<![CDATA[
خلافة هارون للحكم
بعد وفاة جيش بن خمارويه، تولى هارون الحكم في ظروف سياسية واقتصادية مضطربة. كانت الدولة الطولونية تعاني من ضعف داخلي نتيجة للصراعات على السلطة وتردي الأوضاع الاقتصادية. كما كانت تواجه تهديدات خارجية من الخلافة العباسية التي كانت تسعى لاستعادة سيطرتها على مصر والشام.
لم يكن هارون يمتلك الكفاءة السياسية والإدارية التي تؤهله لمواجهة هذه التحديات. كان شابًا صغيرًا يميل إلى اللهو والترف، مما أضعف هيبة الدولة وزاد من نفوذ الوزراء والقادة العسكريين. وقد استغل هؤلاء القادة ضعف هارون لتحقيق مصالحهم الخاصة، مما أدى إلى تفاقم المشاكل الداخلية.
فترة حكمه
تميزت فترة حكم هارون بن خمارويه بالقلاقل والاضطرابات. ضعفت سلطة الدولة المركزية، وانتشرت الفتن والثورات في أنحاء البلاد. كما تفاقمت الأزمة الاقتصادية، وارتفعت الأسعار، وانتشر الفقر والجوع بين السكان.
من أبرز الأحداث التي وقعت في عهد هارون، ثورة القرامطة في الشام. استغل القرامطة ضعف الدولة الطولونية، وتمكنوا من السيطرة على أجزاء واسعة من الشام، وقطعوا طرق التجارة، وهددوا أمن الدولة. وقد أرسل هارون جيشًا لمحاربة القرامطة، ولكنه لم يتمكن من تحقيق نصر حاسم عليهم.
كما شهدت فترة حكم هارون صراعات داخلية بين الأمراء والقادة العسكريين. كان كل أمير وقائد يسعى لتعزيز نفوذه ومصالحه الخاصة، مما أضعف الدولة وزاد من انقسامها. وقد استغل العباسيون هذه الصراعات لتدبير المؤامرات ضد الدولة الطولونية، والتحريض على الثورة ضدها.
الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية
تدهورت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر والشام خلال فترة حكم هارون بن خمارويه. تراجعت الزراعة والصناعة والتجارة، وارتفعت الأسعار، وانتشر الفقر والجوع بين السكان. كما زادت الضرائب والأعباء المالية على كاهل المواطنين، مما أثار سخطهم وغضبهم.
وقد تفاقمت الأزمة الاقتصادية بسبب الإسراف والبذخ الذي مارسه هارون وحاشيته. كان هارون ينفق الأموال الطائلة على اللهو والترف، وبناء القصور والحدائق، وشراء الجواري والغلمان. وقد أثار هذا الإسراف غضب الشعب، وزاد من استيائهم من حكمه.
كما عانت الدولة الطولونية من مشاكل اجتماعية عديدة، مثل انتشار الفساد والرشوة والمحسوبية. كان المسؤولون والموظفون يستغلون مناصبهم لتحقيق مصالحهم الخاصة، وجمع الثروات غير المشروعة. وقد أدى هذا الفساد إلى تدهور الخدمات العامة، وتفشي الظلم والاستبداد.
العلاقات الخارجية
تدهورت العلاقات الخارجية للدولة الطولونية خلال فترة حكم هارون بن خمارويه. كانت الدولة الطولونية على خلاف مع الخلافة العباسية التي كانت تسعى لاستعادة سيطرتها على مصر والشام. وقد استغل العباسيون ضعف الدولة الطولونية لتدبير المؤامرات ضدها، والتحريض على الثورة ضدها.
كما كانت الدولة الطولونية على خلاف مع الدول والإمارات المجاورة، مثل الدولة الحمدانية في حلب، والدولة الإخشيدية في فلسطين. كانت هذه الدول والإمارات تسعى لتوسيع نفوذها على حساب الدولة الطولونية، وقد استغلت ضعفها لشن الهجمات عليها، وقطع طرق التجارة.
وقد حاول هارون بن خمارويه تحسين العلاقات الخارجية للدولة الطولونية، وإقامة تحالفات مع الدول والإمارات المجاورة. ولكنه لم يتمكن من تحقيق نجاح كبير في هذا المجال، بسبب ضعف الدولة وتدهور أوضاعها الداخلية.
مقتله ونهاية الدولة الطولونية
في 30 ديسمبر 904، قتل هارون بن خمارويه على يد غلمانه في مؤامرة دبرها بعض القادة العسكريين. وقد أدى مقتل هارون إلى اندلاع صراعات داخلية على السلطة بين الأمراء والقادة العسكريين، مما أضعف الدولة الطولونية بشكل كبير.
بعد مقتل هارون، تولى شيبان بن أحمد بن طولون الحكم لفترة قصيرة، ولكنه لم يتمكن من السيطرة على الأوضاع. وفي عام 905، أرسل الخليفة العباسي جيشًا بقيادة محمد بن سليمان الكاتب إلى مصر، وتمكن الجيش العباسي من هزيمة الطولونيين، واستعادة السيطرة على مصر والشام، وإنهاء الدولة الطولونية.
أسباب سقوط الدولة الطولونية
هناك عدة أسباب أدت إلى سقوط الدولة الطولونية، من أبرزها:
- ضعف الأمراء الطولونيين، وعدم كفاءتهم السياسية والإدارية.
- الصراعات الداخلية على السلطة بين الأمراء والقادة العسكريين.
- تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وانتشار الفساد والظلم.
- المؤامرات والدسائس التي دبرها العباسيون ضد الدولة الطولونية.
- الهجمات التي شنها القرامطة والدول والإمارات المجاورة على الدولة الطولونية.
إرث هارون بن خمارويه
على الرغم من قصر فترة حكمه وعدم استقراره، إلا أن هارون بن خمارويه ترك بصمة في تاريخ مصر. فقد اهتم بالعمارة والفنون، وقام ببناء العديد من القصور والحدائق والمنشآت العامة. كما شجع العلماء والأدباء والفنانين، وقربهم إليه، ومنحهم الهدايا والعطايا.
إلا أن إرثه الأكبر كان في الكيفية التي ساهم بها ضعفه في تسريع نهاية الدولة الطولونية التي أسسها جده أحمد بن طولون. حكمه المضطرب كان بمثابة إعلان عن بداية النهاية لهذه الدولة المستقلة التي حكمت مصر والشام لفترة من الزمن.
خاتمة
كان هارون بن خمارويه آخر الأمراء الطولونيين الأقوياء. شهدت فترة حكمه ضعفاً كبيراً في الدولة الطولونية بسبب صراعات داخلية ومشاكل اقتصادية واجتماعية. انتهى حكمه بمقتله، وتبعه سقوط الدولة الطولونية على يد العباسيين، لينهي بذلك حقبة من الاستقلال الذاتي لمصر والشام.