هنرييت ديليل (Henriette DeLille)

نشأتها وبداية حياتها

ولدت هنرييت ديليل في نيو أورليانز، لويزيانا، في 11 مارس 1813. كانت من عائلة من أصول إفريقية وفرنسية وإسبانية. كانت والدتها، ماري جوزفين بايرو، من أصل إفريقي وفرنسي، أما والدها، جان باتيست ديليل، فكان من أصل فرنسي. نشأت في مجتمع شديد التمييز العنصري، حيث كان أصحاب البشرة الملونة يواجهون قيودًا على التعليم والفرص الاجتماعية. تلقت تعليمًا محدودًا في منزلها على يد مربية خاصة. ورغم هذه التحديات، أظهرت هنرييت منذ صغرها ميلًا روحيًا قويًا ورغبة في خدمة الآخرين.

في أوائل القرن التاسع عشر، كانت نيو أورليانز مدينة ذات تنوع عرقي وثقافي كبير، ولكنها أيضًا كانت مدينة تعاني من العنصرية والتمييز. كان لدى هنرييت وعائلتها وضع اجتماعي خاص، حيث كانوا من مجموعة تعرف باسم “كُريول الألوان”، وهم أشخاص من أصل مختلط (أفريقي وأوروبي)، غالبًا ما كانوا يتمتعون بمستوى معين من التعليم والثروة. ومع ذلك، كانوا يواجهون قيودًا قانونية واجتماعية تحد من حرياتهم وفرصهم. على سبيل المثال، كان يُطلب من النساء ذوات البشرة الملونة أن يكون لديهن “علاقات نظامية” مع رجال بيض، وهو ما كان غالبًا شكلًا من أشكال الاستغلال والتحكم.

تأسيس جمعية الأخوات الروحانيات للقديس يوسف

في عام 1836، أسست هنرييت ديليل، بالتعاون مع ماري جوزفين جاكيه وجولي سافاري، جمعية الأخوات الروحانيات للقديس يوسف، وهي أول جمعية دينية أمريكية من أصل أفريقي. كان هدف الجمعية هو خدمة الفقراء والمرضى والتعليم، وخاصةً الأفارقة الأمريكيين والعبيد. واجهت هنرييت وزميلاتها صعوبات جمة بسبب العنصرية والتمييز، بالإضافة إلى النقص في الموارد.

بدأت الأخوات في العيش معًا ومشاركة حياتهن الروحية والاجتماعية، والعمل كمعلمات وممرضات ورعاية المحتاجين. كان هذا بمثابة تغيير جذري في مجتمع نيو أورليانز في ذلك الوقت، حيث كان يُنظر إلى النساء ذوات البشرة الملونة على أنهن يتبعن دورًا معينًا. أظهرت هنرييت وزميلاتها شجاعة كبيرة في تحدي هذه التوقعات والعمل من أجل هدف أسمى.

أقامت الأخوات مدرسة للأطفال السود والملونين، حيث وفرن لهم التعليم الأساسي والتربية الدينية. كما قمن بزيارة المرضى والمسجونين، وتقديم الدعم الروحي والمادي لهم. قدمت الجمعية أيضًا مأوى للأيتام والمسنين.

خدمتها وتأثيرها

كانت هنرييت ديليل امرأة متفانية في خدمة الله والإنسانية. كانت تؤمن بقوة الإيمان والعمل الصالح، وكانت مثالًا يحتذى به للرحمة والتواضع. استمرت في قيادة جمعية الأخوات الروحانيات للقديس يوسف حتى وفاتها عام 1862. خلال حياتها، أثرت في حياة الآلاف من الناس، من خلال عملها في التعليم والرعاية الصحية والعمل الاجتماعي.

كانت رؤية هنرييت ديليل تتجاوز حدود مجتمعها المباشر. لقد أدركت أهمية المساواة والعدالة الاجتماعية، وعملت على تحقيق هذه القيم في مجتمعها. كانت حياتها مثالًا على كيفية تحويل الإيمان إلى عمل، وكيف يمكن لشخص واحد أن يحدث فرقًا كبيرًا في حياة الآخرين.

عندما اندلعت الحرب الأهلية الأمريكية، استمرت هنرييت وزميلاتها في خدمة مجتمعهن، رغم الصعوبات والتحديات. قمن برعاية الجرحى والمرضى، بغض النظر عن عرقهم أو لونهم. كان عملهن بمثابة منارة أمل في وقت مظلم.

وفاتها وإرثها

توفيت هنرييت ديليل في 16 نوفمبر 1862، ودفنت في نيو أورليانز. تركت وراءها إرثًا من الخدمة والتفاني والإيمان. في عام 1988، بدأت الكنيسة الكاثوليكية عملية تقديسها، مما يمثل اعترافًا رسميًا بحياتها الفاضلة. في عام 2016، اعترف البابا فرنسيس بمعجزة منسوبة إلى شفاعتها، مما مهد الطريق لإعلانها قديسة. تم تطويبها في 5 نوفمبر 2016.

تعتبر هنرييت ديليل رمزًا للأمل والعدالة الاجتماعية. ألهمت حياتها عددًا لا يحصى من الناس، ولا تزال قصة حياتها تُلهم الناس في جميع أنحاء العالم. تُذكر هنرييت ديليل كشخصية مهمة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية وتاريخ الأمريكيين الأفارقة. تُجسد حياتها قيم الإيمان والرحمة والتفاني في خدمة الآخرين.

تُكرّم هنرييت ديليل كقديسة في الكنيسة الكاثوليكية، وتُعتبر شفيعة للتمييز العنصري والعدالة الاجتماعية. يتم الاحتفال بذكرى وفاتها في 16 نوفمبر من كل عام.

الأخوات الروحانيات للقديس يوسف اليوم

تواصل الأخوات الروحانيات للقديس يوسف عملهن في خدمة الفقراء والمرضى والمحرومين في جميع أنحاء العالم. تعمل الأخوات في مجالات التعليم والرعاية الصحية والعمل الاجتماعي، وتسعى جاهدة لتحقيق رؤية هنرييت ديليل في بناء عالم أكثر عدلاً وإنصافًا. لا يزال إرث هنرييت ديليل حيًا ومؤثرًا في عمل الأخوات اليوم.

خاتمة

كانت هنرييت ديليل شخصية استثنائية تركت بصمة لا تمحى في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية والمجتمع الأمريكي. من خلال تفانيها في خدمة الآخرين، وتأسيسها لجمعية الأخوات الروحانيات للقديس يوسف، تحدت هنرييت ديليل العنصرية والظلم، وأصبحت رمزًا للأمل والعدالة الاجتماعية. إن حياتها وإرثها يلهماننا جميعًا للعمل من أجل عالم أفضل.

المراجع

“`