مقدمة
هنري آلان “هاري” آيرونسايد (14 أكتوبر 1876 – 15 يناير 1951) كان معلمًا وواعظًا ولاهوتيًا كنديًا أمريكيًا بارزًا. اشتهر آيرونسايد بأسلوبه التعليمي المباشر وتفسيراته الكتابية المحافظة، وأثر بشكل كبير على الحركة الإنجيلية في أمريكا الشمالية خلال النصف الأول من القرن العشرين.
نشأته وحياته المبكرة
ولد هاري آلان آيرونسايد في تورنتو، كندا، لعائلة ذات خلفية مسيحية قوية. كان والده، جون آيرونسايد، واعظًا في جيش الخلاص، بينما كانت والدته، مارغريت تيت، امرأة متدينة كرست نفسها لتعليم الكتاب المقدس. توفي والده عندما كان هاري في الثانية من عمره، مما أثر بشكل كبير على مسار حياته.
على الرغم من أن تعليمه الرسمي كان محدودًا، إلا أن آيرونسايد كان قارئًا نهمًا ومثقفًا ذاتيًا. بدأ دراسة الكتاب المقدس في سن مبكرة، وسرعان ما طور فهمًا عميقًا للكتاب المقدس. في سن الرابعة عشرة، بدأ الوعظ في اجتماعات جيش الخلاص، وسرعان ما أصبح معروفًا بأسلوبه الخطابي القوي وموهبته في التواصل مع الجماهير.
خدمته المبكرة
في سنوات مراهقته وشبابه، سافر آيرونسايد على نطاق واسع، حيث بشر ودرّس الكتاب المقدس في مختلف الكنائس والتجمعات في كندا والولايات المتحدة. عمل أيضًا في عدد من الوظائف المختلفة لإعالة نفسه، بما في ذلك العمل في مصنع للأحذية والعمل كعامل في منجم.
خلال هذه الفترة، بدأ آيرونسايد في تطوير أسلوبه التعليمي المميز، والذي تميز بالوضوح والبساطة والتركيز على التطبيق العملي للكتاب المقدس. كما بدأ في كتابة الكتب والمقالات، والتي سرعان ما اكتسبت شعبية واسعة بين المسيحيين الإنجيليين.
الكنيسة الإنجيلية الحرة
في عام 1929، أصبح آيرونسايد راعيًا لكنيسة مودي التذكارية في شيكاغو، وهي كنيسة كبيرة ومؤثرة ذات تاريخ طويل في الخدمة الإنجيلية. خدم كراعٍ للكنيسة لمدة 18 عامًا، وخلال فترة ولايته، شهدت الكنيسة نموًا كبيرًا وتأثيرًا متزايدًا.
بصفته راعيًا لكنيسة مودي التذكارية، كان آيرونسايد معروفًا بوعظه القوي وتعليمه الكتابي العميق. كما كان نشطًا في عدد من المنظمات المسيحية الأخرى، بما في ذلك جمعية مودي للكتاب المقدس وكلية مودي للكتاب المقدس.
لاهوته
كان آيرونسايد متمسكًا بالإيمان المسيحي الأصولي. لقد آمن بالإلهام الكامل للكتاب المقدس، وألوهية يسوع المسيح، والولادة العذرية ليسوع، وموته الكفاري على الصليب، وقيامته الجسدية، وعودته الوشيكة.
كما كان آيرونسايد من أشد المدافعين عن العقيدة التدبيرية، وهي طريقة لتفسير الكتاب المقدس تقسم التاريخ إلى عدد من التدابير المختلفة، أو الفترات الزمنية، التي تعامل فيها الله مع البشر بطرق مختلفة. كان يعتقد أننا نعيش حاليًا في تدبير النعمة، والذي بدأ في يوم الخمسين وسيستمر حتى الاختطاف.
كتاباته
كان آيرونسايد مؤلفًا غزير الإنتاج، كتب أكثر من 60 كتابًا ومئات المقالات خلال حياته. تضمنت كتاباته مجموعة واسعة من الموضوعات، بما في ذلك تفسير الكتاب المقدس واللاهوت المسيحي والحياة المسيحية العملية. بعض أشهر كتبه تشمل:
- “شرح الكتاب المقدس بأكمله”: عبارة عن مجموعة من التعليقات على كل كتاب من كتب الكتاب المقدس.
- “أسرار الله”: دراسة عن التدبيرية.
- “إلى الأمام المؤمنين”: مجموعة من العظات حول الحياة المسيحية.
- “إلا إذا تبتوا”: دعوة إلى التوبة والإيمان بالإنجيل.
- “ما هي رسالة العهد القديم؟”: نظرة عامة على اللاهوت والموضوعات الرئيسية للعهد القديم.
لا تزال كتب آيرونسايد تُقرأ على نطاق واسع اليوم، ولا تزال مؤثرة في المسيحيين الإنجيليين في جميع أنحاء العالم.
تأثيره وإرثه
كان لهاري آيرونسايد تأثير كبير على الحركة الإنجيلية في أمريكا الشمالية خلال النصف الأول من القرن العشرين. كان معروفًا بوعظه القوي وتعليمه الكتابي العميق وكتاباته الغزيرة. لقد ألهم عددًا لا يحصى من المسيحيين ليعيشوا حياة الإيمان والخدمة.
لا يزال إرث آيرونسايد محسوسًا اليوم من خلال كتبه ومقالاته العديدة، بالإضافة إلى تأثيره على عدد لا يحصى من القادة المسيحيين والمعلمين. يعتبره الكثيرون أحد أهم الشخصيات في الحركة الإنجيلية في القرن العشرين.
الجدل والانتقادات
على الرغم من تأثيره الواسع النطاق، لم يكن هاري آيرونسايد بمنأى عن الجدل والانتقادات. بعض أبرز نقاط الجدل والانتقادات تشمل:
- موقفه من الحركة الكاريزماتية: كان آيرونسايد منتقدًا صريحًا للحركة الكاريزماتية، التي ظهرت في أوائل القرن العشرين. كان يعتقد أن العديد من الظواهر التي ينسبها الكاريزماتيون إلى الروح القدس كانت في الواقع من أصل شيطاني. أثار هذا الموقف غضب العديد من الكاريزماتيين وأدى إلى جدل كبير.
- آرائه حول الخلاص: انتقد بعض اللاهوتيين آراء آيرونسايد حول الخلاص، بحجة أنه قلل من أهمية الأعمال في حياة المؤمن. لقد شدد آيرونسايد بقوة على أن الخلاص يتم بالنعمة بالإيمان وحده، لكن منتقديه جادلوا بأنه لم يعطِ دورًا كافيًا للأعمال في عملية التقديس.
- أسلوبه الجدلي: كان آيرونسايد معروفًا بأسلوبه الجدلي في الكتابة والوعظ. كان على استعداد لمواجهة أولئك الذين اختلف معهم، وغالبًا ما استخدم لغة قوية للتعبير عن وجهة نظره. في حين أن هذا الأسلوب أكسبه بعض المعجبين، إلا أنه أثار أيضًا غضب بعض الناس.
على الرغم من هذه الخلافات والانتقادات، يظل هاري آيرونسايد شخصية مهمة ومؤثرة في تاريخ الحركة الإنجيلية.
سنواته الأخيرة ووفاته
في سنواته الأخيرة، استمر آيرونسايد في الوعظ والكتابة والتدريس، على الرغم من تدهور صحته. توفي في 15 يناير 1951، عن عمر يناهز 74 عامًا. تركت وفاته فراغًا في المجتمع الإنجيلي، ولا يزال يُذكر باعتباره معلمًا وواعظًا وقائدًا مؤثرًا.
خاتمة
كان هاري آ. آيرونسايد شخصية بارزة في الحركة الإنجيلية في القرن العشرين. من خلال وعظه القوي وكتاباته الغزيرة، ترك بصمة لا تمحى على المسيحية الإنجيلية. على الرغم من الخلافات والانتقادات، سيظل آيرونسايد يُذكر دائمًا لالتزامه بالكتاب المقدس وتفانيه في خدمة الله.