خلفية الدراسة
ميلتون روكايش، عالم النفس الاجتماعي البارز، كان مهتمًا بفهم طبيعة المعتقدات، وكيف تتشكل، وكيف تتغير، وكيف تتأثر بالتفاعلات الاجتماعية. اعتقد روكايش أن دراسة المرضى الذين يعانون من أوهام متشابهة يمكن أن توفر نظرة ثاقبة على هذه العمليات. في هذه الحالة، كان يعتقد أن دراسة التفاعل بين ثلاثة رجال يعتقدون أنهم المسيح ستمكنه من ملاحظة كيف يتعاملون مع الاختلافات في معتقداتهم، وكيف يتكيفون مع بعضهم البعض، وكيف تتغير أوهامهم بمرور الوقت.
المرضى الثلاثة
شارك في الدراسة ثلاثة مرضى، أُطلق عليهم أسماء مستعارة: ليون، جوزيف، وكلايد. كان كل منهم يعاني من الفصام البارانوي، وهو اضطراب نفسي يتميز بأوهام، وتحديدًا في هذه الحالات، أوهام العظمة (الاعتقاد الخاطئ بأن المرء يتمتع بأهمية أو قوة عظيمة) وأوهام الاضطهاد (الاعتقاد الخاطئ بأن المرء يتعرض للأذى أو التآمر). كان كل من ليون وجوزيف وكلايد يعتقدون أنهم يسوع المسيح. كان لدى كل منهم تاريخ من العلاج النفسي في مستشفى إيبسيلانتي الحكومي.
التجربة
بدأت التجربة في عام 1959 واستمرت لمدة عامين. تم وضع الرجال الثلاثة في نفس الجناح، وجُعلوا يتفاعلون مع بعضهم البعض بشكل منتظم، بما في ذلك المشاركة في وجبات الطعام والأنشطة الجماعية وجلسات العلاج. كان هدف روكايش هو مراقبة كيف سيتفاعلون مع بعضهم البعض عندما يواجهون ادعاءات الآخرين المتنافسة بالهوية.
راقب روكايش عن كثب التفاعلات بين الرجال، وسجل سلوكياتهم وأقوالهم، وقام بتحليل التغيرات في معتقداتهم بمرور الوقت. قام أيضًا بإجراء مقابلات منتظمة معهم. استخدم روكايش عدة طرق لتشجيع التفاعل بين الرجال الثلاثة، بما في ذلك:
- المواجهات المباشرة: سمح روكايش للرجال الثلاثة بمواجهة بعضهم البعض مباشرة، مما أجبرهم على مواجهة ادعاءاتهم المتنافسة بالهوية.
- جلسات العلاج الجماعي: عقد روكايش جلسات علاج جماعي حيث ناقش الرجال معتقداتهم، وحيث تم تشجيعهم على التشكيك في معتقدات بعضهم البعض.
- إعادة التأكيد على الواقع: قام روكايش بتذكير الرجال باستمرار بالواقع، وتوفير معلومات عن هوياتهم الحقيقية.
نتائج التجربة
كانت نتائج التجربة معقدة وغير حاسمة. في البداية، أظهر الرجال الثلاثة قدرًا كبيرًا من العداء لبعضهم البعض، حيث رفض كل منهم الاعتراف بادعاءات الآخرين بالهوية. حاولوا إثبات أنهم المسيح الحقيقي، بينما الآخرون كانوا مزيفين. مع مرور الوقت، بدأت بعض التغييرات تحدث.
- التكيف: بدأ الرجال في التكيف مع حقيقة أنهم يعيشون مع شخصين آخرين يزعمون أنهم المسيح. تعلموا تجاهل ادعاءات الآخرين أو الرد عليها بطرق أكثر دقة.
- التغيير في المعتقدات: في بعض الحالات، بدأت معتقدات الرجال تتغير. على سبيل المثال، بدأ أحد الرجال في الإشارة إلى نفسه على أنه “يسوع” بدلاً من “يسوع المسيح”، مما يوحي بتخفيف طفيف في أوهامه.
- العزلة: في الحالات الأخرى، انسحب الرجال من بعضهم البعض، واختاروا العزلة بدلاً من الانخراط في تفاعلات قد تثير صراعات حول هويتهم.
- التدهور: في بعض الحالات، تفاقمت أعراض الرجال. أظهروا زيادة في القلق والهلوسة والسلوك غير المنظم.
بشكل عام، لم تثبت التجربة أن معتقدات الرجال تغيرت بشكل كبير. ومع ذلك، فقد قدمت رؤى قيمة حول طبيعة المعتقدات، وكيف تتأثر بالتفاعلات الاجتماعية، وكيف يمكن أن يكون لعمليات العلاج تأثيرات غير متوقعة. أظهرت التجربة أيضًا كيف يمكن أن يكون للبيئة الاجتماعية تأثير كبير على المرضى النفسيين.
الاعتبارات الأخلاقية
أثارت التجربة العديد من الأسئلة الأخلاقية. شكك النقاد في أخلاقيات السماح للمرضى الذين يعانون من أوهام بتجربة مثل هذه التجربة، والتي يمكن أن تكون مؤلمة وربما تزيد من تفاقم أعراضهم. كما أثاروا مخاوف بشأن موافقة المرضى على التجربة، بالنظر إلى أنهم يعانون من اضطرابات عقلية قد تعيق قدرتهم على اتخاذ قرارات مستنيرة. بالإضافة إلى ذلك، أثاروا تساؤلات حول ما إذا كان روكايش قد تدخل بشكل مفرط في حياة المشاركين، وأضر بهم بدلاً من مساعدتهم.
دافع روكايش عن التجربة، بحجة أن النتائج المحتملة تفوق المخاطر. وأشار إلى أن المرضى كانوا يقيمون بالفعل في مستشفى للأمراض النفسية، وأن التجربة لم تكن تهدف إلى إيذائهم. ومع ذلك، فقد اعترف بأنه يجب على الباحثين النظر في الآثار الأخلاقية لأبحاثهم بعناية، واتخاذ خطوات لحماية رفاهية المشاركين.
التأثير والتراث
أصبح «السيّد المسيح الثلاثة في إيبسيلانتي» كتابًا كلاسيكيًا في علم النفس. تمت دراسة الكتاب على نطاق واسع، وتم الاستشهاد به في عدد لا يحصى من الأوراق البحثية والمقالات. لقد أثر الكتاب على مجال علم النفس، وقدم رؤى قيمة حول طبيعة المعتقدات، والتفاعلات الاجتماعية، والعلاج النفسي. كما ألهم الكتاب أعمالًا فنية، مثل الأفلام والمسرحيات.
استمر الجدل حول التجربة حتى يومنا هذا. بينما يرى البعض أن التجربة قدمت مساهمات قيمة في فهمنا للعقل البشري، يرى آخرون أنها كانت غير أخلاقية وربما ضارة للمشاركين. ومع ذلك، تظل «السيّد المسيح الثلاثة في إيبسيلانتي» دراسة حالة مهمة، تذكرنا بتعقيد العقل البشري وأهمية النظر في الآثار الأخلاقية للبحث العلمي.
نقد وتحليل
بالإضافة إلى الجدل الأخلاقي، تم انتقاد الدراسة بسبب بعض القيود المنهجية. على سبيل المثال، شكك البعض في قدرة روكايش على الحفاظ على الموضوعية، بالنظر إلى أنه كان يشارك بشكل مباشر في التجربة. كما شككوا في تعميم نتائج الدراسة، بالنظر إلى أن المشاركين كانوا يعانون من اضطرابات نفسية شديدة.
على الرغم من هذه الانتقادات، لا يزال الكتاب ذا قيمة كبيرة. إنه يوفر نظرة ثاقبة على تجارب الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية خطيرة، ويسلط الضوء على تعقيد المعتقدات والعلاقات الإنسانية. إنه بمثابة تذكير بأن الأشخاص الذين يعانون من أمراض عقلية يستحقون الاحترام والرعاية، وأنه يجب على الباحثين دائمًا النظر في الآثار الأخلاقية لأعمالهم.
خاتمة
«السيّد المسيح الثلاثة في إيبسيلانتي» هو عمل رائد في علم النفس يقدم نظرة فريدة من نوعها على عقول ثلاثة رجال يعانون من الفصام البارانوي، والذين يعتقدون أنهم يسوع المسيح. على الرغم من الجدل الأخلاقي المحيط بالتجربة، فقد ساهمت في فهمنا لطبيعة المعتقدات، والتفاعلات الاجتماعية، والعلاج النفسي. يمثل الكتاب دراسة حالة معقدة ومثيرة للتفكير، والتي لا تزال ذات صلة حتى اليوم، ويوفر رؤى قيمة حول تعقيد العقل البشري وتحديات الصحة العقلية.