مقدمة
مايكل ويليام آيزنك (بالإنجليزية: Michael William Eysenck؛ وُلِد في 8 فبراير 1944) هو عالم نفس أكاديمي بريطاني، وأستاذ فخري في علم النفس بجامعة رويال هولواي في لندن. يشتهر آيزنك بأبحاثه في مجال علم النفس المعرفي، وخاصةً في مجالات القلق والانتباه والذاكرة. لقد قدم مساهمات كبيرة في فهم كيفية تأثير المشاعر على العمليات المعرفية، وكيفية معالجة المعلومات في ظل الظروف المجهدة.
حياته المبكرة وتعليمه
وُلد مايكل آيزنك في ألمانيا عام 1944، وانتقل إلى المملكة المتحدة في وقت لاحق. حصل على درجة البكالوريوس في علم النفس من جامعة لندن، ثم حصل على درجة الدكتوراه من جامعة كامبريدج. وقد تأثر في بداية مسيرته المهنية بأعمال والده، هانز آيزنك، وهو عالم نفس بارز معروف بنظرياته في الشخصية والذكاء. ومع ذلك، سرعان ما طور آيزنك مساره البحثي الخاص، مع التركيز على الجوانب المعرفية والعاطفية للسلوك البشري.
مسيرته الأكاديمية
بعد حصوله على الدكتوراه، بدأ آيزنك مسيرته الأكاديمية في جامعة بيركبيك بلندن، حيث عمل محاضراً وباحثاً. ثم انتقل إلى جامعة ساسكس، قبل أن يستقر في جامعة رويال هولواي، حيث شغل منصب أستاذ علم النفس لسنوات عديدة. خلال مسيرته المهنية، أشرف آيزنك على العديد من طلاب الدراسات العليا، ونشر عدداً كبيراً من الكتب والمقالات العلمية التي كان لها تأثير كبير على مجال علم النفس المعرفي.
أبحاثه في القلق والانتباه
ركزت أبحاث آيزنك بشكل كبير على دور القلق في التأثير على الانتباه والذاكرة. وقد طور نموذجاً شاملاً يُعرف باسم نظرية التحكم الانتباهي (Attentional Control Theory – ACT)، والتي تفترض أن القلق يؤثر على كفاءة وفعالية العمليات المعرفية. وفقاً لهذه النظرية، يميل الأفراد الذين يعانون من القلق إلى تخصيص المزيد من الموارد الانتباهية للمعلومات المهددة، مما يقلل من الموارد المتاحة للمهام الأخرى. وهذا يمكن أن يؤدي إلى ضعف الأداء في مجموعة متنوعة من المهام المعرفية، مثل حل المشكلات واتخاذ القرارات.
بالإضافة إلى ذلك، استكشف آيزنك كيف يؤثر القلق على الذاكرة العاملة، وهي نظام الذاكرة الذي يسمح لنا بالاحتفاظ بالمعلومات ومعالجتها بشكل مؤقت. وقد أظهرت أبحاثه أن القلق يمكن أن يضعف سعة الذاكرة العاملة، ويجعل من الصعب على الأفراد الاحتفاظ بالمعلومات ذات الصلة بالهدف في أذهانهم. وهذا يمكن أن يؤدي إلى صعوبات في مجموعة متنوعة من المهام، مثل القراءة والفهم وحل المشكلات الرياضية.
أبحاثه في الذاكرة
بالإضافة إلى أبحاثه في القلق والانتباه، قدم آيزنك مساهمات كبيرة في فهم الذاكرة. وقد استكشف مجموعة متنوعة من الموضوعات المتعلقة بالذاكرة، بما في ذلك تنظيم الذاكرة، واسترجاع الذاكرة، وتشويه الذاكرة. وقد طور نموذجاً يُعرف باسم إطار عمل المعالجة العميقة (Levels of Processing framework)، والذي يؤكد على أهمية الطريقة التي نعالج بها المعلومات في تحديد مدى تذكرنا لها. وفقاً لهذا الإطار، يتم تذكر المعلومات التي تتم معالجتها على مستوى أعمق (على سبيل المثال، عن طريق ربطها بالمعرفة الموجودة) بشكل أفضل من المعلومات التي تتم معالجتها على مستوى سطحي (على سبيل المثال، عن طريق حفظها عن ظهر قلب).
كما استكشف آيزنك أيضاً دور العاطفة في الذاكرة. وقد أظهرت أبحاثه أن الأحداث العاطفية تميل إلى أن يتم تذكرها بشكل أفضل من الأحداث المحايدة. يُعرف هذا باسم تأثير تعزيز الذاكرة العاطفية. ومع ذلك، فقد أظهر أيضاً أن العاطفة يمكن أن تشوه الذاكرة، مما يؤدي إلى ذكريات غير دقيقة أو خاطئة.
نظرية التحكم الانتباهي (Attentional Control Theory)
تعد نظرية التحكم الانتباهي (ACT) واحدة من أبرز نظريات مايكل آيزنك، وهي تقدم تفسيراً شاملاً لكيفية تأثير القلق على الأداء المعرفي. تفترض النظرية أن القلق يضعف وظيفتين رئيسيتين للانتباه: الكفاءة والفعالية. تشير الكفاءة إلى العلاقة بين الموارد الانتباهية المطلوبة للأداء ومستوى الأداء الفعلي. تشير الفعالية إلى جودة الأداء، بغض النظر عن الموارد الانتباهية المستخدمة.
وفقاً لـ ACT، يميل الأفراد الذين يعانون من القلق إلى تخصيص المزيد من الموارد الانتباهية للمعلومات المهددة أو ذات الصلة بالقلق. وهذا يمكن أن يؤدي إلى ضعف الكفاءة، حيث يحتاجون إلى المزيد من الموارد لتحقيق نفس مستوى الأداء. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي القلق إلى ضعف الفعالية، حيث أن تركيزهم على المعلومات المهددة يمكن أن يصرف انتباههم عن المهمة المطروحة.
لقد تم استخدام ACT لشرح مجموعة متنوعة من التأثيرات السلبية للقلق على الأداء المعرفي، بما في ذلك ضعف الأداء في المهام التي تتطلب الانتباه المستمر، وتذكر المعلومات، وحل المشكلات. كما تم استخدامها لتطوير تدخلات تهدف إلى تقليل تأثير القلق على الأداء المعرفي.
منشوراته الرئيسية
نشر مايكل آيزنك العديد من الكتب والمقالات العلمية التي كان لها تأثير كبير على مجال علم النفس المعرفي. تتضمن بعض منشوراته الرئيسية ما يلي:
- Attention and Arousal: Cognition and Performance (1982)
- Anxiety: The Cognitive Perspective (1992)
- Individual Differences: Normal and Abnormal (1994)
- Psychology: An Integrated Approach (مع مارك كين) (2000)
- Cognitive Psychology: A Student’s Handbook (مع مارك كين) (العديد من الطبعات)
تغطي هذه المنشورات مجموعة واسعة من الموضوعات المتعلقة بعلم النفس المعرفي، بما في ذلك الانتباه، والقلق، والذاكرة، والشخصية. وهي معروفة بوضوحها وشموليتها وتكاملها مع أحدث الأبحاث في هذا المجال.
تأثيره على علم النفس
كان لمايكل آيزنك تأثير كبير على مجال علم النفس المعرفي. لقد ساهم في فهمنا لكيفية تأثير المشاعر على العمليات المعرفية، وكيفية معالجة المعلومات في ظل الظروف المجهدة. لقد أثرت نظرياته ونماذجه على البحث والتطبيق في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك علم النفس السريري وعلم النفس التربوي وعلم النفس التنظيمي.
بالإضافة إلى أبحاثه، كان آيزنك أيضاً معلماً مؤثراً. لقد أشرف على العديد من طلاب الدراسات العليا الذين أصبحوا قادة في مجال علم النفس المعرفي. وقد ساهم في تدريب وتطوير جيل جديد من علماء النفس الذين يواصلون دفع حدود المعرفة في هذا المجال.
الجوائز والتكريمات
حصل مايكل آيزنك على العديد من الجوائز والتكريمات تقديراً لمساهماته في علم النفس. وتشمل هذه:
- زمالة الجمعية البريطانية لعلم النفس
- زمالة جمعية العلوم النفسية
- جائزة جمعية علم النفس البريطانية للكتاب المتميز
تعكس هذه الجوائز والتكريمات الاعتراف الواسع النطاق بأهمية وتأثير عمل آيزنك في مجال علم النفس.
خاتمة
مايكل آيزنك هو عالم نفس أكاديمي بريطاني بارز، وأستاذ فخري في علم النفس. لقد قدم مساهمات كبيرة في فهم العمليات المعرفية والعاطفية، وخاصةً في مجالات القلق والانتباه والذاكرة. لقد أثرت نظرياته ونماذجه على البحث والتطبيق في مجموعة متنوعة من المجالات، وكان له تأثير كبير على مجال علم النفس المعرفي.