مقدمة
إيفرت دبليو. رايمر (1910-1998) كان منظّرًا تربويًا ومؤلفًا للعديد من الكتب حول السياسة التعليمية، وكان من المؤيدين لإلغاء المدرسة التقليدية. اشتهر بعمله الرائد مع إيفان إيليتش في مركز الوثائق متعددة الثقافات (CIDOC) في كويرنافاكا، المكسيك. كان رايمر شخصية مؤثرة في تطوير الأفكار حول التعليم غير الرسمي والتعليم المجتمعي، ودافع عن بدائل للمدارس التقليدية التي اعتقد أنها مقيدة وغير فعالة.
حياته المبكرة وتعليمه
ولد إيفرت رايمر في عام 1910، ونشأ في فترة شهدت تحولات كبيرة في الفكر التربوي. لم تتوفر معلومات تفصيلية كثيرة حول سنواته الأولى وتعليمه المبكر، ولكن من الواضح أن خلفيته الأكاديمية القوية ساهمت في تشكيل رؤيته النقدية للنظام التعليمي القائم. يُعتقد أنه درس في مؤسسات مرموقة وحصل على درجات علمية متقدمة، مما منحه الأدوات اللازمة لتحليل وتقييم السياسات والممارسات التعليمية.
العمل مع إيفان إيليتش ومركز CIDOC
تعتبر فترة عمل إيفرت رايمر مع إيفان إيليتش في مركز الوثائق متعددة الثقافات (CIDOC) في كويرنافاكا، المكسيك، نقطة تحول في مسيرته الفكرية. تأسس مركز CIDOC في ستينيات القرن الماضي، وكان بمثابة منتدى للباحثين والناشطين المهتمين بدراسة نقدية للمؤسسات الحديثة، بما في ذلك التعليم. تعاون رايمر وإيليتش في تطوير أفكار حول “إلغاء المدرسة” وبدائل التعليم التقليدي.
كان إيليتش من أبرز منتقدي المدرسة الحديثة، حيث جادل بأنها تعزز التبعية والاستهلاك وتعيق التنمية الذاتية. شارك رايمر إيليتش في هذه الرؤية النقدية، وساهم في تطوير إطار نظري للتعليم غير الرسمي والتعليم المجتمعي. اعتقد كلاهما أن التعليم يجب أن يكون متاحًا للجميع، وأنه يجب أن يركز على تنمية المهارات والمعرفة التي يحتاجها الأفراد للمشاركة الفعالة في المجتمع.
أفكاره حول التعليم
كان إيفرت رايمر من أشد المنتقدين للمدرسة التقليدية، حيث اعتبرها مؤسسة قمعية وغير فعالة. في كتابه “المدرسة ميتة” (School is Dead)، جادل بأن المدرسة تفشل في تحقيق أهدافها المعلنة، وأنها في الواقع تضر بالأطفال والمجتمع. انتقد رايمر المدرسة لعدة أسباب، بما في ذلك:
- الإجبار: تجبر المدرسة الأطفال على الحضور، بغض النظر عما إذا كانوا مهتمين بالتعلم أم لا.
- التقسيم: تقسم المدرسة الأطفال حسب العمر، بغض النظر عن قدراتهم واهتماماتهم.
- التنافس: تشجع المدرسة الأطفال على التنافس مع بعضهم البعض، بدلاً من التعاون.
- اللامبالاة: تخلق المدرسة اللامبالاة تجاه التعلم، حيث يتعلم الأطفال فقط من أجل الحصول على درجات جيدة.
اقترح رايمر بدائل للمدرسة التقليدية، بما في ذلك:
- التعليم غير الرسمي: التعلم الذي يحدث خارج المدرسة، في المنزل أو في المجتمع.
- التعليم المجتمعي: التعلم الذي يتم تنظيمه من قبل المجتمع، بدلاً من الدولة.
- شبكات التعلم: شبكات من الأشخاص الذين يرغبون في التعلم من بعضهم البعض.
اعتقد رايمر أن هذه البدائل يمكن أن توفر تعليمًا أكثر فعالية وإنسانية للأطفال.
كتاب “المدرسة ميتة” (School is Dead)
“المدرسة ميتة” (School is Dead) هو أشهر كتب إيفرت رايمر، وقد نشر في عام 1971. في هذا الكتاب، يقدم رايمر تحليلًا نقديًا للمدرسة التقليدية، ويقترح بدائل لها. يعتبر الكتاب من أهم الأعمال في مجال إلغاء المدرسة، وقد أثر في العديد من الباحثين والناشطين.
يجادل رايمر في الكتاب بأن المدرسة قد فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة، وأنها في الواقع تضر بالأطفال والمجتمع. يرى أن المدرسة تعزز التبعية والاستهلاك وتعيق التنمية الذاتية. يقترح رايمر بدائل للمدرسة التقليدية، بما في ذلك التعليم غير الرسمي والتعليم المجتمعي وشبكات التعلم. يدعو إلى مجتمع يتم فيه التعلم ذاتيًا وموجهًا نحو خدمة المجتمع.
تأثيره وإرثه
كان لإيفرت رايمر تأثير كبير على الفكر التربوي والاجتماعي. ألهمت أفكاره العديد من الباحثين والناشطين المهتمين بإصلاح التعليم. ساهم في تطوير مجال إلغاء المدرسة، وساعد في نشر الوعي ببدائل التعليم التقليدي. لا تزال أفكاره ذات صلة اليوم، حيث يواجه النظام التعليمي تحديات كبيرة في تلبية احتياجات الأفراد والمجتمع.
إرث إيفرت رايمر يتمثل في دعوته إلى إعادة التفكير في طبيعة التعليم وهدفه. لقد تحدى المفاهيم السائدة حول المدرسة والتعلم، ودعا إلى نظام تعليمي أكثر إنسانية وفعالية. لا تزال أفكاره تلهم أولئك الذين يسعون إلى خلق عالم أكثر عدلاً وإنصافًا.
نقد أفكاره
على الرغم من تأثير إيفرت رايمر، إلا أن أفكاره لم تخل من النقد. يرى بعض النقاد أن أفكاره مثالية وغير واقعية، وأنها تتجاهل أهمية المدرسة في توفير تعليم موحد للجميع. يجادلون بأن التعليم غير الرسمي والتعليم المجتمعي قد يكونان غير كافيين لتلبية احتياجات جميع الأطفال، وأن المدرسة لا تزال ضرورية لتوفير المهارات والمعرفة الأساسية.
يرى آخرون أن أفكار رايمر تتجاهل دور المدرسة في التنشئة الاجتماعية وإعداد الأفراد للحياة في المجتمع. يجادلون بأن المدرسة توفر للأطفال فرصة للتفاعل مع أقرانهم وتعلم القيم الاجتماعية، وأن التعليم غير الرسمي والتعليم المجتمعي قد لا يوفران هذه الفرص.
ومع ذلك، حتى منتقدي رايمر يعترفون بأهمية أفكاره في إثارة النقاش حول طبيعة التعليم وهدفه. لقد ساهم في تسليط الضوء على أوجه القصور في النظام التعليمي القائم، ودعا إلى التفكير في بدائل أكثر إنسانية وفعالية.
أعماله الأخرى
بالإضافة إلى كتابه “المدرسة ميتة”، كتب إيفرت رايمر العديد من الكتب والمقالات الأخرى حول التعليم والسياسة الاجتماعية. من بين أعماله الأخرى:
- “ثلاثون عامًا من الانتظار: نداء للمقاومة المدنية” (Thirty Years of Waiting: A Call for Civil Resistance)
- “تأملات في التخطيط” (Reflections on Planning)
- “التحرر من المدرسة: دعوة إلى ثورة تربوية” (De-Schooling Society: A Call for Educational Revolution) (شارك في تأليفه مع إيفان إيليتش)
تعكس هذه الأعمال اهتمام رايمر بمجموعة واسعة من القضايا الاجتماعية والسياسية، بما في ذلك التعليم والفقر والحرب. إنه يقدم تحليلًا نقديًا للمؤسسات الحديثة، ويدعو إلى تغييرات جذرية في الطريقة التي ننظم بها المجتمع.
خاتمة
كان إيفرت رايمر منظّرًا تربويًا مؤثرًا ومدافعًا قويًا عن إلغاء المدرسة التقليدية. من خلال عمله مع إيفان إيليتش وكتاباته، تحدى المفاهيم السائدة حول التعليم ودعا إلى بدائل أكثر إنسانية وفعالية. على الرغم من أن أفكاره لم تخل من النقد، إلا أنها لا تزال ذات صلة اليوم، حيث يواجه النظام التعليمي تحديات كبيرة في تلبية احتياجات الأفراد والمجتمع. يظل إرثه بمثابة تذكير بأهمية التفكير النقدي والإبداع في سعينا لتحقيق تعليم أفضل للجميع.