مقدمة
روبرت أ. ريسكورلا (9 مايو 1940 – 24 مارس 2020) كان عالم نفس أمريكي متخصصًا في إسهام العمليات المعرفية في التعلم. اشتهر بعمله الرائد في مجال التكييف الكلاسيكي، حيث تحدى النظريات السلوكية التقليدية التي كانت سائدة في عصره. أظهرت أبحاث ريسكورلا أن التكييف لا يعتمد فقط على الاقتران الزمني بين المحفزات، بل أيضًا على المعلومات التي تحملها هذه المحفزات حول بعضها البعض. بمعنى آخر، تلعب العمليات المعرفية مثل التوقع والانتباه دورًا حاسمًا في عملية التعلم.
الحياة المبكرة والتعليم
ولد روبرت أ. ريسكورلا في 9 مايو 1940. تلقى تعليمه في جامعة سوارثمور، حيث حصل على درجة البكالوريوس. ثم انتقل إلى جامعة بنسلفانيا، حيث حصل على درجة الدكتوراه في علم النفس عام 1966. كان اهتمامه المبكر بالتعلم مدفوعًا جزئيًا بالقيود المفروضة على تفسير التعلم بناءً على المبادئ السلوكية البحتة. كان يعتقد أن هناك عمليات معرفية أكثر تعقيدًا تساهم في كيفية تعلم الكائنات الحية وتكيّفها مع بيئتها.
العمل الأكاديمي والبحث
بعد حصوله على درجة الدكتوراه، انضم ريسكورلا إلى هيئة التدريس في جامعة ييل. وفي عام 1967، انتقل إلى جامعة بنسلفانيا، حيث بقي حتى وفاته. خلال مسيرته المهنية الطويلة، أشرف ريسكورلا على العديد من طلاب الدراسات العليا وأجرى أبحاثًا مكثفة حول التكييف الكلاسيكي والتعلم. نشر العديد من المقالات والكتب التي أثرت بشكل كبير في مجال علم النفس.
كان عمل ريسكورلا مدفوعًا بالرغبة في فهم الآليات المعرفية الكامنة وراء التعلم. لقد استخدم تصميمات تجريبية مبتكرة لإظهار أن الحيوانات قادرة على تعلم العلاقات المعقدة بين المحفزات، وأن هذا التعلم يتأثر بتوقعاتها وانتباهها. لقد تحدى فكرة أن التعلم هو مجرد عملية آلية تعتمد على الاقتران الزمني، وأظهر أن العمليات المعرفية تلعب دورًا حاسمًا.
نموذج ريسكورلا-واغنر
أحد أهم إسهامات ريسكورلا في مجال علم النفس هو نموذج ريسكورلا-واغنر للتكييف الكلاسيكي، والذي تم تطويره بالاشتراك مع آلان واغنر. يقدم هذا النموذج تفسيرًا رياضيًا لكيفية تعلم الكائنات الحية التنبؤات حول الأحداث في بيئتها. يعتمد النموذج على فكرة أن قوة الارتباط بين المحفز الشرطي والمحفز غير الشرطي تتغير بناءً على مدى مفاجأة أو عدم مفاجأة المحفز غير الشرطي.
وفقًا لنموذج ريسكورلا-واغنر، إذا كان المحفز غير الشرطي متوقعًا تمامًا، فلن يحدث أي تعلم. ومع ذلك، إذا كان المحفز غير الشرطي غير متوقع، فسيحدث التعلم لتقليل هذا الخطأ في التنبؤ. يوضح النموذج أيضًا كيف يمكن أن يحدث الانطفاء، وهو انخفاض في الاستجابة الشرطية عندما لا يعود المحفز الشرطي يتنبأ بالمحفز غير الشرطي.
كان لنموذج ريسكورلا-واغنر تأثير كبير على دراسة التكييف الكلاسيكي والتعلم. لقد تم استخدامه لشرح مجموعة واسعة من الظواهر، بما في ذلك الحجب، والتظليل، والتعلم الكامن. على الرغم من أنه تعرض لانتقادات وتعديلات على مر السنين، إلا أنه لا يزال أحد أكثر النماذج نفوذاً في مجال التعلم.
- الحجب (Blocking): يحدث عندما لا يكتسب محفز جديد أي قيمة تنبؤية إذا كان هناك محفز آخر موجود بالفعل يتنبأ بالمحفز غير الشرطي بشكل موثوق.
- التظليل (Overshadowing): يحدث عندما يتنافس محفزان على القيمة التنبؤية، والمحفز الأقوى يمنع المحفز الأضعف من اكتساب أي قيمة تنبؤية.
- التعلم الكامن (Latent Learning): يشير إلى التعلم الذي يحدث دون أي تعزيز واضح ويصبح واضحًا فقط عندما يكون هناك حافز لاستخدامه.
مساهمات أخرى
بالإضافة إلى نموذج ريسكورلا-واغنر، قدم ريسكورلا العديد من المساهمات الأخرى في مجال علم النفس. أجرى أبحاثًا حول دور الانتباه في التعلم، وأظهر أن الحيوانات من المرجح أن تتعلم عن المحفزات التي تنتبه إليها. كما استكشف العلاقة بين التعلم والعاطفة، ووجد أن التجارب العاطفية يمكن أن تؤثر على كيفية تعلم الكائنات الحية.
كان ريسكورلا رائدًا في استخدام التصميمات التجريبية المعقدة لدراسة التعلم. لقد طور طرقًا جديدة لقياس التعلم والتنبؤ به، وأجرى تجارب دقيقة كشفت عن تعقيدات عملية التعلم. كان عمله أساسيًا في تطوير فهم أكثر دقة لآليات التعلم.
تشمل بعض المساهمات البارزة الأخرى لريسكورلا ما يلي:
- نظرية الارتباطات (Contingency Theory): تؤكد هذه النظرية على أهمية العلاقة الاحتمالية بين المحفز الشرطي والمحفز غير الشرطي في التكييف الكلاسيكي. وبعبارة أخرى، فإن قوة التكييف تعتمد على مدى موثوقية المحفز الشرطي في التنبؤ بالمحفز غير الشرطي.
- أبحاث حول دور الانتباه في التعلم: أظهر ريسكورلا أن الكائنات الحية تتعلم بشكل أكثر فعالية عن المحفزات التي تنتبه إليها بنشاط. هذا يسلط الضوء على أهمية العمليات المعرفية مثل الانتباه في التعلم.
- التحقيق في العلاقة بين التعلم والعاطفة: استكشف ريسكورلا كيف يمكن للتجارب العاطفية أن تؤثر على التعلم، مما يشير إلى أن العاطفة ليست مجرد نتيجة للتعلم، بل يمكن أن تؤثر أيضًا على عملية التعلم نفسها.
الجوائز والتكريمات
حصل ريسكورلا على العديد من الجوائز والتكريمات لعمله في مجال علم النفس. تم انتخابه لعضوية الأكاديمية الوطنية للعلوم والجمعية الأمريكية للفنون والعلوم. حصل على جائزة جمعية علم النفس الأمريكية للمساهمات العلمية المتميزة في علم النفس في عام 1985. تعكس هذه الجوائز والتقديرات التأثير العميق لعمله على مجال علم النفس.
تشمل بعض الجوائز والتكريمات الأخرى التي حصل عليها ريسكورلا ما يلي:
- زمالة جمعية علماء النفس التجريبيين
- جائزة وليام جيمس من جمعية علم النفس الأمريكية
التأثير والإرث
كان لعمل روبرت أ. ريسكورلا تأثير عميق ودائم على مجال علم النفس. لقد غير فهمنا للتكييف الكلاسيكي والتعلم، وألهم أجيال من الباحثين لمتابعة دراسة العمليات المعرفية. لا يزال عمله ذا صلة اليوم، ويتم استخدامه لتطوير علاجات جديدة للاضطرابات النفسية وتحسين أساليب التدريس.
يستمر إرث ريسكورلا في إلهام الباحثين والطلاب في جميع أنحاء العالم. لقد ترك وراءه مجموعة كبيرة من الأعمال التي ستستمر في تشكيل مجال علم النفس لسنوات عديدة قادمة. إن مساهماته في فهم التعلم والعمليات المعرفية جعلته شخصية بارزة في تاريخ علم النفس.
خاتمة
كان روبرت أ. ريسكورلا عالم نفس بارزًا قدم مساهمات كبيرة في فهمنا للتعلم والتكييف الكلاسيكي. من خلال نموذج ريسكورلا-واغنر وأبحاثه الأخرى، أظهر أن العمليات المعرفية تلعب دورًا حاسمًا في التعلم. كان لعمله تأثير دائم على مجال علم النفس، وسيستمر إرثه في إلهام الباحثين والطلاب في المستقبل.