نشأته وتعليمه
ولد عطاء بن أبي رباح في اليمن، في منطقة يقال لها “الجند”. انتقل مع أسرته إلى مكة المكرمة وهو صغير، ونشأ وترعرع فيها. كان مولى لعبد الله بن عباس، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعلم منه العلم والفقه. كما تتلمذ على يد عدد من الصحابة والتابعين، منهم: أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وغيرهم. وقد أثرت هذه البيئة العلمية الغنية في تكوين شخصيته وعلمه.
كان عطاء يتمتع بذكاء حاد وفهم عميق، مما ساعده على استيعاب العلوم الشرعية بسرعة. كان يحرص على طلب العلم، والرحلة في طلبه، وكان يواظب على حضور مجالس العلم، والاستماع إلى العلماء، ومناقشتهم. وقد مكنه هذا الجهد المتواصل من أن يصبح عالمًا بارزًا في عصره.
مكانته العلمية
تبوأ عطاء بن أبي رباح مكانة علمية مرموقة في عصره. كان يُعتبر من كبار فقهاء مكة، وكان الناس يقصدونه من كل مكان للاستفتاء في أمور دينهم ودنياهم. شهد له العلماء بالفضل والعلم، وأثنوا على ورعه وتقواه.
كان عطاء من رواة الحديث الثقات، وقد روى عن عدد كبير من الصحابة والتابعين. وقد ورد له أحاديث في الصحيحين (البخاري ومسلم)، وفي غيرهما من كتب الحديث المعتمدة. وقد ساهمت رواياته في حفظ ونقل سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
تميز عطاء بن أبي رباح بأسلوبه السهل الممتنع في الإفتاء والتعليم. كان يجيب على أسئلة الناس بوضوح ويسر، ويستخدم الأمثلة لتوضيح المعاني. كما كان يتميز بالمرونة في الفقه، وكان يراعي أحوال الناس وظروفهم في فتواه.
جهوده في نشر العلم
كرس عطاء بن أبي رباح حياته في نشر العلم وتعليمه. كان يعقد مجالس العلم في المسجد الحرام، ويقوم بتدريس الفقه والحديث والتفسير. وكان طلاب العلم يتوافدون عليه من كل مكان للاستفادة من علمه.
لم يقتصر دور عطاء على التعليم المباشر، بل كان له دور كبير في توجيه المجتمع وإصلاحه. كان ينصح الحكام والولاة، ويحثهم على العدل والإحسان. كما كان يدعو الناس إلى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
كان عطاء بن أبي رباح مثالًا للعالم العامل، الذي يجمع بين العلم والعمل. كان يمارس العبادة والزهد، ويحرص على تطبيق ما تعلمه في حياته. وقد ترك أثرًا طيبًا في نفوس الناس، وكان له دور كبير في نشر العلم والإصلاح في عصره.
أخلاقه وصفاته
اتصف عطاء بن أبي رباح بالعديد من الأخلاق الحميدة والصفات النبيلة. كان متواضعًا، زاهدًا، ورعًا، عفيفًا. كان يحب الخير للناس، ويسعى في قضاء حوائجهم. كان صبورًا على البلاء، شاكرًا لله على النعماء.
كان عطاء شديد الحرص على الوقت، وكان يستغله في طلب العلم والعبادة والعمل الصالح. كان يكره الكسل والبطالة، ويحث الناس على الجد والاجتهاد.
كان عطاء يعامل الناس بلطف ورحمة، ويتحمل أخطاءهم وزلاتهم. كان يحرص على صلة الرحم، ويحسن إلى الأقارب والأرحام.
كان عطاء مثالًا للتقوى والورع، وكان يخشى الله في السر والعلن. كان يكثر من ذكر الله، ويحرص على أداء العبادات في أوقاتها.
أقواله المأثورة
ترك عطاء بن أبي رباح عددًا من الأقوال المأثورة التي تعبر عن حكمته وفقهه. ومن أقواله:
- “العلم ثلاثة أشياء: كتاب، وسنة، وفهم.”
- “من استغنى عن الله، افتقر إلى كل شيء.”
- “لا يزال المرء عالمًا ما دام يطلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل.”
- “إذا أردت أن تعرف قيمة الرجل، فانظر إلى ما يفعله في غيابك.”
وفاته
توفي عطاء بن أبي رباح في مكة المكرمة، في نهاية القرن الأول الهجري. وقد حزن الناس لوفاته، وفقدوا عالمًا جليلًا كان منارة للعلم والهدى. ودفن في مكة المكرمة، وترك خلفه إرثًا علميًا عظيمًا.
إرثه العلمي
ترك عطاء بن أبي رباح إرثًا علميًا عظيمًا، تمثل في:
- تلاميذه: الذين نقلوا عنه العلم والفقه.
- رواياته للحديث: التي حفظت لنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
- فتواه: التي كانت مرجعًا للعلماء والفقهاء.
- أقواله المأثورة: التي تحمل الحكمة والعبرة.
ظل عطاء بن أبي رباح نموذجًا للعالم العامل، الذي جمع بين العلم والعمل، والتقوى والورع. وقد ترك أثرًا طيبًا في نفوس الناس، وأصبح اسمه يتردد في كتب التاريخ، كرمز للعلم والمعرفة.
خاتمة
عطاء بن أبي رباح عالم وفقيه ومحدث من التابعين، ترك بصمة واضحة في تاريخ الإسلام. نشأ في مكة المكرمة، وتتلمذ على يد كبار الصحابة والتابعين. اشتهر بعلمه الغزير، وتقواه، وزهده، وورعه، وكان مرجعًا للعلماء والفقهاء في زمانه. قام بدور كبير في نشر العلم وتعليمه، وإصلاح المجتمع. ترك إرثًا علميًا عظيمًا، يمثل نموذجًا للعالم العامل الذي يجمع بين العلم والعمل، والتقوى والورع. رحمة الله عليه.
المراجع
- سير أعلام النبلاء – الذهبي
- البداية والنهاية – ابن كثير
- تهذيب الكمال في أسماء الرجال – المزي
- تاريخ مدينة دمشق – ابن عساكر
“`