خلفية تاريخية
تعود جذور حرب الخلافة البولندية إلى ضعف الكومنولث البولندي الليتواني، الذي كان ملكه يُنتخب من قبل النبلاء. أدى هذا النظام الانتخابي إلى تدخل القوى الأجنبية في الشؤون البولندية، حيث سعت كل قوة إلى وضع مرشحها المفضل على العرش. بعد وفاة أوغسطس الثاني، سعت فرنسا إلى إعادة ستانيسلاف ليششينسكي، الذي كان ملكًا لبولندا لفترة وجيزة من عام 1704 إلى عام 1709، إلى العرش. في المقابل، دعمت روسيا والنمسا أوغسطس الثالث، نجل أوغسطس الثاني.
اندلعت الحرب في عام 1733 عندما انتخب البرلمان البولندي ستانيسلاف ليششينسكي ملكًا. ومع ذلك، تدخلت روسيا والنمسا عسكريًا لدعم أوغسطس الثالث، مما أدى إلى صراع واسع النطاق شمل العديد من القوى الأوروبية. انضمت فرنسا وإسبانيا وسردينيا إلى جانب ستانيسلاف، بينما دعمت بريطانيا وهولندا النمسا وروسيا بشكل غير مباشر.
أطراف المعاهدة
الأطراف الرئيسية المشاركة في معاهدة فيينا عام 1738 هم:
- النمسا: الإمبراطورية النمساوية، بقيادة الإمبراطور تشارلز السادس، كانت قوة رئيسية في الحرب وسعت إلى الحفاظ على نفوذها في أوروبا الشرقية.
- فرنسا: المملكة الفرنسية، بقيادة الملك لويس الخامس عشر، دعمت ستانيسلاف ليششينسكي في محاولته لاستعادة العرش البولندي.
- إسبانيا: المملكة الإسبانية، بقيادة الملك فيليب الخامس، كانت حليفًا لفرنسا وسعت إلى استعادة الأراضي الإيطالية التي فقدتها في حرب الخلافة الإسبانية.
- الإمبراطورية الرومانية المقدسة: على الرغم من أنها كيان فضفاض، إلا أن الإمبراطورية الرومانية المقدسة، التي كان الإمبراطور النمساوي رأسها، لعبت دورًا في الصراع.
- مملكة سردينيا: تحت حكم كارلو إيمانويل الثالث، انضمت سردينيا إلى جانب فرنسا وإسبانيا على أمل الحصول على أراضٍ في شمال إيطاليا.
- بولندا: كان للكومنولث البولندي الليتواني أهمية مركزية في الحرب، حيث تنافس ستانيسلاف ليششينسكي وأوغسطس الثالث على العرش.
شروط المعاهدة
تضمنت معاهدة فيينا عدة شروط رئيسية، أبرزها:
- اعتراف ستانيسلاف ليششينسكي بـ أوغسطس الثالث ملكًا على بولندا: كان هذا الشرط الأكثر أهمية في المعاهدة، حيث أنهى المطالبة المتنازع عليها بالعرش البولندي. تم تعويض ستانيسلاف ليششينسكي بمنحه دوقية لورين، التي كان من المقرر أن تنتقل إلى فرنسا بعد وفاته.
- تنازل فرنسا عن مطالبها في لورين: في مقابل الحصول على لورين في المستقبل، وافقت فرنسا على الاعتراف بـ فرانسيس ستيفن من لورين، زوجة ماريا تيريزا (وريثة العرش النمساوي)، كوريث للعرش في توسكانا.
- تنازل النمسا عن مملكة نابولي وصقلية لإسبانيا: تنازلت النمسا عن هذه المناطق إلى كارلوس، دوق بارما، وهو ابن الملك فيليب الخامس ملك إسبانيا وإليزابيث فارنيزي. هذا عزز النفوذ الإسباني في إيطاليا.
- احتفاظ النمسا بـ بارما: سمح للنمسا بالاحتفاظ ببارما بعد أن أصبح كارلوس ملكًا على نابولي وصقلية.
- تنازل سردينيا عن بعض الأراضي للنمسا: تنازلت سردينيا عن بعض الأراضي في لومبارديا للنمسا.
التغييرات الإقليمية والسياسية
أدت معاهدة فيينا إلى تغييرات إقليمية وسياسية كبيرة في جميع أنحاء أوروبا:
- تعزيز النفوذ الفرنسي: حصول فرنسا على لورين عزز موقعها في أوروبا.
- تعزيز النفوذ الإسباني في إيطاليا: حصول إسبانيا على نابولي وصقلية عزز نفوذها في إيطاليا.
- تأكيد الهيمنة النمساوية: احتفاظ النمسا ببعض الأراضي الإيطالية وتأكيد نفوذها في أوروبا الشرقية حافظ على مكانتها كقوة كبرى.
- توازن القوى: ساهمت المعاهدة في الحفاظ على توازن القوى في أوروبا من خلال منع أي قوة واحدة من أن تصبح مهيمنة للغاية.
تأثيرات المعاهدة
كان لمعاهدة فيينا لعام 1738 تأثير عميق على السياسة الأوروبية:
- نهاية حرب الخلافة البولندية: أنهت المعاهدة صراعًا دام ست سنوات وتسبب في اضطرابات كبيرة في جميع أنحاء أوروبا.
- إعادة تشكيل التحالفات: أدت المعاهدة إلى إعادة تشكيل التحالفات بين القوى الأوروبية، مما أثر على مسار الأحداث في العقود اللاحقة.
- تأثير طويل الأمد على السياسة الأوروبية: كانت للمعاهدة تأثير طويل الأمد على ميزان القوى في أوروبا وساهمت في الاستقرار النسبي في القارة خلال منتصف القرن الثامن عشر.
على الرغم من أنها حلت بعض المشاكل المباشرة، إلا أن معاهدة فيينا لم تعالج جميع التوترات الأساسية في السياسة الأوروبية. استمرت التنافسات بين القوى الكبرى، وأدت صراعات جديدة إلى اندلاع حروب أخرى في العقود اللاحقة. ومع ذلك، تعتبر معاهدة فيينا علامة فارقة مهمة في تاريخ أوروبا، حيث شكلت مسار السياسة الأوروبية في منتصف القرن الثامن عشر.
تحليل مفصل لشروط المعاهدة
لتحليل شروط معاهدة فيينا بتفصيل أكبر، يمكننا التركيز على الجوانب التالية:
1. التنازلات الإقليمية:
- لورين: كان نقل لورين إلى ستانيسلاف ليششينسكي، ثم إلى فرنسا بعد وفاته، ذا أهمية استراتيجية كبيرة. سمح لفرنسا بتوسيع نفوذها على طول حدودها الشرقية وتأمين ممر مهم عبر أوروبا.
- نابولي وصقلية: تنازل النمسا عن نابولي وصقلية لكارلوس من إسبانيا يمثل تحولًا كبيرًا في السلطة في إيطاليا. عزز النفوذ الإسباني في المنطقة وقلل من الهيمنة النمساوية.
- بارما: احتفاظ النمسا ببارما، على الرغم من فقدان نابولي وصقلية، سمح لها بالحفاظ على موطئ قدم في شمال إيطاليا.
2. المكاسب السياسية:
- الخلافة البولندية: كان الاعتراف بأوغسطس الثالث ملكًا على بولندا بمثابة نكسة لفرنسا وحلفائها. ومع ذلك، تمكنت فرنسا من الحصول على تعويض من خلال الحصول على لورين.
- الخلافة التوسكانية: كان الاعتراف بـ فرانسيس ستيفن من لورين كوريثًا لتوسكانا مهمًا للنمسا، حيث عزز نفوذها في إيطاليا وأمن مستقبل الخلافة النمساوية.
3. توازن القوى:
هدفت معاهدة فيينا إلى الحفاظ على توازن القوى في أوروبا من خلال منع أي قوة واحدة من أن تصبح مهيمنة للغاية. تم تحقيق ذلك من خلال سلسلة من التنازلات والتنازلات الإقليمية التي وزعت السلطة بين القوى الكبرى. ومع ذلك، لم يتم حل التوترات الأساسية بشكل كامل، واستمرت الصراعات بين القوى الأوروبية في العقود اللاحقة.
ردود الفعل على المعاهدة
تسببت معاهدة فيينا في مجموعة متنوعة من ردود الفعل بين القوى الأوروبية المختلفة:
- النمسا: على الرغم من فقدان نابولي وصقلية، كانت النمسا راضية بشكل عام عن المعاهدة. تمكنت من الحفاظ على نفوذها في أوروبا الشرقية وإيطاليا وحماية المصالح المستقبلية لـ ماريا تيريزا.
- فرنسا: كانت فرنسا راضية عن الحصول على لورين، التي عززت موقعها الاستراتيجي. ومع ذلك، شعرت بخيبة أمل لعدم قدرتها على وضع ستانيسلاف ليششينسكي على العرش البولندي.
- إسبانيا: كانت إسبانيا راضية عن الحصول على نابولي وصقلية، مما عزز نفوذها في إيطاليا.
- سردينيا: شعرت سردينيا بخيبة أمل لعدم قدرتها على الحصول على أراضٍ كبيرة في شمال إيطاليا.
العواقب اللاحقة
كان لمعاهدة فيينا عدد من العواقب اللاحقة:
- الاستقرار النسبي: ساهمت المعاهدة في فترة من الاستقرار النسبي في أوروبا خلال منتصف القرن الثامن عشر. ومع ذلك، لم يدم هذا الاستقرار طويلاً، حيث اندلعت صراعات جديدة في العقود اللاحقة.
- حرب الخلافة النمساوية: في عام 1740، اندلعت حرب الخلافة النمساوية بعد وفاة الإمبراطور تشارلز السادس. أدت هذه الحرب إلى مزيد من التغييرات في ميزان القوى في أوروبا.
- حرب السنوات السبع: في عام 1756، اندلعت حرب السنوات السبع، وهي صراع عالمي شمل العديد من القوى الأوروبية. أدت هذه الحرب إلى تغييرات كبيرة في الخريطة السياسية للعالم.
خاتمة
تعتبر معاهدة فيينا لعام 1738 وثيقة مهمة في التاريخ الأوروبي. أنهت حرب الخلافة البولندية وأدت إلى تغييرات كبيرة في ميزان القوى في أوروبا. على الرغم من أن المعاهدة ساهمت في فترة من الاستقرار النسبي، إلا أنها لم تحل جميع التوترات الأساسية في السياسة الأوروبية. استمرت التنافسات بين القوى الكبرى، وأدت صراعات جديدة إلى اندلاع حروب أخرى في العقود اللاحقة. ومع ذلك، تظل معاهدة فيينا علامة فارقة مهمة في تاريخ أوروبا، حيث شكلت مسار السياسة الأوروبية في منتصف القرن الثامن عشر.