نعيم عتيق (Naim Ateek)

نشأته وبداياته

ولد نعيم عتيق في مدينة بيسان، التي كانت جزءاً من فلسطين التاريخية قبل أن تحتلها إسرائيل عام 1948. نشأ في عائلة مسيحية ملتزمة، وتأثر في صغره بالظروف السياسية والاجتماعية الصعبة التي عاشها الفلسطينيون. بعد تهجير عائلته من بيسان، انتقلت إلى الناصرة. درس في المدارس المحلية، وأظهر اهتماماً مبكراً بالتعليم والخدمة العامة.

حصل عتيق على شهادة في الرياضيات والفيزياء من الجامعة الأميركية في بيروت عام 1959. عمل مدرساً للرياضيات في الكويت لمدة عامين. في عام 1964، عاد إلى فلسطين ليدرس اللاهوت في مدرسة القديس جورج في القدس. بعد تخرجه، بدأ مسيرته الكهنوتية في الكنيسة الأنجليكانية.

مسيرته الكهنوتية والنشاط السياسي

بدأ نعيم عتيق مسيرته الكهنوتية في عدة كنائس في فلسطين، بما في ذلك كنيسة المسيح في الناصرة وكنيسة القديس أندرو في رام الله. خلال هذه الفترة، شهد عن كثب التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في ظل الاحتلال الإسرائيلي. أدرك أهمية ربط اللاهوت بالواقع السياسي والاجتماعي، وركز على الدعوة إلى العدالة والسلام.

في عام 1990، أسس نعيم عتيق “معهد سابيل لللاهوت المسيحي” في القدس. يهدف المعهد إلى:

توفير التعليم والتدريب على اللاهوت التحرري.
دعم حقوق الفلسطينيين وتقديم الدعم لهم.
تعزيز الحوار بين الأديان.
المساهمة في بناء السلام العادل في المنطقة.

من خلال معهد سابيل، قام عتيق بتنظيم ورش عمل، وندوات، ومؤتمرات، وساهم في نشر الوعي حول القضايا الفلسطينية. كما قام المعهد بنشر العديد من الكتب والمقالات التي تهدف إلى تعزيز فهم أعمق للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني من منظور مسيحي.

أعماله وكتاباته

يعتبر نعيم عتيق كاتباً غزير الإنتاج، وقد ساهمت كتاباته في تشكيل الوعي بالقضية الفلسطينية. من أبرز مؤلفاته:

“الفلسطينيون والإنجيل: مسح الأمل والعدالة” (1989): يعتبر هذا الكتاب من أهم أعماله، حيث يقدم رؤية مسيحية للقضية الفلسطينية، ويدعو إلى العدالة والسلام.
“صوت من الداخل: شهادات عن معاناة الفلسطينيين” (1992): يجمع هذا الكتاب شهادات شخصية من فلسطينيين يعانون من الاحتلال الإسرائيلي.
“نحو سلام عادل: اللاهوت المسيحي والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني” (2008): يقدم هذا الكتاب تحليلاً لاهوتياً للنزاع، ويقترح طرقاً لتحقيق السلام العادل.
“يوميات من أرض مقدسة” (2011): يعرض هذا الكتاب تأملات شخصية حول الحياة في فلسطين.

تتميز كتابات عتيق بالجمع بين اللاهوت والسياسة، وتقديم رؤية مسيحية للعدالة الاجتماعية والسلام. وقد ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات، مما ساهم في انتشار أفكاره حول العالم.

نقد ومواقف

واجه نعيم عتيق انتقادات من بعض الجماعات والأفراد. اتُهم بأنه يتبنى مواقف مؤيدة للفلسطينيين بشكل مفرط، وأنه يستخدم اللاهوت لتبرير العنف. ومع ذلك، دافع عتيق عن مواقفه، مؤكداً على أهمية التمسك بالعدالة والمساواة. يؤمن عتيق بأهمية الحوار والتفاهم بين جميع الأطراف لتحقيق السلام العادل.

على الرغم من الانتقادات، يحظى نعيم عتيق باحترام واسع في أوساط اللاهوتيين والناشطين من أجل السلام. يعتبر صوته مهماً في الدعوة إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

جوائز وتكريمات

حصل نعيم عتيق على العديد من الجوائز والتكريمات تقديراً لعمله في مجال السلام والعدالة، منها:

جائزة السلام من مؤسسة “ألفا” (Alpha) في السويد.
جائزة “أيقونة السلام” من منظمة “التعاون من أجل السلام” في الولايات المتحدة.

تُعبر هذه الجوائز عن تقدير عالمي لجهوده في تعزيز السلام والمصالحة في الشرق الأوسط.

تأثيره وإرثه

ترك نعيم عتيق تأثيراً كبيراً على اللاهوت المسيحي الفلسطيني والعالمي. يعتبر رائداً في مجال اللاهوت التحرري، وقد ألهم العديد من الكهنة والناشطين للعمل من أجل العدالة والسلام. استطاع من خلال كتاباته ومعهد سابيل أن يرفع الوعي بالقضية الفلسطينية، ويدعو إلى حل عادل للصراع. يعتبر إرثه مستمراً في عمل معهد سابيل وجهوده في تعزيز الحوار والتقريب بين الأديان.

المواقف السياسية والأيديولوجية

يعتبر نعيم عتيق من أشد المؤيدين لحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة. يدعو إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والتوصل إلى حل عادل وشامل للصراع. يؤمن عتيق بأهمية السلام القائم على العدالة والمساواة، ويدعم الحوار والتفاوض كأدوات لتحقيق هذا الهدف.

يشدد عتيق على ضرورة احترام حقوق الإنسان، والتصدي لجميع أشكال التمييز والظلم. يعتبر أن اللاهوت المسيحي يجب أن يلعب دوراً مهماً في دعم قضايا العدالة الاجتماعية، وتعزيز السلام في المنطقة. يدعم مبدأ التعايش السلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويحث على بناء جسور من الثقة والتفاهم بين الجانبين.

أهمية عمله في سياق الحوار بين الأديان

يولي نعيم عتيق أهمية كبيرة للحوار بين الأديان كأداة لتعزيز التفاهم المتبادل والسلام في الشرق الأوسط. يعتقد أن الحوار البناء بين المسيحيين والمسلمين واليهود يمكن أن يساهم في:

تجاوز الخلافات والنزاعات.
بناء الثقة والاحترام المتبادل.
إيجاد أرضية مشتركة للعمل من أجل السلام.
التصدي لخطاب الكراهية والتحريض على العنف.

من خلال معهد سابيل، نظم عتيق العديد من اللقاءات والحوارات بين القادة الدينيين من مختلف الديانات. كما شارك في العديد من المؤتمرات والندوات الدولية التي تهدف إلى تعزيز الحوار بين الأديان. يعتبر عمله في هذا المجال مهماً في بناء جسور التواصل، وتعزيز التسامح والتفاهم في مجتمع يعاني من الانقسام والتوتر.

نقد سياسات إسرائيل

منذ بداية مسيرته، انتقد نعيم عتيق سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين. يعتبر أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان والقانون الدولي. يدعو إلى إنهاء الحصار على قطاع غزة، ووقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية. ينتقد عتيق أيضاً سياسات التمييز العنصري التي يمارسها الإسرائيليون ضد الفلسطينيين.

يعتبر عتيق أن السلام العادل لن يتحقق إلا من خلال الاعتراف بحقوق الفلسطينيين، وإنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. يؤمن بضرورة تطبيق القانون الدولي، واحترام حقوق الإنسان لجميع الأطراف. يرى أن على المجتمع الدولي أن يمارس ضغوطاً على إسرائيل لإنهاء الاحتلال والالتزام بالقانون الدولي.

التعامل مع القضايا الاجتماعية

بالإضافة إلى قضايا السلام والعدالة، يهتم نعيم عتيق بالقضايا الاجتماعية الأخرى. يدعم حقوق المرأة، ويدعو إلى المساواة بين الجنسين. كما يولي اهتماماً خاصاً بقضايا اللاجئين، ويدعو إلى احترام حقوقهم في العودة إلى ديارهم. يدعم أيضاً حقوق الأقليات الدينية والعرقية، ويدعو إلى حمايتهم من التمييز والاضطهاد.

يعتبر عتيق أن اللاهوت المسيحي يجب أن يلعب دوراً في معالجة القضايا الاجتماعية الملحة، وتقديم الدعم للمهمشين والضعفاء. يرى أن على الكنيسة أن تكون صوتاً للذين ليس لهم صوت، وأن تعمل من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع.

مستقبل السلام في المنطقة

على الرغم من التحديات والصعوبات، يحتفظ نعيم عتيق بالأمل في مستقبل السلام في المنطقة. يؤمن بأهمية العمل الدؤوب، والالتزام بالعدالة، وتعزيز الحوار والتفاهم. يدعو إلى بناء مجتمع يعيش فيه الجميع بكرامة وأمان، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو جنسيتهم.

يعتبر عتيق أن السلام الحقيقي يتطلب تغييرات جذرية في المواقف والسلوكيات. يدعو إلى التخلي عن العنف والكراهية، والتمسك بالقيم الإنسانية المشتركة. يرى أن السلام يجب أن يبدأ من الداخل، من خلال بناء علاقات قائمة على الثقة والاحترام المتبادل.

خاتمة

نعيم عتيق هو شخصية بارزة في مجال اللاهوت التحرري الفلسطيني، ورائد في الدعوة إلى العدالة والسلام في الأراضي المقدسة. من خلال عمله في معهد سابيل، وكتاباته، ومشاركته في الحوار بين الأديان، ساهم في رفع الوعي بالقضية الفلسطينية، وتعزيز قيم التسامح والمساواة. على الرغم من الانتقادات التي واجهها، استمر عتيق في الدعوة إلى السلام العادل، وترك إرثاً مهماً في مجال اللاهوت والنشاط من أجل حقوق الإنسان.

المراجع

“`