مقدمة
أُجريت انتخابات عامة في روديسيا في 30 يوليو 1974. وشهدت إعادة انتخاب الجبهة الروديسية بقيادة إيان سميث، التي فازت مرة أخرى بجميع المقاعد الخمسين المخصصة للناخبين من أصحاب البشرة البيضاء في برلمان روديسيا. جرت الانتخابات في فترة مضطربة في تاريخ روديسيا، حيث كانت البلاد تخوض حربًا أهلية ضد حركات التحرير الأفريقية، وكانت تخضع لضغوط دولية متزايدة لإنهاء نظام الفصل العنصري.
خلفية الأحداث
في ستينيات القرن العشرين، سعت روديسيا، وهي مستعمرة بريطانية ذات أغلبية سكانية من الأفارقة ولكنها تحكمها أقلية من البيض، إلى الحصول على الاستقلال. ومع ذلك، أصرت الحكومة البريطانية على أن يتم منح الاستقلال فقط في ظل حكم الأغلبية، وهو ما رفضه الحزب الحاكم، الجبهة الروديسية، بقيادة إيان سميث. وفي عام 1965، أعلنت روديسيا من جانب واحد استقلالها، وهو عمل أدانته بريطانيا والمجتمع الدولي.
فرضت الأمم المتحدة عقوبات اقتصادية على روديسيا، لكن حكومة سميث صمدت. وفي الوقت نفسه، تصاعدت الحرب الأهلية، حيث شنت حركتا التحرير الأفريقيتان، الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي (ZANU) والاتحاد الشعبي الأفريقي الزيمبابوي (ZAPU)، حرب عصابات ضد الحكومة. بحلول أوائل السبعينيات، كانت روديسيا تواجه عزلة دولية متزايدة وضغطًا عسكريًا.
في عام 1971، توصلت الحكومة البريطانية وحكومة سميث إلى اتفاق، عُرف باسم “مقترحات هوم”، كان من شأنه أن يسمح لروديسيا بالاستقلال تدريجيًا مع الحفاظ على سلطة البيض لفترة انتقالية. ومع ذلك، رُفضت المقترحات من قبل السكان الأفارقة في روديسيا، وتم التخلي عنها.
التحضيرات للانتخابات
في عام 1974، وسط تصاعد الحرب الأهلية وضغوط دولية متزايدة، دعا إيان سميث إلى انتخابات عامة. كان الهدف من الانتخابات هو إظهار الدعم لحكومته ومنحها تفويضًا للتفاوض مع بريطانيا بشأن تسوية.
هيمنت الجبهة الروديسية على السياسة في روديسيا منذ عام 1962، وفازت بجميع المقاعد المخصصة للبيض في كل انتخابات منذ ذلك الحين. اعتمد الحزب على دعم المزارعين البيض ورجال الأعمال والعمال، الذين استفادوا من نظام الفصل العنصري. كان الحزب يعارض بشدة حكم الأغلبية وكان مصممًا على الحفاظ على سلطة البيض.
كان حزب الوسط الروديسي هو حزب المعارضة الرئيسي. كان الحزب يدعو إلى تسوية تفاوضية للحرب الأهلية وكان على استعداد لتقديم تنازلات للأفارقة. ومع ذلك، كان الحزب ضعيفًا ومنقسمًا، ولم يتمكن من تقديم تحدٍ جدي للجبهة الروديسية.
لم يُسمح للأحزاب السياسية الأفريقية بالمشاركة في الانتخابات. ومع ذلك، كان الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي والاتحاد الشعبي الأفريقي الزيمبابوي نشطين في شن حرب عصابات ضد الحكومة، وحظيا بدعم واسع النطاق بين السكان الأفارقة.
نتائج الانتخابات
كما كان متوقعًا على نطاق واسع، فازت الجبهة الروديسية بانتصار ساحق في الانتخابات. وفاز الحزب بجميع المقاعد الخمسين المخصصة للناخبين من أصحاب البشرة البيضاء، مع حصول حزب الوسط الروديسي على عدد قليل من الأصوات. كانت نسبة المشاركة منخفضة، حيث صوت حوالي 70٪ فقط من الناخبين المسجلين. لم يتمكن غالبية السكان الأفارقة من التصويت.
أظهرت نتائج الانتخابات أن الجبهة الروديسية لا تزال تتمتع بدعم قوي من السكان البيض في روديسيا. ومع ذلك، أظهرت النتائج أيضًا أن الحرب الأهلية مستمرة في تقسيم البلاد، وأن التسوية التفاوضية ضرورية.
ما بعد الانتخابات
بعد الانتخابات، استمرت حكومة سميث في مقاومة الضغوط الدولية لإنهاء نظام الفصل العنصري. ومع ذلك، تصاعدت الحرب الأهلية، وأصبح وضع روديسيا لا يمكن الدفاع عنه بشكل متزايد.
في عام 1979، توصلت حكومة سميث إلى اتفاق مع الأحزاب السياسية الأفريقية المعتدلة، مما أدى إلى إنشاء دولة جديدة تسمى زيمبابوي روديسيا. ومع ذلك، لم يتم الاعتراف بالدولة الجديدة من قبل المجتمع الدولي، واستمرت الحرب الأهلية.
في عام 1980، وتحت ضغط من بريطانيا والولايات المتحدة، وافقت حكومة سميث على إجراء انتخابات جديدة تحت إشراف بريطاني. فاز الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي، بقيادة روبرت موغابي، بالانتخابات بأغلبية ساحقة، وأصبحت زيمبابوي دولة مستقلة.
تأثير الانتخابات على مستقبل روديسيا
كان لانتخابات عام 1974 في روديسيا تأثير كبير على مستقبل البلاد. لقد أظهرت أن حكومة سميث لا تزال تتمتع بدعم قوي من السكان البيض، لكنها أظهرت أيضًا أن الحرب الأهلية مستمرة في تقسيم البلاد. لقد أوضحت نتائج الانتخابات أن التسوية التفاوضية ضرورية لإنهاء الصراع. في النهاية، أدت هذه الانتخابات إلى سلسلة من الأحداث التي أدت إلى استقلال زيمبابوي عام 1980.
- تعزيز موقف إيان سميث: منحت الانتخابات سميث تفويضًا جديدًا، مما عزز موقفه في المفاوضات المستقبلية.
- تأكيد الانقسامات العرقية: كشفت الانتخابات عن الانقسامات العميقة بين البيض والسود في روديسيا.
- استمرار الحرب الأهلية: لم تحل الانتخابات الحرب الأهلية، بل ساهمت في استمرارها.
- الضغط الدولي: زادت الضغوط الدولية على روديسيا لإنهاء نظام الفصل العنصري.
تحليل تفصيلي للنتائج
على الرغم من أن الجبهة الروديسية فازت بجميع المقاعد المخصصة للبيض، إلا أن تحليل النتائج يكشف عن بعض التفاصيل الهامة:
- نسبة المشاركة: كانت نسبة المشاركة في الانتخابات منخفضة نسبيًا، مما يشير إلى أن بعض الناخبين البيض كانوا غير راضين عن الوضع الراهن.
- دعم حزب الوسط الروديسي: على الرغم من خسارته، حصل حزب الوسط الروديسي على بعض الدعم، مما يشير إلى وجود رغبة في التفاوض والتسوية بين بعض البيض.
- غياب التمثيل الأفريقي: عدم السماح للأحزاب الأفريقية بالمشاركة في الانتخابات يمثل نقصًا كبيرًا في الشرعية ويسلط الضوء على طبيعة نظام الفصل العنصري.
دروس مستفادة
تقدم انتخابات روديسيا عام 1974 عدة دروس مهمة:
- أهمية التمثيل السياسي: يجب أن يتم تمثيل جميع السكان في العمليات السياسية لضمان الاستقرار والعدالة.
- خطورة الفصل العنصري: يؤدي الفصل العنصري إلى الانقسام والصراع وعدم الاستقرار.
- ضرورة التفاوض والتسوية: التفاوض والتسوية هما السبيل الوحيد لحل النزاعات المعقدة.
خاتمة
كانت انتخابات روديسيا العامة عام 1974 حدثًا هامًا في تاريخ البلاد. أظهرت الانتخابات أن الجبهة الروديسية لا تزال تتمتع بدعم قوي من السكان البيض، لكنها أظهرت أيضًا أن الحرب الأهلية مستمرة في تقسيم البلاد. لقد أوضحت نتائج الانتخابات أن التسوية التفاوضية ضرورية لإنهاء الصراع. في النهاية، أدت هذه الانتخابات إلى سلسلة من الأحداث التي أدت إلى استقلال زيمبابوي عام 1980.