مرتفعات ويذرينج (Wuthering Heights)

خلفية تاريخية

شهدت فترة عمل هيرمان على “مرتفعات ويذرينج” العديد من التحديات. في البداية، كان من المفترض أن تُعرض الأوبرا في دار الأوبرا متروبوليتان في نيويورك، ولكن لأسباب فنية وشخصية، تم رفض العمل في اللحظة الأخيرة. هذا الرفض كان بمثابة صدمة لهيرمان، الذي كان قد كرس سنوات طويلة من حياته لإنشاء هذه الأوبرا. على الرغم من ذلك، لم يتخلَّ هيرمان عن عمله، واستمر في تطويره وتحسينه حتى أصبح جاهزًا للعرض.

عُرضت “مرتفعات ويذرينج” لأول مرة في عام 1998، أي بعد حوالي 20 عامًا من وفاة هيرمان. وقد تم هذا العرض في دار الأوبرا الإنجليزية الوطنية، وحقق نجاحًا كبيرًا. لاحقًا، تم إنتاج وعرض الأوبرا في دور أوبرا مختلفة حول العالم، مما أثبت قيمتها الفنية وخلودها.

بنية الأوبرا

تتكون “مرتفعات ويذرينج” من مقدمة، وأربعة فصول، وكل فصل مقسم إلى عدة مشاهد. يعتمد العمل على قصة الرواية الأصلية بشكل كبير، مع بعض التعديلات الدرامية التي تهدف إلى تعزيز التأثير الموسيقي والمسرحي. يركز العمل على العلاقة العاصفة بين كاثرين إيرنشو وهيثكليف، والشخصيات الأخرى التي تتأثر بهذه العلاقة.

يبدأ العمل بمشهد يوضح وصول لوكهوود إلى مرتفعات ويذرينج، حيث يتعرف على شخصيات القصة. ثم ينتقل العمل إلى استعراض ذكريات إلين دين، مربية كاثرين، والتي تحكي عن حياة كاثرين وهيثكليف منذ طفولتهما. تتوالى الأحداث بشكل درامي، مع ظهور الصراع بين الحب والكراهية، والانتقام واليأس. تتخلل هذه الأحداث مقطوعات موسيقية قوية تعبر عن المشاعر المتضاربة للشخصيات.

الشخصيات الرئيسية

كاثرين إيرنشو: الشخصية المحورية في الأوبرا. تجسد كاثرين الجمال والغموض والعاطفة الجياشة. وهي واقعة في حب هيثكليف، ولكنها تتزوج من إدجار لينتون لأسباب اجتماعية.
هيثكليف: الشخصية الأكثر تعقيدًا في الأوبرا. هو طفل لقيط يتبناه السيد إيرنشو. ينمو هيثكليف في كنف عائلة إيرنشو، ويقع في حب كاثرين. يعاني هيثكليف من الظلم والحرمان، ويسعى للانتقام من الذين أساءوا إليه.
إدجار لينتون: رجل نبيل وهادئ، يتزوج من كاثرين. يمثل إدجار الاستقرار والأمان، ولكنه يفتقر إلى الشغف الذي يربط كاثرين بهيثكليف.
إيزابيلا لينتون: أخت إدجار، تتزوج من هيثكليف بدافع الحب. تكتشف إيزابيلا بسرعة طبيعة هيثكليف القاسية، وتعاني من زواجهما التعيس.

الأسلوب الموسيقي

يتميز أسلوب هيرمان الموسيقي في “مرتفعات ويذرينج” بالدراما القوية، والتركيز على التعبير عن المشاعر العميقة. يستخدم هيرمان الأوركسترا بشكل مكثف، لخلق أجواء مناسبة لكل مشهد. يعتمد على استخدام النغمات المتغيرة، والتناغمات المعقدة، والإيقاعات المتنوعة، لخلق التوتر والإثارة.

تعتبر الألحان في الأوبرا ذات طابع رومانسي، وتعكس حالة الشخصيات النفسية. يستخدم هيرمان تقنيات موسيقية مختلفة، مثل استخدام الليتموتيف (الموتيفات المتكررة) لتمثيل الشخصيات والأفكار. تساهم هذه التقنيات في تعزيز وحدة العمل، وتعميق فهم الجمهور للشخصيات.

تتميز الموسيقى في “مرتفعات ويذرينج” بالجمال والتعبيرية. يمتزج فيها التأثير الرومانسي بالتأثير الدرامي الحديث، مما يخلق تجربة سمعية وبصرية فريدة من نوعها. إن استخدام هيرمان للأوركسترا يضيف إلى عمق وتأثير العمل.

أهمية الأوبرا

تعتبر “مرتفعات ويذرينج” من الأعمال الهامة في تاريخ الأوبرا. فهي تمثل ذروة إبداع هيرمان، وتعكس قدرته على التعبير عن المشاعر الإنسانية المعقدة. تعتبر الأوبرا أيضًا تكريمًا لرواية إيميلي برونتي، حيث استطاع هيرمان أن ينقل روح الرواية وعمقها إلى عالم الموسيقى.

لقد تركت “مرتفعات ويذرينج” بصمة كبيرة في عالم الأوبرا، وألهمت العديد من الملحنين والفنانين. تُعرض الأوبرا في دور الأوبرا حول العالم، وتحظى بتقدير كبير من النقاد والجمهور. إنها عمل فني خالد، يستمر في التأثير والإلهام.

الفرق بين الرواية والأوبرا

على الرغم من أن أوبرا “مرتفعات ويذرينج” تتبع بشكل عام قصة رواية إيميلي برونتي، إلا أن هناك بعض الاختلافات والتعديلات. تهدف هذه التعديلات إلى جعل القصة أكثر درامية ومناسبة للعرض المسرحي. قام هيرمان بتكثيف بعض الأحداث، وتغيير بعض التفاصيل، لخلق تجربة فنية أكثر تركيزًا وقوة.

أحد الاختلافات الرئيسية هو التركيز على الموسيقى. في الأوبرا، يتم استخدام الموسيقى للتعبير عن المشاعر والأفكار، ولتعزيز التأثير الدرامي. يتيح ذلك للموسيقى أن تلعب دورًا محوريًا في سرد القصة، وتعميق فهم الجمهور للشخصيات. كما يركز هيرمان على الجوانب العاطفية والنفسية للشخصيات، مما يجعل الأوبرا تجربة أكثر حميمية وشخصية.

الاستقبال النقدي

حظيت أوبرا “مرتفعات ويذرينج” باستقبال نقدي إيجابي بشكل عام. أشاد النقاد بالموسيقى الدرامية القوية، والأداء المتميز للمغنين، والإخراج المتقن. اعتبر الكثيرون الأوبرا تحفة فنية، وعملًا خالدًا في تاريخ الأوبرا. أشار النقاد إلى أن الموسيقى نجحت في التقاط جوهر الرواية، والتعبير عن المشاعر الإنسانية المعقدة.

بالإضافة إلى ذلك، أشاد النقاد بالقدرة الفائقة لهيرمان على استخدام الأوركسترا للتعبير عن المشاعر، وخلق أجواء مناسبة لكل مشهد. اعتبروا أن الموسيقى كانت عنصرًا أساسيًا في نجاح الأوبرا، وأثنوا على الألحان الجميلة والتناغمات المعقدة. وقد كان للعرض الأول في دار الأوبرا الإنجليزية الوطنية تأثير كبير، وساهم في تعزيز سمعة الأوبرا وتقديرها.

التأثير الثقافي

تركت “مرتفعات ويذرينج” تأثيرًا كبيرًا على الثقافة، وألهمت العديد من الأعمال الفنية الأخرى. ألهمت الأوبرا إنتاجات سينمائية وتلفزيونية، بالإضافة إلى أعمال فنية أخرى. ساهمت الأوبرا في زيادة الوعي برواية إيميلي برونتي، وجعلت القصة أكثر شهرة وشعبية.

بالإضافة إلى ذلك، ألهمت الأوبرا العديد من الملحنين والفنانين، وساهمت في تطوير أساليب جديدة في كتابة الأوبرا. إنها عمل فني خالد، يستمر في التأثير والإلهام. لقد أثبتت الأوبرا أنها قادرة على تجاوز الحدود الزمنية والثقافية، ومخاطبة الجماهير في جميع أنحاء العالم.

خاتمة

تُعد “مرتفعات ويذرينج” تحفة فنية في عالم الأوبرا، وتعكس براعة الموسيقار برنارد هيرمان. استوحيت الأوبرا من رواية إيميلي برونتي التي تحمل نفس الاسم، وتقدم قصة درامية قوية عن الحب والكراهية والانتقام. تتميز الأوبرا بأسلوب موسيقي درامي يعبر عن المشاعر الإنسانية المعقدة. لاقت الأوبرا استقبالًا نقديًا إيجابيًا، وألهمت العديد من الأعمال الفنية الأخرى، ولا تزال تُعرض في دور الأوبرا حول العالم. تعتبر “مرتفعات ويذرينج” عملًا فنيًا خالدًا، يترك بصمة في عالم الموسيقى والأوبرا.

المراجع

“`