خلفية تاريخية
في القرن العاشر الميلادي، كانت كييف عاصمة كييفان روس، وهي دولة سلافية شرقية قوية ازدهرت في المنطقة التي تشمل الآن أوكرانيا وروسيا البيضاء وروسيا. كانت كييف مركزًا تجاريًا رئيسيًا، وتقع على طريق التجارة من الفايكنج إلى الإغريق، مما جعلها مدينة غنية ومزدهرة. في ذلك الوقت، حكم المدينة الأمير سفيتوسلاف الأول، الذي كان منخرطًا في حملات عسكرية واسعة النطاق، مما جعله يغيب عن كييف لفترات طويلة. خلال غيابه، كانت المدينة عرضة للخطر من القبائل الرحالة التي كانت تجوب السهوب المجاورة.
البجناك، وهم قبيلة تركية رحالة، كانوا يمثلون تهديدًا كبيرًا لكييفان روس. كانوا محاربين أقوياء اشتهروا بفروسيتهم وقدرتهم على القتال. كان البجناك يشنون غارات متكررة على أراضي كييفان روس، ويسرقون الماشية والممتلكات ويأسرون الناس للعبودية. تسببت هذه الغارات في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وعرقلت التنمية الاقتصادية للمنطقة.
أسباب الحصار
كانت أسباب حصار كييف عام 968م متعددة. أولاً، أراد البجناك الحصول على الغنائم والسيطرة على الأراضي. كانت كييف مدينة غنية، وكانت تمثل هدفًا مغريًا للنهب. ثانيًا، أراد البجناك إضعاف كييفان روس كقوة سياسية وعسكرية. كان الأمير سفيتوسلاف الأول يمثل تهديدًا لهم، وكان إضعاف دولته سيسمح لهم بتوسيع نفوذهم في المنطقة. ثالثًا، كان البجناك مدفوعين بالرغبة في الانتقام. كانوا قد تعرضوا للهزيمة على يد سفيتوسلاف في الماضي، وأرادوا الثأر لهزائمهم.
بالإضافة إلى هذه الأسباب، قد يكون هناك أيضًا عوامل أخرى ساهمت في الحصار. على سبيل المثال، قد يكون البجناك قد حصلوا على دعم من قوى خارجية، مثل الإمبراطورية البيزنطية، التي كانت حريصة على إضعاف كييفان روس. قد تكون الظروف الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة قد ساهمت أيضًا في تصاعد التوتر بين البجناك وكييفان روس.
تفاصيل الحصار
في عام 968م، هاجم البجناك كييف بقيادة خان كورا. حاصر البجناك المدينة، وقطعوا عنها الإمدادات، وحاولوا اقتحام أسوارها. كان سكان كييف محاصرين داخل المدينة، وكانوا يعانون من الجوع والعطش. كان الدفاع عن المدينة يقع على عاتق الحامية الصغيرة المتبقية فيها، بالإضافة إلى السكان المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال.
يوضح سجل “حوليات الحوليات الأولية” أن حصار كييف كان شديدًا. يصف السجل معاناة السكان، بما في ذلك نداءاتهم إلى الأمير سفيتوسلاف للحضور وإنقاذهم. يذكر السجل أيضًا بطولة المدافعين عن المدينة، الذين قاتلوا بشجاعة ويأس للدفاع عن منازلهم وأسرهم.
في أحد جوانب الحصار المذكورة في الحوليات، ورد أن حاكم كييف، الذي كان من أصل مجري، قد ابتكر خطة ذكية لإنقاذ المدينة. أمر هذا الحاكم رجلاً يدعى برديتش بإلقاء نفسه في نهر دنيبر ومحاولة الوصول إلى سفيتوسلاف. بعد وصول برديتش إلى سفيتوسلاف، أخبره عن محنة كييف وحثه على العودة لإنقاذ المدينة. عاد سفيتوسلاف بجيشه، وهزم البجناك، ورفع الحصار عن المدينة.
على الرغم من هذه القصة الدرامية، يعتقد المؤرخون أن الحصار ربما لم يكن بهذه الحدة كما هو موصوف في الحوليات. ومع ذلك، من المؤكد أن الحصار كان حدثًا هامًا أثر بشكل كبير على كييف وسكانها.
نتائج الحصار
كان لحصار كييف عام 968م عدد من النتائج المهمة. أولاً، أظهر الحصار ضعف كييفان روس. على الرغم من أن الأمير سفيتوسلاف تمكن من إنقاذ المدينة، إلا أن الحصار أظهر أن كييفان روس لم تكن قادرة على الدفاع عن نفسها بشكل فعال من هجمات البجناك. ثانيًا، أدى الحصار إلى تفاقم العلاقات بين كييفان روس والبجناك. أصبح البجناك أكثر عدوانية، وواصلوا شن غارات على أراضي كييفان روس. ثالثًا، أدى الحصار إلى إضعاف سلطة الأمير سفيتوسلاف. بعد الحصار، عاد سفيتوسلاف إلى كييف، لكنه سرعان ما غادر مرة أخرى لخوض حملات عسكرية أخرى. ترك هذا المدينة مرة أخرى عرضة للخطر.
كان لحصار كييف تأثير طويل الأمد على تاريخ كييفان روس. أدى الحصار إلى إضعاف الدولة، وساهم في صعود قبائل رحل أخرى، وفي النهاية، إلى سقوط كييفان روس كقوة سياسية وعسكرية رئيسية.
يعتبر حصار كييف عام 968م أيضًا حدثًا مهمًا في تاريخ أوكرانيا. لا يزال يمثل رمزًا لشجاعة وصلابة الشعب الأوكراني في مواجهة الشدائد. يتم الاحتفال بهذا الحصار في أوكرانيا كجزء من التراث الوطني للبلاد.
أهمية الحصار:
- يمثل الحصار علامة فارقة في تاريخ أوكرانيا وروسيا.
- أظهر ضعف كييفان روس في مواجهة القبائل الرحالة.
- أدى إلى تفاقم العلاقات بين كييفان روس والبجناك.
- ساهم في صعود قوى جديدة في المنطقة.
أحداث لاحقة وتأثيرها
بعد رفع الحصار، استمرت التوترات بين البجناك وكييفان روس. على الرغم من انتصار سفيتوسلاف، إلا أن البجناك ظلوا قوة عسكرية مؤثرة في المنطقة، واستمروا في شن غارات على أراضي كييفان روس. هذا أدى إلى سلسلة من الصراعات التي استمرت لعقود.
في عام 972م، قُتل الأمير سفيتوسلاف في كمين نصبه البجناك في طريقه إلى كييف. كان لموت سفيتوسلاف تأثير كبير على كييفان روس، حيث ترك فراغًا في السلطة وأدى إلى صراعات داخلية على العرش. هذا الضعف الداخلي جعل كييفان روس أكثر عرضة للهجمات الخارجية.
خلال السنوات التي أعقبت حصار كييف، استمر البجناك في تهديد كييفان روس. في النهاية، تمكن الأمير فلاديمير الأول (حفيد سفيتوسلاف) من هزيمة البجناك وتأمين حدود كييفان روس. ومع ذلك، كان تأثير الحصار واضحًا، فقد أضعف الدولة وساهم في عدم استقرارها.
تأثير الحصار على التطورات اللاحقة:
- استمرار الصراع بين البجناك وكييفان روس.
- موت الأمير سفيتوسلاف وانعدام الاستقرار السياسي.
- محاولات فلاديمير الأول لتأمين الحدود.
البعد الثقافي والاجتماعي
بالإضافة إلى عواقبه العسكرية والسياسية، كان لحصار كييف عام 968م تأثير كبير على المجتمع والثقافة في كييفان روس. يظهر الحصار شجاعة وصلابة سكان كييف، الذين دافعوا عن مدينتهم في مواجهة الخطر. هذه البطولة أصبحت جزءًا من التراث الوطني الأوكراني.
كما يبرز الحصار أهمية كييف كمركز حضاري وتجاري. كان الدفاع عن المدينة يمثل الدفاع عن القيم الثقافية والاقتصادية التي ازدهرت فيها. هذا عزز الهوية الوطنية والوحدة بين السكان.
تم تصوير الحصار في الأدب والفن الأوكرانيين، مما يجعله رمزًا للمقاومة الوطنية والتضحية بالنفس. يعكس هذا الحدث التاريخي أيضًا العلاقات المعقدة بين كييفان روس والقبائل الرحالة، ويعكس التحديات التي واجهتها الدولة في الحفاظ على استقلالها وأمنها.
خاتمة
يمثل حصار كييف عام 968م حدثًا حاسمًا في تاريخ كييفان روس. كشف هذا الحصار عن نقاط الضعف في الدولة، وأدى إلى تفاقم التوترات مع البجناك، وأثر على مسار الأحداث اللاحقة. يمثل الحصار أيضًا رمزًا لشجاعة وصلابة الشعب الأوكراني، ولا يزال يتردد صداه في الذاكرة والتراث الثقافي.
المراجع
- Encyclopaedia Britannica – Siege of Kyiv
- Encyclopedia of Ukraine – Siege of Kyiv
- Wikipedia – Siege of Kyiv (968)
- World History Encyclopedia – The Pechenegs
“`