حياته المبكرة وتعليمه
ولد والتر دي ماريا في 1 أكتوبر 1935 في ألباني، كاليفورنيا، وهو ابن هيلين ماير، مالكة مطعم، وفيليب دي ماريا، عازف البوق وقائد الأوركسترا. نشأ في كنسينغتون، كاليفورنيا. من عام 1953 إلى عام 1959، درس في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، حيث تخصص في البداية في الرسم، ثم تحول إلى النحت. خلال هذا الوقت، استكشف دي ماريا أيضًا مجالات أخرى، بما في ذلك الموسيقى وعلم النفس. حصل على درجة البكالوريوس عام 1957 ودرجة الماجستير في الفنون الجميلة عام 1959.
في بيركلي، انخرط دي ماريا في مشهد الفن الطليعي النابض بالحياة. تأثر بالحركة الدادائية والسريالية والتعبيرية التجريدية. بدأ في تجربة مواد وتقنيات مختلفة، وإنشاء أعمال تجمع بين النحت والرسم والتجميع. في عام 1960، انتقل دي ماريا إلى مدينة نيويورك، حيث أصبح شخصية بارزة في مشهد الفن الأدنى والفن المفاهيمي.
مسيرته الفنية
بدأت مسيرة دي ماريا الفنية في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، حيث أنتج في البداية أعمالًا تأثرت بالتعبيرية التجريدية والدادائية. سرعان ما انتقل إلى استكشاف الفن الأدنى والفن المفاهيمي، حيث ركز على البساطة والهندسة والتفاعل بين الفن والمشاهد.
أعماله المبكرة: في أوائل الستينيات، بدأ دي ماريا في إنشاء منحوتات باستخدام مواد صناعية مثل الفولاذ والألومنيوم والخشب. تميزت هذه الأعمال بأشكالها الهندسية البسيطة وأسطحها النظيفة. من بين أعماله المبكرة البارزة “Statics #3” (1961) و “Bel Air Series” (1964).
الفن الأرضي: في أواخر الستينيات، تحول دي ماريا إلى الفن الأرضي، وهو حركة فنية تستخدم المناظر الطبيعية كمادة ووسيلة للتعبير الفني. كان دي ماريا من الرواد في هذا المجال، حيث قام بإنشاء أعمال واسعة النطاق تتحدى تصوراتنا للمساحة والمكان.
أشهر أعماله:
- “حقل البرق” (The Lightning Field) (1977): ربما يكون هذا هو أشهر أعمال دي ماريا. يقع في صحراء نيو مكسيكو، ويتكون من 400 عمود من الفولاذ المقاوم للصدأ مثبتة على مساحة واسعة. تم تصميم الأعمدة لجذب ضربات البرق، مما يخلق مشهدًا مذهلاً في الطقس العاصف. ومع ذلك، فإن جمال العمل لا يقتصر على البرق؛ ففي الأيام المشمسة، تعكس الأعمدة الضوء وتخلق أنماطًا متغيرة باستمرار.
- “ميل أرضي عمودي” (Vertical Earth Kilometer) (1977): عبارة عن قضيب نحاسي طوله كيلومتر واحد مدفون عموديًا في الأرض في كاسل، ألمانيا. العمل غير مرئي تمامًا، ولكنه يمثل وجودًا ماديًا عميقًا يربط بين سطح الأرض وأعماقها.
- “صحراء كيلومتر مربّع واحد” (The Broken Kilometer) (1979): يتكون من 500 قضيب نحاسي بطول مترين، موضوعة في خمسة صفوف متوازية في معرض فني في مدينة نيويورك. تمثل القضبان مجتمعة كيلومترًا واحدًا، ولكنها مكسورة ومنفصلة، مما يخلق توترًا بين الوحدة والجزئية.
مفاهيم وأفكار
استكشفت أعمال دي ماريا مجموعة واسعة من المفاهيم والأفكار، بما في ذلك:
- المقياس والمساحة: غالبًا ما تعامل دي ماريا مع المقاييس الكبيرة والمساحات الشاسعة لتحدي تصوراتنا عن الحجم والمسافة.
- الطبيعة والتكنولوجيا: سعى إلى الجمع بين العناصر الطبيعية والتكنولوجية في أعماله، مما يعكس اهتمامه بالعلاقة بين الإنسان والبيئة.
- الوقت والخلود: استكشف دي ماريا مفاهيم الوقت والخلود في أعماله، مما يشير إلى أن الفن يمكن أن يتجاوز اللحظة العابرة ويستمر في الذاكرة الثقافية.
- الوجود والغياب: لعب دي ماريا بفكرة الوجود والغياب، حيث أن بعض أعماله مرئية للغاية بينما البعض الآخر مخفي أو مدفون.
تأثيره وإرثه
كان لوالتر دي ماريا تأثير كبير على تطور الفن المعاصر، وخاصة الفن الأرضي والفن الأدنى والفن المفاهيمي. ألهمت أعماله أجيالًا من الفنانين لاستكشاف إمكانيات جديدة في الفن والمساحة والمكان. يعتبر دي ماريا أحد أهم فناني القرن العشرين، ولا يزال عمله يحتفى به ويدرس في جميع أنحاء العالم.
معارض ومجموعات
عرضت أعمال والتر دي ماريا على نطاق واسع في المتاحف والمعارض في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك:
- متحف الفن الحديث (MoMA)، نيويورك
- متحف ويتني للفن الأمريكي، نيويورك
- متحف الفن المعاصر، لوس أنجلوس
- تيت مودرن، لندن
- متحف غوغنهايم، بلباو
توجد أعماله أيضًا في العديد من المجموعات العامة والخاصة المرموقة.
أسلوبه الفني
تميز أسلوب والتر دي ماريا الفني بعدة عناصر رئيسية:
- البساطة: سعى دي ماريا إلى تبسيط الأشكال والمفاهيم في أعماله، مما أدى إلى إنشاء قطع فنية قوية ومباشرة.
- الهندسة: استخدم الأشكال الهندسية بانتظام في منحوتاته وأعماله الأرضية، مما يعكس اهتمامه بالنظام والدقة.
- المادية: أكد على أهمية المواد في أعماله، سواء كانت الفولاذ أو النحاس أو الأرض، مما يبرز خصائصها الفيزيائية.
- الموقع المحدد: غالبًا ما تم تصميم أعماله لتناسب مواقع محددة، مع مراعاة السياق البيئي والثقافي.
- التجريب: لم يخش دي ماريا تجربة مواد وتقنيات جديدة، مما دفعه إلى تجاوز حدود الفن التقليدي.
حياته الشخصية
تزوج والتر دي ماريا من سوزان شتاينبرغ عام 1962 وانفصلا عام 1977. تزوج لاحقًا من سوزي غوزي عام 1980. حافظ دي ماريا على خصوصية حياته الشخصية وتجنب الدعاية قدر الإمكان، مفضلاً أن تتحدث أعماله عن نفسها.
وفاته
توفي والتر دي ماريا في 25 يوليو 2013 في مدينة نيويورك عن عمر يناهز 77 عامًا. تركت وفاته فراغًا كبيرًا في عالم الفن، ولكن إرثه الفني لا يزال يلهم الفنانين والجمهور على حد سواء.
خاتمة
كان والتر دي ماريا فنانًا استثنائيًا ترك بصمة لا تُمحى على عالم الفن المعاصر. من خلال أعماله الرائدة في الفن الأرضي والفن الأدنى والفن المفاهيمي، تحدى تصوراتنا عن الفن والمساحة والمكان. لا تزال منحوتاته واسعة النطاق، مثل “حقل البرق” و “ميل أرضي عمودي”، تثير الإعجاب والدهشة. سيظل إرث دي ماريا يلهم الفنانين والجمهور لأجيال قادمة.