مقدمة
بافيل بافيل (ولد في 11 مارس 1957 في ستراكونيتسه) هو مهندس تشيكي وعالم آثار تجريبي، يشتهر بتحقيقاته في كيفية نقل تماثيل جزيرة القيامة (المواي) بواسطة سكان الجزيرة القدماء. أثارت أساليبه المقترحة جدلاً واسعاً، لكنها قدمت رؤى قيمة حول الهندسة والتكنولوجيا المحتملة التي استخدمها شعب رابا نوي.
الحياة المبكرة والتعليم
ولد بافيل بافيل في بلدة ستراكونيتسه الصغيرة في جمهورية التشيك (التي كانت آنذاك جزءًا من تشيكوسلوفاكيا). أظهر منذ صغره اهتمامًا بالعلوم والهندسة، وتوجه لدراسة الهندسة الميكانيكية. بعد الانتهاء من دراسته، عمل كمهندس، لكن شغفه بالآثار والتاريخ القديم ظل قوياً.
الاهتمام بجزيرة القيامة وتماثيل المواي
بدأ اهتمام بافيل بجزيرة القيامة وتماثيل المواي الشهيرة في الثمانينيات. كان مفتونًا بالألغاز المحيطة بكيفية تمكن السكان الأصليون من نقل هذه التماثيل الضخمة، التي يزن بعضها عدة أطنان، عبر الجزيرة. كان الاعتقاد السائد آنذاك هو أن التماثيل تم نقلها عن طريق دحرجتها على جذوع الأشجار، لكن بافيل شكك في هذه النظرية.
نظرية بافيل حول نقل تماثيل المواي
بعد سنوات من البحث والدراسة، طور بافيل نظريته الخاصة حول كيفية نقل تماثيل المواي. اقترح أن التماثيل لم يتم دحرجتها، بل تم “المشي” بها. تخيل أن فريقين من الأشخاص يقومون بإمالة التمثال ذهابًا وإيابًا، مستخدمين الحبال والرافعات لتحريكه ببطء إلى الأمام. أكد أن هذه الطريقة كانت أكثر فعالية وأقل تدميراً للبيئة من دحرجة التماثيل على جذوع الأشجار.
الفكرة الأساسية لنظرية “المشي” تقوم على مفهوم توزيع الوزن واستغلال مركز الثقل. بافيل افترض أن المواي، على الرغم من ضخامتها، كانت مصممة بشكل يسمح بإمكانية إمالتها بشكل متحكم به من جانب إلى آخر. باستخدام الحبال لتثبيت التمثال من الأمام والخلف، يمكن لفريقين من العمال بالتناوب سحب الحبال، مما يتسبب في إمالة التمثال قليلاً إلى الأمام ثم إلى الخلف. هذه الحركة المتناوبة، جنبًا إلى جنب مع التنسيق الدقيق، تسمح بتحريك التمثال تدريجياً إلى الأمام، وكأنه “يمشي”.
التجارب العملية
لاختبار نظريته، قام بافيل بعدة تجارب عملية. في عام 1986، بالتعاون مع عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي ثور هيردال، تمكن بافيل وفريقه من تحريك تمثال مواي صغير يزن عدة أطنان لمسافة قصيرة باستخدام أسلوبه المقترح. أظهر هذا النجاح الأولي أن نظريته كانت قابلة للتطبيق على الأقل من الناحية النظرية.
بعد ذلك، أجرى بافيل المزيد من التجارب، باستخدام تماثيل أكبر وأكثر ثقلاً. أثبتت هذه التجارب أن “المشي” بالتماثيل كان ممكنًا، لكنه يتطلب تنسيقًا دقيقًا وعملاً جماعيًا كبيرًا. أظهرت التجارب أيضًا أن هذه الطريقة كانت أسرع وأكثر كفاءة من دحرجة التماثيل على جذوع الأشجار، خاصة على التضاريس الوعرة.
الجدل والانتقادات
على الرغم من نجاح تجاربه، واجهت نظرية بافيل مقاومة كبيرة من بعض الخبراء في مجال جزيرة القيامة. جادل البعض بأن نظريته لم تأخذ في الاعتبار الأدلة الأثرية الموجودة، مثل آثار جذوع الأشجار التي عُثر عليها في جميع أنحاء الجزيرة. كما شكك آخرون في إمكانية قيام السكان الأصليين بتنسيق العمل الجماعي اللازم لتحريك التماثيل بهذه الطريقة.
ومع ذلك، دافع بافيل عن نظريته، مشيرًا إلى أن الأدلة الأثرية يمكن تفسيرها بطرق مختلفة. جادل بأن آثار جذوع الأشجار قد تكون مرتبطة بأنشطة أخرى، مثل بناء المنازل أو القوارب. كما أكد أن السكان الأصليين في جزيرة القيامة كانوا يتمتعون بمهارات هندسية وتنظيمية متطورة، مما يجعل “المشي” بالتماثيل أمرًا ممكنًا.
التأثير والإرث
بغض النظر عن الجدل المحيط بها، كان لنظرية بافيل تأثير كبير على فهمنا لكيفية نقل تماثيل المواي. قدمت نظريته منظوراً جديداً حول الهندسة والتكنولوجيا المحتملة التي استخدمها شعب رابا نوي، وأثارت المزيد من البحث والاستكشاف في هذا المجال.
كما ساهمت تجارب بافيل في زيادة الوعي العام حول جزيرة القيامة وتاريخها الغني. ساعدت أساليبه المبتكرة على جذب انتباه وسائل الإعلام والجمهور، مما أدى إلى زيادة الاهتمام بالجزيرة وثقافتها الفريدة.
مشاريع أخرى
بالإضافة إلى عمله في جزيرة القيامة، شارك بافيل في العديد من المشاريع الأخرى المتعلقة بالآثار التجريبية. استخدم معرفته الهندسية والتاريخية لاستكشاف حلول محتملة للألغاز الأثرية الأخرى، مثل كيفية بناء الأهرامات المصرية أو كيفية نقل الأحجار الضخمة المستخدمة في بناء ستونهنج.
يعتبر بافيل بافيل شخصية فريدة من نوعها تجمع بين الهندسة وعلم الآثار. أسهمت أساليبه المبتكرة وتجاربه العملية في إثراء فهمنا للتاريخ القديم، وألهمت جيلاً جديدًا من الباحثين والمهتمين بالآثار.
الجوائز والتكريمات
تقديراً لمساهماته في علم الآثار التجريبي، حصل بافيل بافيل على العديد من الجوائز والتكريمات، بما في ذلك:
- جائزة الإبداع من جامعة تشارلز في براغ
- جائزة الاستحقاق من الأكاديمية التشيكية للعلوم
- عضوية فخرية في الجمعية الملكية للآثار
المنشورات
نشر بافيل بافيل العديد من المقالات والكتب حول عمله في جزيرة القيامة والآثار التجريبية، بما في ذلك:
- “المشي مع المواي: حل لغز جزيرة القيامة” (Walking with the Moai: Solving the Easter Island Puzzle)
- “الآثار التجريبية: دليل عملي” (Experimental Archaeology: A Practical Guide)
- “تكنولوجيا الحضارات القديمة” (The Technology of Ancient Civilizations)
خاتمة
بافيل بافيل هو مهندس تشيكي وعالم آثار تجريبي معروف بعمله في جزيرة القيامة، وخاصة نظريته حول كيفية نقل تماثيل المواي. على الرغم من أن نظريته أثارت جدلاً، إلا أنها ساهمت بشكل كبير في فهمنا لتاريخ الجزيرة وثقافتها. من خلال تجاربه العملية وأساليبه المبتكرة، ألهم بافيل العديد من الباحثين والمهتمين بالآثار وترك بصمة واضحة في مجال علم الآثار التجريبي.