مقدمة
آية الله السيد عباس المهري (1915-1988) كان من أوائل علماء الشيعة الكويتيين البارزين. ولد في إيران ونشأ فيها، ثم انتقل إلى الكويت ليصبح مرجعًا دينيًا هامًا ومؤسسًا للعديد من المؤسسات الدينية والاجتماعية.
نشأته وتعليمه
ولد السيد عباس المهري في إيران عام 1915. تلقى تعليمه الديني الأولي في مسقط رأسه، ثم انتقل إلى النجف الأشرف في العراق، حيث درس على يد كبار العلماء والمراجع الدينية. أمضى سنوات عديدة في النجف، اكتسب خلالها علمًا غزيرًا وفقهًا عميقًا في الشريعة الإسلامية.
من بين أبرز أساتذته في النجف الأشرف:
- آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني
- آية الله العظمى السيد محسن الحكيم
- آية الله العظمى السيد محمود الشاهرودي
تتلمذ السيد المهري على هؤلاء الأعلام، واستفاد من علمهم وتقواهم، مما ساهم في تكوين شخصيته العلمية والدينية.
هجرته إلى الكويت
بعد إكمال دراسته في النجف، هاجر السيد عباس المهري إلى الكويت في بداية الخمسينيات. كانت الكويت في ذلك الوقت تشهد تطورات كبيرة في مختلف المجالات، وكانت بحاجة إلى علماء دين مؤهلين لتقديم الإرشاد والتوجيه للمجتمع الشيعي المتنامي.
استقر السيد المهري في الكويت، وبدأ في ممارسة مهامه الدينية من خلال إلقاء المحاضرات وإقامة صلاة الجماعة والإشراف على الشؤون الدينية للمؤمنين. سرعان ما اكتسب شعبية واسعة واحترامًا كبيرًا بين أفراد المجتمع، نظرًا لعلمه الغزير وأخلاقه الحميدة وتفانيه في خدمة الناس.
دوره في الكويت
لعب السيد عباس المهري دورًا هامًا في تطوير المجتمع الشيعي في الكويت. قام بتأسيس العديد من المؤسسات الدينية والاجتماعية، التي ساهمت في نشر الوعي الديني وتعزيز التكافل الاجتماعي.
من بين أبرز إنجازاته:
- تأسيس مسجد الإمام الصادق، الذي يعتبر من أكبر وأهم المساجد الشيعية في الكويت.
- تأسيس الحسينيات والمآتم، التي تقام فيها مجالس العزاء في ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع).
- إنشاء المكتبات الدينية، التي تهدف إلى نشر الكتب والمؤلفات الإسلامية.
- تقديم الدعم المادي والمعنوي للمحتاجين والأيتام والأرامل.
- إصلاح ذات البين وحل النزاعات بين الأفراد والعائلات.
بالإضافة إلى ذلك، كان السيد المهري مرجعًا دينيًا للعديد من المؤمنين في الكويت وخارجها. كان يستقبل الناس ويجيب على أسئلتهم واستفساراتهم الدينية، ويقدم لهم النصح والإرشاد في مختلف جوانب حياتهم.
مواقفه السياسية والاجتماعية
كان السيد عباس المهري يتمتع بوعي سياسي واجتماعي كبير. كان يتابع الأحداث والتطورات في المنطقة والعالم، ويعبر عن مواقفه بوضوح وصراحة. كان يدعو إلى الوحدة الإسلامية والتآخي بين المسلمين، وينبذ الطائفية والعنف والتطرف.
كما كان مهتمًا بقضايا المجتمع الكويتي، ويدعو إلى الإصلاح والتطوير في مختلف المجالات. كان يؤمن بأهمية التعليم والثقافة في بناء مجتمع متقدم ومزدهر، وكان يشجع الشباب على التحصيل العلمي والمشاركة الفعالة في الحياة العامة.
في فترة الغزو العراقي للكويت عام 1990، كان السيد المهري من أشد المعارضين للغزو، ودعا إلى مقاومة الاحتلال. لعب دورًا هامًا في دعم المقاومة الكويتية، وقدم المساعدة للمحتاجين والنازحين.
أخلاقه وصفاته
كان السيد عباس المهري يتمتع بأخلاق رفيعة وصفات حميدة. كان متواضعًا وبسيطًا في حياته، وكان يعامل الناس بلطف واحترام. كان كريمًا وسخيًا، وكان يساعد المحتاجين دون تردد. كان يتميز بالصبر والحلم والتسامح، وكان يعفو عن المسيئين.
كان السيد المهري مثالًا يحتذى به في التقوى والورع والإخلاص. كان حريصًا على أداء العبادات والطاعات، وكان يذكر الله في كل وقت وحين. كان يحب الخير للناس، ويسعى إلى قضاء حوائجهم.
وفاته
توفي السيد عباس المهري في عام 1988، بعد حياة حافلة بالعطاء والخدمة. تركت وفاته حزنًا عميقًا في قلوب محبيه ومريديه. شيع جثمانه في موكب مهيب، ودفن في مقبرة النجف الأشرف في العراق.
إرثه
ترك السيد عباس المهري إرثًا عظيمًا من العلم والعمل الصالح. لا تزال آثاره باقية في الكويت وخارجها، وتذكره الأجيال بكل خير وتقدير. يعتبر السيد المهري رمزًا من رموز الوحدة الإسلامية والتآخي بين المسلمين، ومثالًا يحتذى به في العلم والعمل والإخلاص.
تلاميذه ومحبوه يواصلون مسيرته في خدمة الدين والمجتمع، ويسعون إلى تحقيق أهدافه ورؤاه. اسمه سيبقى خالدًا في تاريخ الكويت، وسيظل نبراساً يضيء دروب السائرين على طريق الحق والخير.
خاتمة
كان السيد عباس المهري عالمًا جليلاً، ومصلحًا اجتماعيًا، ومرجعًا دينيًا هامًا. كرس حياته لخدمة الدين والمجتمع، وترك بصمة واضحة في تاريخ الكويت. سيظل اسمه محفورًا في الذاكرة، وسيظل قدوة للأجيال القادمة.