نشأته وبداية حياته
ولد ليو بريثولز في مدينة فيينا بالنمسا لعائلة يهودية. نشأ في بيئة محبة، وتلقى تعليمه في المدرسة المحلية. في سن السابعة عشرة، شهد صعود النازية وازدياد التمييز ضد اليهود. أُجبر على مغادرة المدرسة والعمل في وظائف مختلفة لتوفير لقمة العيش لعائلته.
بعد ضم النمسا إلى ألمانيا في عام 1938، تدهورت الأوضاع بالنسبة لليهود بشكل كبير. تعرضت عائلة بريثولز للمضايقات والتهديدات المستمرة. في عام 1942، تم ترحيل ليو مع عائلته إلى معسكر اعتقال في فرنسا. كانت هذه بداية رحلة عذابه التي غيرت حياته إلى الأبد.
الترحيل والهروب من القطار
في عام 1942، تم ترحيل ليو بريثولز وعائلته من فرنسا في قطار متجه إلى معسكر الإبادة أوشفيتز في بولندا. خلال الرحلة المروعة، قرر ليو وعدد قليل من السجناء الآخرين محاولة الهروب. بعد التخطيط الدقيق، تمكنوا من فتح باب إحدى عربات القطار والقفز أثناء سيره.
كان الهروب محفوفًا بالمخاطر. تعرض الهاربون لإطلاق النار من قبل الحراس، وجرح ليو في ساقه. ومع ذلك، تمكن هو ورفاقه من الفرار والاختباء في الغابات المجاورة. بعد أيام من التجوال، تمكنوا من الحصول على المساعدة من بعض السكان المحليين الذين أخفوهم وقدموا لهم الطعام والمأوى.
الحياة في الاختفاء
بعد الهروب من القطار، أمضى ليو بريثولز سنوات الحرب في الاختفاء. تنقل بين أماكن مختلفة، وعمل في وظائف مختلفة لتجنب اكتشافه من قبل النازيين. واجه العديد من التحديات والمخاطر، بما في ذلك الجوع والمرض والتهديد المستمر بالاعتقال.
خلال فترة الاختفاء، تعلم ليو الاعتماد على نفسه وقدرته على التكيف مع الظروف الصعبة. طور مهارات البقاء على قيد الحياة التي ساعدته على النجاة من الهولوكوست. كما حافظ على إيمانه بالإنسانية والأمل في المستقبل.
بعد الحرب: الحياة الجديدة والشهادة على الفظائع
بعد انتهاء الحرب، عاد ليو بريثولز إلى فيينا، حيث اكتشف أن معظم أفراد عائلته قد قُتلوا في معسكرات الاعتقال. كان هذا الاكتشاف بمثابة ضربة قاسية، لكنه دفعه إلى تكريس حياته لتذكر ضحايا الهولوكوست والتوعية ضد الكراهية والتعصب.
هاجر ليو إلى الولايات المتحدة في عام 1947، حيث تزوج وأسس عائلة. عمل في مجال الأعمال، لكنه لم ينس أبدًا تجربته في الهولوكوست. بدأ في مشاركة قصته في المدارس والكنائس والمنظمات المجتمعية، بهدف تثقيف الآخرين حول أهوال النازية.
أصبح ليو بريثولز متحدثًا عامًا مشهورًا، وسافر حول العالم لمشاركة شهادته. حكى عن تجربته في الهولوكوست بصدق ووضوح، وألهم المستمعين من جميع الأعمار والخلفيات. كان يعتقد أن من الضروري تذكر الماضي لضمان عدم تكرار الفظائع.
النشاط والمساهمات في التوعية
بالإضافة إلى مشاركة شهادته، شارك ليو بريثولز في العديد من الأنشطة الأخرى لتعزيز التوعية بالهولوكوست. عمل مع منظمات مختلفة، مثل متحف الهولوكوست التذكاري في الولايات المتحدة، لتطوير برامج تعليمية وتقديم الدعم للناجين.
شارك في كتابة مذكراته، والتي نُشرت بعنوان “أكثر من ناجٍ” (Surviving: Leo Bretholz and the Holocaust)، والتي أصبحت من الكتب الأكثر مبيعًا. ساعد الكتاب على نشر قصته على نطاق أوسع، وساهم في إلهام القراء في جميع أنحاء العالم.
ألقى محاضرات في الجامعات والمدارس، وحاور وسائل الإعلام المختلفة. حث الناس على التفكير النقدي في قضايا الظلم والتمييز، والعمل من أجل عالم أكثر عدلاً وإنصافًا. كان يعتبر أن التوعية والتعليم هما السلاحان الأقوى لمكافحة الكراهية والتعصب.
إرث ليو بريثولز
ترك ليو بريثولز إرثًا دائمًا كشاهد على الهولوكوست ومدافعًا عن حقوق الإنسان. ألهمت قصته الملايين من الناس حول العالم، وحفزتهم على الوقوف ضد الظلم والاضطهاد. تعتبر شهادته من أهم الوثائق التي تخلد ذكرى ضحايا الهولوكوست.
كان ليو مثالاً على الشجاعة والصمود والأمل. أظهر أن حتى في أحلك الظروف، يمكن للإنسان أن يجد القوة للنجاة والازدهار. أدت جهوده في التوعية والتعليم إلى إحداث فرق كبير في العالم، وأثرت في حياة الكثيرين.
توفي ليو بريثولز في 8 مارس 2014، عن عمر يناهز 93 عامًا. على الرغم من وفاته، تستمر قصته في العيش، وتستمر رسالته في إلهام الأجيال القادمة. يظل تذكره واجبًا أخلاقيًا لضمان عدم نسيان فظائع الهولوكوست.
العبر المستفادة من قصة ليو بريثولز
قصة ليو بريثولز تقدم دروسًا قيمة يمكن تعلمها وتطبيقها في حياتنا اليومية. بعض هذه الدروس تشمل:
- أهمية الصمود: يعلمنا ليو أن الصمود في مواجهة الشدائد أمر ممكن، حتى في أحلك الظروف.
- قوة الأمل: يذكرنا بأهمية الحفاظ على الأمل حتى في أوقات اليأس.
- الوقوف ضد الظلم: يوضح لنا ضرورة معارضة الظلم والتمييز أينما وجدوا.
- أهمية التعليم: يبرز دور التعليم في مكافحة الكراهية والتعصب.
- تذكر الماضي: يؤكد على ضرورة تذكر الماضي لتجنب تكرار الأخطاء.
خاتمة
كان ليو بريثولز ناجيًا من الهولوكوست، ومؤرخًا، ومدافعًا عن حقوق الإنسان. لقد أظهر شجاعة استثنائية في مواجهة المحنة، وكرس حياته للتوعية بأهوال الهولوكوست. ألهمت قصته الملايين، وستبقى ذكراه حافزًا لنا جميعًا للعمل من أجل عالم أكثر عدلاً وإنصافًا. تعتبر شهادته بمثابة تذكير دائم بأهمية تذكر الماضي والعمل من أجل مستقبل أفضل.
المراجع
- المتحف التذكاري للهولوكوست بالولايات المتحدة – ليو بريثولز
- نيويورك تايمز – وفاة ليو بريثولز، الناجي من الهولوكوست الذي هرب من قطار الموت
- أمازون – كتاب “النجاة: ليو بريثولز والهولوكوست”
- مركز الهولوكوست – معرض ليو بريثولز
“`