامية والمجتمع المسلم.
ترجمات الكتاب وشروحه
تمت ترجمة “تحرير الوسيلة” إلى العديد من اللغات، منها العربية والإنجليزية والفارسية والأوردو والتركية وغيرها. كما قام العديد من العلماء والباحثين بكتابة شروح وتعليقات على الكتاب، لتوضيح معانيه وتفسير أحكامه. تُعتبر هذه الترجمات والشروحات بمثابة أدوات مساعدة لفهم الكتاب وتطبيقه في الحياة اليومية.
نماذج من المسائل الفقهية في الكتاب
يتضمن “تحرير الوسيلة” العديد من المسائل الفقهية الهامة، ومن بينها:
- أحكام البنوك: يوضح الكتاب أحكام البنوك والتعاملات المصرفية، ويجيز التعامل مع البنوك الإسلامية التي تلتزم بالشريعة الإسلامية.
- أحكام الشركات: يوضح الكتاب أحكام الشركات وأنواعها، ويجيز تأسيس الشركات المساهمة التي تلتزم بالشريعة الإسلامية.
- أحكام التأمين: يوضح الكتاب أحكام التأمين وأنواعه، ويجيز التأمين التكافلي الذي يلتزم بالشريعة الإسلامية.
- المسائل الطبية الحديثة: يتناول الكتاب العديد من المسائل الطبية الحديثة، مثل حكم التبرع بالأعضاء، وحكم الإجهاض، وحكم الاستنساخ، ويقدم حلولًا شرعية لهذه المسائل.
- أحكام الجهاد: يوضح الكتاب أحكام الجهاد وشروطه، ويؤكد على ضرورة أن يكون الجهاد للدفاع عن الإسلام والمسلمين، وأن يكون بإذن الإمام العادل.
تُعتبر هذه المسائل الفقهية نماذج من القضايا التي تناولها “تحرير الوسيلة”، والتي تعكس اهتمام الإمام الخميني بتقديم حلول شرعية للمشاكل التي تواجه المسلمين في العصر الحديث.
انتقادات الكتاب والرد عليها
على الرغم من الأهمية الكبيرة التي يتمتع بها “تحرير الوسيلة”، إلا أنه لم يسلم من الانتقادات. وجه بعض العلماء والباحثين انتقادات للكتاب، تتعلق ببعض المسائل الفقهية التي وردت فيه، أو بأسلوب الكتابة الذي اعتمده الإمام الخميني. ومع ذلك، قام العديد من العلماء والباحثين بالرد على هذه الانتقادات، وتوضيح وجهة نظر الإمام الخميني في هذه المسائل.
خاتمة
يُعد “تحرير الوسيلة” من أهم الكتب الفقهية في الفقه الشيعي، وأحد أبرز مؤلفات الإمام الخميني. يتميز الكتاب بشموليته ووضوحه ومعاصرته، مما جعله مرجعًا هامًا للعلماء والباحثين والمسلمين عمومًا. ساهم الكتاب في تجديد الفقه الشيعي وتيسيره وتوسيع نطاقه، وقدم حلولًا شرعية للمشاكل التي تواجه المسلمين في العصر الحديث. على الرغم من الانتقادات التي وجهت إليه، إلا أنه يبقى مرجعًا فقهيًا هامًا ومؤثرًا في العالم الإسلامي.