مقدمة
باولو إيفاريستو آرنز (بالبرتغالية: Paulo Evaristo Arns)، من الرهبنة الفرنسيسكانية، وُلد في 14 سبتمبر 1921 وتوفي في 14 ديسمبر 2016، كان رجل دين برازيليًا بارزًا في الكنيسة الكاثوليكية. عُرف بدفاعه القوي عن حقوق الإنسان خلال فترة الديكتاتورية العسكرية في البرازيل، وبجهوده الكبيرة في خدمة الفقراء والمهمشين. شغل منصب رئيس أساقفة ساو باولو من عام 1970 إلى عام 1998، وتم ترقيته إلى رتبة كاردينال في عام 1973.
نشأته وتعليمه
وُلد باولو إيفاريستو آرنز في فوركيلهينيا، وهي بلدة صغيرة في ولاية سانتا كاتارينا بجنوب البرازيل، لعائلة متدينة من أصل ألماني. انضم إلى الرهبنة الفرنسيسكانية في سن مبكرة، ودرس الفلسفة واللاهوت في البرازيل وأوروبا. حصل على درجة الدكتوراه في فقه اللغة اللاتينية من جامعة السوربون في باريس، فرنسا، حيث درس تحت إشراف الأب إتيان جيلسون، الفيلسوف الفرنسي البارز.
مسيرته الكهنوتية
بعد عودته إلى البرازيل، عمل آرنز أستاذاً في عدة معاهد لاهوتية فرنسيسكانية، حيث قام بتدريس الفلسفة واللاهوت. كما شغل منصب مدير مجلة “سينسياس إي فيدا” (العلوم والحياة)، وهي مجلة كاثوليكية بارزة في البرازيل. في عام 1966، تم تعيينه أسقفًا مساعدًا لأبرشية ساو باولو، وفي عام 1970، خلف أغنيو روسي كرئيس أساقفة ساو باولو، وهي أكبر أبرشية في البرازيل وأمريكا اللاتينية.
رئيس أساقفة ساو باولو
تميزت فترة ولاية آرنز كرئيس أساقفة ساو باولو بالتزامه العميق بالعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. أنشأ العديد من البرامج والمبادرات لمساعدة الفقراء والمهمشين، بما في ذلك مراكز الرعاية الصحية، والملاجئ للمشردين، والمدارس المهنية. كما كان مدافعًا قويًا عن حقوق العمال والمزارعين، ودعا إلى إصلاحات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تقليل عدم المساواة.
خلال فترة الديكتاتورية العسكرية في البرازيل (1964-1985)، كان آرنز من أشد المنتقدين للنظام، ودعا علنًا إلى احترام حقوق الإنسان والحريات المدنية. قدم الدعم والمساعدة لضحايا التعذيب والقمع السياسي، وعمل على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها النظام. لعب دورًا حاسمًا في فضح تجاوزات النظام العسكري أمام المجتمع الدولي، وحشد الرأي العام ضد الديكتاتورية.
بالإضافة إلى عمله في مجال العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، كان آرنز أيضًا شخصية بارزة في الحوار بين الأديان. التقى بقادة من مختلف الأديان، وعمل على تعزيز التفاهم والاحترام المتبادل بين مختلف الطوائف الدينية. كان يعتقد أن الحوار بين الأديان ضروري لبناء عالم أكثر سلامًا وعدلاً.
- مشاريع بارزة:
- مشروع “البرازيل: لا تنسى أبدًا”: وهو مشروع ضخم لجمع الوثائق والأدلة المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان خلال فترة الديكتاتورية العسكرية.
- إنشاء لجان العدالة والسلام: في جميع أنحاء أبرشية ساو باولو، لتعزيز حقوق الإنسان والدفاع عن الضحايا.
- دعم المجتمعات الكنسية القاعدية: وهي مجموعات صغيرة من المؤمنين الذين يجتمعون للصلاة والدراسة والعمل من أجل العدالة الاجتماعية.
الكاردينالية
في عام 1973، تم ترقية آرنز إلى رتبة كاردينال من قبل البابا بولس السادس، ليصبح بذلك أصغر كاردينال في العالم في ذلك الوقت. شارك في انتخاب البابا يوحنا بولس الأول في عام 1978، والبابا يوحنا بولس الثاني في نفس العام. استمر في خدمة الكنيسة الكاثوليكية كرئيس أساقفة ساو باولو حتى تقاعده في عام 1998.
تقاعده وإرثه
بعد تقاعده، واصل آرنز الكتابة وإلقاء المحاضرات حول مواضيع تتعلق باللاهوت والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. ظل ناشطًا في الدفاع عن حقوق الفقراء والمهمشين، ودعم الحركات الاجتماعية التي تهدف إلى تحقيق العدالة والمساواة. توفي في ساو باولو في 14 ديسمبر 2016 عن عمر يناهز 95 عامًا.
يُعتبر باولو إيفاريستو آرنز شخصية بارزة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية في البرازيل وأمريكا اللاتينية. يُذكر بدفاعه الشجاع عن حقوق الإنسان خلال فترة الديكتاتورية العسكرية، وبجهوده الكبيرة في خدمة الفقراء والمهمشين. يُنظر إليه على أنه نموذج للمسيحي الملتزم بالعدالة الاجتماعية والسلام.
مؤلفاته
ترك الكاردينال آرنز وراءه عددًا كبيرًا من المؤلفات، بما في ذلك الكتب والمقالات والمحاضرات. من بين أبرز مؤلفاته:
- “الإنسان الكامل”: وهو عمل فلسفي يناقش مفهوم الإنسان في الفكر المسيحي.
- “اللاهوت والسياسة”: وهو كتاب يتناول العلاقة بين اللاهوت والسياسة، ودور الكنيسة في المجتمع.
- “رسائل إلى الشباب”: وهي مجموعة من الرسائل التي كتبها آرنز إلى الشباب، يحثهم فيها على العيش وفقًا لقيم الإنجيل.
- “الديكتاتورية لم تهزمنا”: وهو كتاب يوثق مقاومة الكنيسة للديكتاتورية العسكرية في البرازيل.
تكريمه
حصل الكاردينال آرنز على العديد من الجوائز والأوسمة تقديرًا لعمله في مجال حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، بما في ذلك:
- جائزة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة: في عام 1985.
- جائزة “العيش الكريم”: وهي جائزة سويدية تُمنح للأشخاص الذين قدموا مساهمات بارزة في مجال العدالة الاجتماعية والسلام.
- الدكتوراه الفخرية من العديد من الجامعات: في البرازيل وخارجها.
خاتمة
كان باولو إيفاريستو آرنز شخصية استثنائية جمعت بين العمق الفكري والالتزام الاجتماعي والشجاعة الأخلاقية. لقد ترك بصمة لا تُمحى على الكنيسة الكاثوليكية والمجتمع البرازيلي، وسيظل يُذكر دائمًا كمدافع عن حقوق الإنسان وصوت للفقراء والمهمشين.