تاريخ انحلال الرئة
ظهرت تقنية انحلال الرئة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كأحد العلاجات الجراحية المستخدمة في علاج السل الرئوي، وهو مرض معدٍ يصيب الرئتين. في تلك الفترة، لم تكن المضادات الحيوية متاحة بعد، لذا كان الأطباء يبحثون عن طرق لإيقاف انتشار المرض وإعطاء الرئتين المصابتين فرصة للشفاء. كان الاعتقاد السائد هو أن إراحة الرئة المصابة من خلال التسبب في انهيارها (collapse) يمكن أن يعزز الشفاء. وقد تطورت العديد من التقنيات الجراحية في هذا المجال.
كانت إحدى التقنيات المبكرة تسمى “استرواح الصدر العلاجي” (therapeutic pneumothorax)، والتي تنطوي على إدخال الهواء إلى الفراغ البلوري (الفضاء بين الرئة وجدار الصدر) للتسبب في انهيار الرئة. ومع ذلك، كان هذا الإجراء يحمل مخاطر كبيرة، بما في ذلك العدوى والتصاقات الرئة. تطور انحلال الرئة كتقنية أكثر استهدافًا وتقدمًا.
كانت تقنية “بلومباج” (plombage) من بين أكثر أشكال انحلال الرئة شيوعًا. تتضمن هذه التقنية وضع مادة، غالبًا شمع البارافين أو كرات العظام، في الفراغ فوق الرئة المصابة. كان الهدف هو الحفاظ على الرئة من الانهيار الكامل، مع السماح لها بالراحة والشفاء.
مع مرور الوقت، تطورت التقنيات الجراحية الأخرى لعلاج السل، بما في ذلك استئصال الرئة الجزئي أو الكلي. ومع ذلك، كانت هذه العمليات الجراحية تحمل مخاطر أعلى. بحلول منتصف القرن العشرين، أحدثت المضادات الحيوية ثورة في علاج السل. أصبحت المضادات الحيوية فعالة في قتل البكتيريا المسببة للمرض، مما قلل الحاجة إلى التدخلات الجراحية. هذا أدى إلى انخفاض كبير في استخدام انحلال الرئة وعلاجات السل الجراحية الأخرى.
أسباب إجراء انحلال الرئة
كما ذكرنا، كان السبب الرئيسي لإجراء انحلال الرئة في الماضي هو علاج السل الرئوي. كان الهدف هو تسهيل شفاء الرئة المصابة عن طريق إراحتها ومنع انتشار المرض. ومع ذلك، مع ظهور المضادات الحيوية الفعالة، تضاءل استخدام هذه التقنية بشكل كبير. في الوقت الحالي، نادرًا ما يتم إجراء انحلال الرئة، وعادةً ما يتم ذلك في حالات معينة ومحددة.
تشمل الأسباب المحتملة لإجراء انحلال الرئة في العصر الحديث ما يلي:
- التهاب الجنب المتقيح (Empyema): في بعض الحالات التي يكون فيها التهاب الجنب (تراكم القيح في الفراغ البلوري) معقدًا بالتصاقات شديدة، قد يكون انحلال الرئة ضروريًا لتسهيل تصريف القيح والسماح للرئة بالتوسع مرة أخرى.
- الناسور القصبي الجنبي (Bronchopleural Fistula): وهو اتصال غير طبيعي بين القصبة الهوائية أو الشعب الهوائية والفراغ البلوري. قد يُستخدم انحلال الرئة في بعض الحالات للمساعدة في إغلاق هذا الناسور وتعزيز الشفاء.
- الاسترواح الصدري المزمن (Chronic Pneumothorax): في بعض الحالات التي يعاني فيها المريض من استرواح صدري مستمر أو متكرر، قد يُستخدم انحلال الرئة كإجراء لتعزيز التصاق الرئة بجدار الصدر ومنع تكرار الانهيار.
- النزيف الرئوي المستمر: في حالات نادرة، إذا كان هناك نزيف رئوي مستمر لا يستجيب للعلاجات الأخرى، فقد يُلجأ إلى انحلال الرئة للسيطرة على النزيف.
التحضير لعملية انحلال الرئة
إذا تقرر إجراء عملية انحلال الرئة، فسوف يخضع المريض لتقييم طبي شامل. يتضمن هذا التقييم:
- التاريخ الطبي والفحص البدني: سيقوم الطبيب بمراجعة التاريخ الطبي للمريض وإجراء فحص بدني شامل لتقييم صحته العامة وتحديد أي مشاكل صحية قد تؤثر على الجراحة.
- الفحوصات التصويرية: قد يتم إجراء تصوير بالأشعة السينية للصدر، والتصوير المقطعي المحوسب (CT scan) للصدر، أو التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) للصدر لتقييم حالة الرئة وتحديد حجم وموقع الالتصاقات.
- اختبارات وظائف الرئة: قد يتم إجراء اختبارات وظائف الرئة لتقييم قدرة الرئة على العمل.
- اختبارات الدم: سيتم إجراء اختبارات الدم لتقييم الصحة العامة وتحديد أي مشاكل محتملة، مثل العدوى أو فقر الدم.
- تقييم الحالة العامة: ستقوم الفرق الطبية بتقييم الحالة العامة للمريض للتأكد من أنه لائق لإجراء الجراحة.
بالإضافة إلى ذلك، سيتم إعطاء المريض تعليمات محددة حول كيفية التحضير للجراحة. قد تتضمن هذه التعليمات ما يلي:
- التوقف عن تناول بعض الأدوية: قد يُطلب من المريض التوقف عن تناول بعض الأدوية، مثل مميعات الدم، قبل الجراحة.
- الصيام: سيُطلب من المريض عدم تناول الطعام أو الشراب لمدة معينة قبل الجراحة.
- الإقلاع عن التدخين: إذا كان المريض مدخنًا، فسيُطلب منه الإقلاع عن التدخين قبل الجراحة لتسهيل عملية التعافي.
- العناية بالنظافة الشخصية: سيُطلب من المريض الاستحمام وغسل شعره في الليلة السابقة للجراحة.
- الترتيبات اللازمة: سيُطلب من المريض ترتيب الأمور اللازمة، مثل الترتيبات مع الأسرة والأصدقاء.
إجراء عملية انحلال الرئة
تتم عملية انحلال الرئة تحت التخدير العام، مما يعني أن المريض يكون نائمًا وغير واعٍ أثناء الجراحة. يعتمد الإجراء الدقيق على سبب إجراء العملية وحالة المريض، ولكن بشكل عام، تتضمن العملية الخطوات التالية:
- الشق: يقوم الجراح بعمل شق (incision) في جدار الصدر، عادةً في منطقة الظهر أو الجانب.
- الفصل: يقوم الجراح بفصل الرئة الملتصقة عن الغشاء البلوري. قد يتم ذلك باستخدام أدوات جراحية خاصة أو عن طريق إدخال الهواء أو الغاز في الفراغ البلوري.
- البلومباج (plombage) (إذا لزم الأمر): في بعض الحالات، قد يتم وضع مادة، مثل شمع البارافين أو كرات العظام، في الفراغ فوق الرئة للمساعدة في الحفاظ على الرئة من الانهيار الكامل.
- التصريف (إذا لزم الأمر): قد يتم وضع أنبوب تصريف في الفراغ البلوري لتصريف السوائل أو الهواء الزائد.
- الإغلاق: يتم إغلاق الشق الجراحي باستخدام الغرز أو الدبابيس الجراحية.
قد تختلف مدة العملية اعتمادًا على مدى تعقيد الحالة، ولكنها عادةً ما تستغرق عدة ساعات.
التعافي بعد عملية انحلال الرئة
بعد الجراحة، سيتم نقل المريض إلى غرفة الإفاقة حيث سيتم مراقبة علاماته الحيوية. عندما يستقر المريض، سيتم نقله إلى غرفة المستشفى. تشمل عملية التعافي بعد انحلال الرئة ما يلي:
- الألم: سيعاني المريض من بعض الألم بعد الجراحة. سيتم إعطاء المريض مسكنات للألم للسيطرة على الألم.
- التنفس: قد يشعر المريض بضيق في التنفس في البداية. سيتم تشجيعه على القيام بتمارين التنفس العميق للمساعدة في توسيع الرئة ومنع المضاعفات.
- العلاج الطبيعي: قد يحتاج المريض إلى العلاج الطبيعي للمساعدة في استعادة القوة والحركة.
- النشاط: سيتم تشجيع المريض على البدء في المشي تدريجيًا والعودة إلى الأنشطة الطبيعية.
- الرعاية في المنزل: سيتم إعطاء المريض تعليمات حول كيفية العناية بالجرح والتعامل مع أي مضاعفات محتملة في المنزل.
تختلف مدة الإقامة في المستشفى والتعافي اعتمادًا على حالة المريض وتعقيد الجراحة. قد يحتاج المريض إلى البقاء في المستشفى لبضعة أيام أو أسابيع. قد يستغرق التعافي الكامل عدة أشهر.
المخاطر والمضاعفات المحتملة
مثل أي إجراء جراحي، يحمل انحلال الرئة بعض المخاطر والمضاعفات المحتملة. تشمل هذه المخاطر والمضاعفات:
- العدوى: هناك خطر الإصابة بالعدوى في موقع الجراحة أو في الرئة.
- النزيف: قد يحدث نزيف أثناء الجراحة أو بعدها.
- النزف: قد يحدث تجمع للسائل في الفراغ البلوري.
- التهاب الرئة: قد يصاب المريض بالتهاب الرئة بعد الجراحة.
- الاسترواح الصدري: قد يحدث انهيار في الرئة.
- تكون الناسور القصبي الجنبي: قد يتشكل اتصال غير طبيعي بين القصبة الهوائية والفراغ البلوري.
- مضاعفات التخدير: قد تحدث مضاعفات مرتبطة بالتخدير العام.
- الألم المستمر: قد يعاني المريض من ألم مستمر بعد الجراحة.
من المهم مناقشة هذه المخاطر والمضاعفات المحتملة مع الجراح قبل الجراحة.
بدائل انحلال الرئة
مع تطور العلاجات الطبية، أصبح انحلال الرئة أقل شيوعًا. يعتمد اختيار العلاج على الحالة المحددة للمريض، ولكن تشمل البدائل المحتملة ما يلي:
- المضادات الحيوية: تعتبر المضادات الحيوية العلاج الأساسي للعديد من الالتهابات الرئوية، بما في ذلك السل.
- إزالة السوائل من الفراغ البلوري: يمكن تصريف السوائل المتراكمة في الفراغ البلوري باستخدام إبرة أو أنبوب.
- العلاج الطبيعي: يمكن أن يساعد العلاج الطبيعي في تحسين وظائف الرئة وتقليل المضاعفات.
- الجراحة: في بعض الحالات، قد تكون الجراحة ضرورية لعلاج مشاكل الرئة، مثل استئصال جزء من الرئة أو إصلاح الناسور القصبي الجنبي.