الأصول والتأسيس
تعود جذور النزعة التكاملية البرتغالية إلى نهاية القرن التاسع عشر، وهي فترة شهدت فيها البرتغال أزمة سياسية واجتماعية عميقة. أدى تدهور النظام الملكي، وصعود الأفكار الجمهورية، ونمو الحركات العمالية إلى خلق مناخ من عدم الاستقرار وعدم اليقين. في هذا السياق، ظهرت مجموعة من المثقفين والكتاب الذين سعوا إلى إيجاد بديل للجمهورية الليبرالية التي اعتبروها فاسدة وغير فعالة.
تأسست النزعة التكاملية البرتغالية رسميًا في عام 1914 في كويمبرا، وهي مدينة جامعية تاريخية كانت مركزًا للحياة الفكرية والثقافية البرتغالية لعدة قرون. كان من بين المؤسسين الرئيسيين للحركة أنطونيو ساردينا، وهو مفكر وكاتب بارز، وخوسيه هيبوليتو رابيلو، وهو صحفي وناشط سياسي، وألبرتو مونيز، وهو كاتب ومؤرخ. اجتذبت الحركة بسرعة مجموعة متنوعة من المؤيدين، بمن فيهم المثقفون ورجال الدين والضباط العسكريون والأفراد من الطبقة الأرستقراطية.
الأيديولوجيا والمبادئ
ارتكزت النزعة التكاملية البرتغالية على مجموعة من المبادئ الأساسية التي تهدف إلى إعادة بناء المجتمع البرتغالي على أساس القيم التقليدية والمحافظة. تشمل هذه المبادئ:
- الملكية التقليدية: كانت النزعة التكاملية البرتغالية تؤمن إيمانًا راسخًا بالملكية كنظام حكم شرعي وطبيعي. جادل المنظرون المتكاملون بأن الملكية توفر الاستقرار والوحدة والاستمرارية، وأنها أفضل من الجمهورية الليبرالية التي اعتبروها فوضوية وتقسيمية.
- الكاثوليكية: لعبت الكاثوليكية دورًا مركزيًا في فكر النزعة التكاملية البرتغالية. اعتبر المتكاملون الكاثوليكية أساس الحضارة البرتغالية وهوية الأمة، وأنها توفر الأساس الأخلاقي والروحي للمجتمع.
- النظام الاجتماعي العضوي: رفضت النزعة التكاملية البرتغالية الفردية والليبرالية، ودعت إلى نظام اجتماعي عضوي يتم فيه دمج الأفراد في المجتمع من خلال الروابط العائلية والمهنية والدينية.
- اللامركزية الإقليمية: دعت النزعة التكاملية البرتغالية إلى اللامركزية الإقليمية، ومنح المزيد من السلطة للمناطق المحلية. اعتقد المتكاملون أن هذا سيؤدي إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في جميع أنحاء البلاد.
- القومية: كانت النزعة التكاملية البرتغالية حركة قومية تؤمن بأهمية الحفاظ على الهوية والثقافة البرتغالية. دعا المتكاملون إلى سياسة خارجية قوية تدافع عن المصالح البرتغالية في العالم.
التأثير والتطور
كانت النزعة التكاملية البرتغالية قوة مؤثرة في السياسة البرتغالية خلال الجمهورية البرتغالية الأولى (1910-1926). لعب المتكاملون دورًا نشطًا في المعارضة للجمهورية، وشاركوا في العديد من المؤامرات والانقلابات الفاشلة. على الرغم من أنهم لم يتمكنوا من الإطاحة بالجمهورية، إلا أنهم تمكنوا من التأثير على الرأي العام وتعزيز قضية الملكية.
مع صعود نظام إستادو نوفو (الدولة الجديدة) في عام 1926، وجدت النزعة التكاملية البرتغالية نفسها في وضع معقد. كان إستادو نوفو نظامًا استبداديًا محافظًا، لكنه لم يكن ملكيًا بشكل صريح. تبنى النظام العديد من الأفكار والمبادئ المتكاملة، مثل القومية والكاثوليكية والنظام الاجتماعي العضوي. ومع ذلك، حافظ المتكاملون على استقلالهم عن النظام، واستمروا في الدعوة إلى استعادة الملكية.
خلال فترة إستادو نوفو، انقسمت النزعة التكاملية البرتغالية إلى عدة فصائل. دعم بعض المتكاملين النظام بشكل كامل، بينما عارضه آخرون. ومع ذلك، استمرت الحركة في لعب دور مهم في الحياة الثقافية والفكرية البرتغالية.
الإرث والأهمية
تركت النزعة التكاملية البرتغالية إرثًا معقدًا ومثيرًا للجدل. من ناحية، يُنظر إلى الحركة على أنها قوة رجعية ومحافظة تسعى إلى الحفاظ على النظام الاجتماعي القائم. من ناحية أخرى، يُنظر إليها على أنها حركة قومية تدافع عن الهوية والثقافة البرتغالية.
بغض النظر عن التقييم، لا يمكن إنكار أهمية النزعة التكاملية البرتغالية في تاريخ البرتغال. لعبت الحركة دورًا مهمًا في تشكيل المشهد السياسي والثقافي البرتغالي في القرن العشرين. لا تزال أفكارها ومبادئها ذات صلة اليوم، ولا تزال تثير الجدل والنقاش.
انتقادات للنزعة التكاملية البرتغالية
واجهت النزعة التكاملية البرتغالية انتقادات كبيرة بسبب جوانب مختلفة من أيديولوجيتها ومواقفها السياسية. تشمل بعض الانتقادات الرئيسية ما يلي:
- الرجعية والمحافظة: غالبًا ما تُنتقد النزعة التكاملية البرتغالية بسبب تمسكها بالقيم التقليدية ومعارضتها للتغيير الاجتماعي والسياسي. يرى النقاد أن تركيزها على الملكية والكاثوليكية والنظام الاجتماعي الهرمي عفا عليه الزمن وغير متوافق مع قيم الديمقراطية والحداثة.
- الاستبدادية: يرتبط تاريخ النزعة التكاملية البرتغالية بالأنظمة الاستبدادية، وخاصة نظام إستادو نوفو. يرى النقاد أن دعمها للنظام السلطوي وتقييد الحريات المدنية يتعارض مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.
- القومية المتطرفة: يرى بعض النقاد أن القومية المتطرفة التي تبنتها النزعة التكاملية البرتغالية يمكن أن تؤدي إلى التعصب وكراهية الأجانب. يرون أن تركيزها على التفوق الثقافي البرتغالي يمكن أن يعزز التمييز ضد الأقليات والمهاجرين.
- التمييز الجنسي: يرى النقاد أن النزعة التكاملية البرتغالية تعزز أدوارًا تقليدية للجنسين وتقيد حقوق المرأة. يرون أن تركيزها على الأسرة والواجبات المنزلية يمكن أن يحد من فرص المرأة في التعليم والتوظيف والمشاركة السياسية.
- معاداة السامية: يتهم بعض النقاد النزعة التكاملية البرتغالية بمعاداة السامية بسبب بعض التصريحات والمواقف التي اتخذها بعض قادتها وأيديولوجييها. ومع ذلك، يجادل مؤيدو الحركة بأن هذه التصريحات لا تمثل التيار الرئيسي للفكر المتكامل وأن الحركة ككل لم تكن معادية للسامية بشكل منهجي.
النزعة التكاملية البرتغالية اليوم
على الرغم من أن النزعة التكاملية البرتغالية لم تعد قوة سياسية رئيسية في البرتغال، إلا أن أفكارها ومبادئها لا تزال موجودة في بعض الدوائر الفكرية والسياسية. توجد اليوم العديد من المنظمات والجماعات الصغيرة التي تدعي أنها تتبع التراث المتكامل. عادة ما تكون هذه المجموعات هامشية ولها تأثير محدود على السياسة البرتغالية السائدة. ومع ذلك، فإنها لا تزال تمثل تيارًا صغيرًا ولكنه مستمر من الفكر المحافظ والتقليدي في البرتغال.
يمكن رؤية إرث النزعة التكاملية البرتغالية في بعض جوانب الثقافة السياسية البرتغالية المعاصرة، مثل:
- الحنين إلى الماضي: لا يزال الحنين إلى الماضي وإلى “الأيام الخوالي” شائعًا في بعض الدوائر البرتغالية. غالبًا ما يرتبط هذا الحنين بصورة مثالية للبرتغال باعتبارها أمة قوية ومزدهرة ذات قيم تقليدية متينة.
- القومية: لا تزال القومية قوة قوية في السياسة البرتغالية. غالبًا ما يتم التعبير عن هذا القومية من خلال التركيز على الهوية والثقافة والتاريخ البرتغالي.
- الكاثوليكية: لا تزال الكاثوليكية قوة مؤثرة في المجتمع البرتغالي. تلعب الكنيسة الكاثوليكية دورًا مهمًا في التعليم والرعاية الصحية والقضايا الاجتماعية.
- الشكوكية تجاه المؤسسات: لا يزال هناك مستوى عال من الشكوكية تجاه المؤسسات السياسية في البرتغال. غالبًا ما يُنظر إلى السياسيين على أنهم فاسدون وغير فعالين.
بشكل عام، لا تزال النزعة التكاملية البرتغالية موضوعًا معقدًا ومثيرًا للجدل في التاريخ البرتغالي. على الرغم من أنها لم تعد قوة سياسية رئيسية، إلا أن أفكارها ومبادئها لا تزال موجودة في بعض الدوائر الفكرية والسياسية، ولا يزال إرثها يؤثر على الثقافة السياسية البرتغالية المعاصرة.
خاتمة
كانت النزعة التكاملية البرتغالية حركة سياسية وفكرية مهمة في البرتغال خلال القرن العشرين. دافعت الحركة عن الملكية التقليدية، والكاثوليكية، والقيم المحافظة، والنظام الاجتماعي العضوي. على الرغم من أن النزعة التكاملية البرتغالية لم تنجح في تحقيق أهدافها السياسية، إلا أنها تركت إرثًا معقدًا ومثيرًا للجدل. لا تزال الحركة تثير الجدل والنقاش، ولا تزال أفكارها ومبادئها ذات صلة اليوم.