الانحراف الإيجابي (Positive Deviance)

أسس ومبادئ الانحراف الإيجابي

يعتمد نهج الانحراف الإيجابي على عدد من المبادئ الأساسية التي توجه تطبيقه. فهم هذه المبادئ ضروري لتنفيذ فعال ومستدام.

• المجتمع يعرف الحلول: يفترض هذا المبدأ أن الحلول للمشاكل موجودة بالفعل داخل المجتمع نفسه. غالبًا ما يمتلك
  الأفراد أو المجموعات الذين يظهرون سلوكًا منحرفًا إيجابيًا معرفة ضمنية أو خبرة عملية يمكن أن تفيد الآخرين.
• الاستقلالية والتمكين: يركز نهج الانحراف الإيجابي على تمكين أفراد المجتمع من خلال تشجيعهم على المشاركة في عملية
  التغيير. هذا النهج يعزز الشعور بالملكية والمسؤولية، مما يزيد من فرص النجاح.
• التركيز على السلوكيات: يولي هذا النهج اهتمامًا خاصًا بالسلوكيات المحددة التي تؤدي إلى نتائج إيجابية. بدلاً من
  التركيز على تغيير القيم أو المعتقدات، يركز على تغيير السلوكيات الملموسة التي يمكن ملاحظتها وقياسها.
• المشاركة والتعاون: يتطلب تطبيق نهج الانحراف الإيجابي مشاركة نشطة من جميع أفراد المجتمع. التعاون وتبادل
  المعرفة والخبرات ضروري لتحقيق التغيير.
• التكرار والتجريب: يشجع هذا النهج على التكرار والتجريب المستمر. من خلال اختبار أفكار جديدة وتعديلها بناءً على
  النتائج، يمكن للمجتمع أن يتعلم ويتطور.

خطوات تطبيق نهج الانحراف الإيجابي

يتضمن تطبيق نهج الانحراف الإيجابي سلسلة من الخطوات المنهجية التي تهدف إلى تحديد ونشر الممارسات الإيجابية.

1. تحديد المشكلة: تحديد المشكلة أو التحدي المحدد الذي يواجهه المجتمع. يجب أن تكون المشكلة قابلة للقياس
   وقابلة للحل.
2. تحديد الاستثناءات: البحث عن الأفراد أو المجموعات الذين يظهرون سلوكًا إيجابيًا على الرغم من مواجهتهم لنفس
   التحديات.
3. التحقيق والاكتشاف: إجراء مقابلات وملاحظات ميدانية لفهم الممارسات والسلوكيات التي تميز المنحرفين الإيجابيين.
   يجب جمع البيانات بعناية وتحليلها.
4. تصميم وتجريب الحلول: تطوير تدخلات بسيطة وقابلة للتطبيق تعتمد على الممارسات المكتشفة. يجب اختبار هذه التدخلات
   في بيئة واقعية.
5. نشر المعرفة: نشر نتائج التجربة وتشجيع الآخرين على تبني الممارسات الإيجابية. يجب أن يتم ذلك من خلال
   التعليم والتدريب والمشاركة المجتمعية.
6. التقييم والمتابعة: تقييم تأثير التدخلات بشكل مستمر وإجراء التعديلات اللازمة. يجب متابعة التقدم لضمان
   الاستدامة.

أمثلة على تطبيقات الانحراف الإيجابي

تم تطبيق نهج الانحراف الإيجابي بنجاح في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك الصحة والتغذية والتعليم والزراعة والتنمية
المجتمعية.

• تحسين تغذية الأطفال: في فيتنام، تم استخدام نهج الانحراف الإيجابي لتحسين تغذية الأطفال. تم اكتشاف أن بعض
  الأمهات يقمن بإطعام أطفالهن وجبات صغيرة متعددة في اليوم، حتى عندما لا يتوفر لديهن الكثير من الطعام. تم نشر هذه الممارسة
  في جميع أنحاء المجتمع، مما أدى إلى تحسين كبير في معدلات سوء التغذية.
• تحسين النظافة الشخصية: في العديد من المجتمعات، تم استخدام نهج الانحراف الإيجابي لتحسين ممارسات النظافة
  الشخصية، مثل غسل اليدين بالصابون. تم تحديد الأفراد الذين يمارسون هذه السلوكيات بانتظام، وتم نشر ممارساتهم
  للمجتمع.
• تحسين إدارة الموارد المائية: في بعض المناطق التي تعاني من نقص المياه، تم استخدام نهج الانحراف الإيجابي
  لتحديد الممارسات التي تقلل من استهلاك المياه، مثل استخدام تقنيات الري الفعالة.
• تحسين التعليم: يمكن تطبيق نهج الانحراف الإيجابي في مجال التعليم لتحديد المعلمين الذين يحققون نتائج أفضل
  مع الطلاب. من خلال دراسة أساليب التدريس الخاصة بهم، يمكن نشر هذه الممارسات لتحسين جودة التعليم.

مزايا وقيود الانحراف الإيجابي

مثل أي نهج آخر، يتمتع الانحراف الإيجابي بمزايا وقيود.

• المزايا:
  • فعالية التكلفة: غالبًا ما يكون نهج الانحراف الإيجابي فعالًا من حيث التكلفة لأنه يعتمد على الموارد
    الموجودة داخل المجتمع.
  • الاستدامة: نظرًا لأنه يعتمد على المعرفة والخبرات المحلية، فإنه يمكن أن يكون مستدامًا على المدى الطويل.
  • التمكين: يعزز الشعور بالملكية والمسؤولية بين أفراد المجتمع.
  • المرونة: يمكن تكييفه بسهولة مع مجموعة متنوعة من السياقات والمشاكل.
• القيود:
  • التحيز: قد يكون من الصعب تحديد المنحرفين الإيجابيين بشكل موضوعي.
  • الوقت والجهد: يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين لإجراء البحث والتحليل و نشر الممارسات.
  • المقاومة: قد يواجه مقاومة من الأفراد الذين يترددون في تغيير سلوكياتهم.
  • التعقيد: قد لا يكون مناسبًا لجميع أنواع المشاكل، خاصة تلك التي تتطلب حلولًا تقنية معقدة.

دور القادة والميسرين في الانحراف الإيجابي

يلعب القادة والميسرون دورًا حاسمًا في نجاح نهج الانحراف الإيجابي.

• تسهيل العملية: يقومون بتسهيل عملية تحديد المشكلة والبحث عن الحلول.
• بناء الثقة: يعملون على بناء الثقة بين أفراد المجتمع وتشجيعهم على المشاركة.
• تدريب المجتمع: يقومون بتدريب أفراد المجتمع على مهارات مثل إجراء المقابلات، وتحليل البيانات، وتصميم
  التدخلات.
• دعم التغيير: يقدمون الدعم اللازم لتنفيذ التدخلات وتقييمها.
• خلق بيئة داعمة: يخلقون بيئة داعمة للتغيير من خلال توفير الموارد اللازمة وتشجيع التعاون.

تحديات تطبيق الانحراف الإيجابي

على الرغم من فوائده العديدة، يواجه تطبيق نهج الانحراف الإيجابي بعض التحديات.

• تحديد المنحرفين الإيجابيين: قد يكون من الصعب تحديد الأفراد أو المجموعات الذين يظهرون سلوكًا منحرفًا
  إيجابيًا بشكل دقيق.
• مقاومة التغيير: قد يواجه هذا النهج مقاومة من الأفراد الذين يترددون في تغيير سلوكياتهم أو التخلي عن عاداتهم
  القديمة.
• توفير الموارد: قد يكون من الصعب توفير الموارد اللازمة لتنفيذ وتقييم التدخلات.
• ضمان الاستدامة: قد يكون من الصعب ضمان استدامة التغييرات التي تحدث نتيجة لهذا النهج.

اعتبارات أخلاقية في الانحراف الإيجابي

من الضروري مراعاة الاعتبارات الأخلاقية عند تطبيق نهج الانحراف الإيجابي.

• الحماية من الاستغلال: يجب حماية المنحرفين الإيجابيين من الاستغلال. يجب التأكد من أنهم لا يتعرضون للضغوط
  أو المطالب غير العادلة.
• الشفافية: يجب أن تكون عملية البحث والتحليل شفافة. يجب على الباحثين إعلام المشاركين بأهداف الدراسة
  وكيف سيتم استخدام البيانات.
• الموافقة المستنيرة: يجب الحصول على موافقة مستنيرة من جميع المشاركين في الدراسة.
• الاحترام: يجب احترام ثقافة وقيم المجتمع الذي يتم فيه تطبيق النهج.

العوامل المؤثرة في نجاح الانحراف الإيجابي

هناك عدة عوامل يمكن أن تزيد من فرص نجاح تطبيق نهج الانحراف الإيجابي.

• قيادة قوية: وجود قيادة قوية داخل المجتمع قادرة على دعم وتسهيل عملية التغيير.
• المشاركة المجتمعية: مشاركة واسعة من أفراد المجتمع في جميع مراحل العملية.
• الدعم المؤسسي: دعم من المنظمات الحكومية وغير الحكومية والمؤسسات الأخرى.
• التواصل الفعال: التواصل الفعال بين جميع أصحاب المصلحة.
• التقييم المستمر: التقييم المستمر لنتائج التدخلات وإجراء التعديلات اللازمة.

العلاقة بين الانحراف الإيجابي والتنمية المستدامة

يمكن أن يلعب نهج الانحراف الإيجابي دورًا مهمًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs).

• التغلب على الفقر: يمكن استخدامه لتحديد الممارسات التي تساعد الأسر على الخروج من الفقر.
• الصحة والرفاهية: يمكن استخدامه لتحسين ممارسات الصحة والتغذية والنظافة الشخصية.
• التعليم الجيد: يمكن استخدامه لتحسين جودة التعليم.
• المساواة بين الجنسين: يمكن استخدامه لتعزيز المساواة بين الجنسين من خلال تحديد الممارسات التي تدعم تمكين
  المرأة.
• العمل المناخي: يمكن استخدامه لتحديد الممارسات التي تقلل من انبعاثات الكربون.

مستقبل الانحراف الإيجابي

يتزايد الاهتمام بنهج الانحراف الإيجابي في جميع أنحاء العالم. مع استمرار تطور هذا النهج، يمكننا أن نتوقع رؤية المزيد من
التطبيقات المبتكرة في مجموعة متنوعة من المجالات.

يشمل مستقبل الانحراف الإيجابي:

• دمج التكنولوجيا: استخدام التكنولوجيا لجمع البيانات وتحليلها ونشر المعرفة بشكل أكثر فعالية.
• التعاون العالمي: التعاون بين المجتمعات لتبادل المعرفة والخبرات.
• تطوير الأدوات: تطوير أدوات ومنهجيات جديدة لتسهيل تطبيق النهج.

خاتمة

الانحراف الإيجابي هو نهج قوي للتغيير الاجتماعي والسلوكي. من خلال التركيز على ما يفعله الناس بشكل صحيح، يمكننا
اكتشاف حلول مبتكرة للمشاكل والتحديات التي تواجه المجتمعات. يتطلب هذا النهج المشاركة المجتمعية، والتعاون، والالتزام
بالتعلم والتجريب المستمر. من خلال تبني نهج الانحراف الإيجابي، يمكننا بناء مجتمعات أكثر صحة واستدامة ومرونة.

المراجع

• موقع الانحراف الإيجابي
• ويكيبيديا: الانحراف الإيجابي
• مقالة عن الانحراف الإيجابي في المركز الوطني لمعلومات التقانة الحيوية
• منظمة الصحة العالمية: الانحراف الإيجابي