نشأته وبداياته
ولد فريدريك توورت في كامهيل، لندن، في 22 أكتوبر 1877. درس في كلية سانت توماس في لندن، حيث تخرج بدرجة بكالوريوس في الطب والجراحة عام 1900. ثم حصل على درجة الدكتوراه من جامعة لندن عام 1904. كان توورت مهتمًا بعلم الأحياء الدقيقة منذ شبابه، وعمل كباحث في معهد ليستير للأمراض الوقائية (الآن معهد فريدريك توورت) في عام 1902. بدأ أبحاثه المبكرة في مجال علم البكتيريا، مركزًا على دراسة الأسباب والعمليات التي تؤثر على نمو وتكاثر البكتيريا.
اكتشاف العاثيات (البكتيريا المفترسة)
كان أهم إنجازات توورت هو اكتشافه في عام 1915 لـ “العامل القابل للترشيح” الذي يصيب البكتيريا، والذي وصفه بأنه “داء معدٍ للبكتيريا”. أطلق عليه هذا الاسم لأنه كان قادرًا على المرور عبر مرشحات دقيقة للغاية كانت تستخدم في ذلك الوقت لإزالة البكتيريا من المحاليل. أدرك توورت أن هذا العامل كان يتكاثر داخل الخلايا البكتيرية وكان يدمرها. كان هذا الاكتشاف هو أول وصف معروف لما يعرف الآن بالعاثيات، أو البكتيريا المفترسة، وهي فيروسات تصيب البكتيريا.
أجرى توورت تجاربه باستخدام مزرعة من البكتيريا التي نمت على هلام الأجار. لاحظ مناطق شفافة في المزرعة، والتي اعتقد في البداية أنها نتيجة للتلوث. ومع ذلك، أدرك لاحقًا أن هذه المناطق كانت تتسع، مما يشير إلى أن هناك شيئًا ما كان يقتل البكتيريا. أثبت أن هذا العامل يمكن نقله من مزرعة إلى أخرى، وأنه يمكن أن يمر عبر المرشحات الدقيقة، مما يدل على أنه ليس بكتيريا. وصف توورت النتائج التي توصل إليها في ورقة بحثية نشرت في مجلة “The Lancet” في عام 1915.
الأعمال الإضافية والأبحاث
بالإضافة إلى اكتشافه للعثيات، أجرى توورت أيضًا أبحاثًا أخرى في مجال علم البكتيريا. قام بدراسة عمليات التمثيل الغذائي للبكتيريا، وأنتج لقاحات ضد بعض الأمراض البكتيرية. كان أيضًا من أوائل الباحثين الذين استخدموا المجهر الإلكتروني لدراسة البكتيريا.
في عام 1920، انضم توورت إلى المجلس الطبي للبحوث، حيث استمر في إجراء الأبحاث في مجال علم البكتيريا. في عام 1931، أصبح أستاذًا لعلم الأحياء الدقيقة في جامعة لندن، وهو المنصب الذي شغله حتى تقاعده عام 1947.
إسهامات توورت وتأثيرها
كان لاكتشاف توورت للعثيات تأثير كبير على علم الأحياء الدقيقة والطب. فتح هذا الاكتشاف الباب أمام استخدام العاثيات كعوامل مضادة للبكتيريا، وهي فكرة أصبحت ذات أهمية متزايدة في السنوات الأخيرة بسبب ظهور البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. أدرك توورت الإمكانات العلاجية للعثيات، لكن لم يتمكن من تطويرها بشكل كامل خلال حياته. ومع ذلك، استمرت أبحاثه في هذا المجال من قبل باحثين آخرين، مما أدى في النهاية إلى تطوير علاجات العاثيات التي يتم استخدامها الآن في بعض أنحاء العالم.
بالإضافة إلى عمله في مجال العاثيات، قدم توورت مساهمات مهمة أخرى في علم البكتيريا. ساعد في تطوير تقنيات جديدة لزراعة البكتيريا، ودرس عمليات التمثيل الغذائي للبكتيريا، وشارك في تطوير لقاحات ضد بعض الأمراض البكتيرية. كانت أبحاثه أساسية في فهمنا للبكتيريا وكيفية مكافحة الأمراض البكتيرية.
التحديات والمعوقات
واجه توورت العديد من التحديات خلال مسيرته المهنية. على الرغم من أهمية اكتشافه للعثيات، إلا أن عمله لم يحظ بالتقدير الكامل في وقته. كان جزء من ذلك يرجع إلى الحرب العالمية الأولى، التي أعاقت التواصل العلمي والتعاون. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك بعض الجدل حول ادعاءات توورت، حيث كان هناك باحث آخر، فيليكس دي هيريل، يدعي أنه اكتشف العاثيات بشكل مستقل في نفس الوقت تقريبًا. على الرغم من ذلك، تم الاعتراف بـتوورت كمكتشف أولي للعثيات، وتم تكريمه على مساهماته في علم الأحياء الدقيقة. لم يحصل توورت على التقدير الكامل لعمله خلال حياته، ويرجع ذلك جزئيًا إلى المنافسة مع عالم آخر، فيليكس دي هيريل، الذي ادعى أيضًا أنه اكتشف العاثيات بشكل مستقل. أدت هذه المنافسة إلى بعض الجدل حول الأسبقية، لكن أثبتت الأبحاث اللاحقة أن توورت كان أول من وصف الظاهرة.
التقدير والجوائز
على الرغم من التحديات التي واجهها، حصل توورت على التقدير لعمله في وقت لاحق من حياته. انتخب زميلًا في الجمعية الملكية عام 1929. حصل على العديد من الجوائز والأوسمة، بما في ذلك وسام كونت بيرا من جامعة أكسفورد. في عام 1948، حصل على جائزة ليوبولد إيه. ويلارد من الأكاديمية الوطنية للعلوم.
إرثه
لا يزال إرث توورت حيًا حتى اليوم. يعتبر عمله رائدًا في مجال علم الأحياء الدقيقة، ولا يزال اكتشافه للعثيات ذا أهمية كبيرة. تستخدم العاثيات الآن في مجموعة متنوعة من التطبيقات، بما في ذلك العلاج، والزراعة، والأمن الغذائي. كانت أبحاثه رائدة في فهمنا للبكتيريا وكيفية مكافحة الأمراض البكتيرية. مهدت أعماله الطريق للعديد من الاكتشافات المهمة في علم الأحياء الدقيقة والطب.
يعتبر معهد فريدريك توورت، الذي سمي على اسمه، بمثابة تكريم لإرثه، وهو مركز بحثي مرموق يواصل إجراء أبحاث رائدة في مجال علم الأحياء الدقيقة.
أهمية اكتشافه في العصر الحديث
في العصر الحديث، تتجلى أهمية اكتشاف توورت للعثيات بشكل خاص في مواجهة التحديات المتزايدة للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. مع تزايد مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية التقليدية، أصبح العلاج بالعاثيات (باستخدام فيروسات العاثيات لاستهداف وقتل البكتيريا) بديلاً واعدًا وفعالًا. يسمح العلاج بالعاثيات بتخصيص العلاج، حيث يمكن اختيار عاثيات معينة لمهاجمة سلالات بكتيرية معينة، مما يقلل من الآثار الجانبية ويزيد من الفعالية.
يتم حاليًا إجراء العديد من الأبحاث حول العلاج بالعاثيات في جميع أنحاء العالم، وتقدم نتائج واعدة في علاج الالتهابات البكتيرية التي يصعب علاجها، بما في ذلك الالتهابات المرتبطة بالمستشفيات والالتهابات التي تسببها البكتيريا المقاومة للأدوية المتعددة. يعتبر عمل توورت بمثابة الأساس لهذا المجال، ويستمر الباحثون في الاستفادة من رؤيته وجهوده.
بالإضافة إلى العلاج، تُستخدم العاثيات أيضًا في مجالات أخرى مثل الزراعة، للسيطرة على الأمراض البكتيرية التي تصيب المحاصيل، وفي الصناعات الغذائية، لضمان سلامة الغذاء عن طريق القضاء على البكتيريا الضارة. يسلط هذا التنوع في الاستخدامات الضوء على أهمية عمل توورت وتأثيره الدائم على مختلف جوانب حياتنا.
العلاجات باستخدام العاثيات
أدت اكتشافات توورت إلى تطوير علاجات العاثيات، والتي تستخدم فيروسات متخصصة تسمى العاثيات لمهاجمة وقتل البكتيريا الضارة. تستهدف هذه الفيروسات البكتيريا المحددة، مما يجعل العلاج بالعاثيات طريقة علاج دقيقة. تعتبر هذه العلاجات مفيدة بشكل خاص في الحالات التي أصبحت فيها المضادات الحيوية غير فعالة بسبب مقاومة البكتيريا للأدوية. تستخدم علاجات العاثيات بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم كخيار علاجي في الحالات التي لا تستجيب فيها المضادات الحيوية.
الاستخدامات الأخرى للعاثيات
بالإضافة إلى الاستخدامات العلاجية، يتم استخدام العاثيات في عدد من المجالات الأخرى:
- الزراعة: يتم استخدام العاثيات للسيطرة على الأمراض البكتيرية التي تصيب المحاصيل.
- الصناعات الغذائية: يتم استخدام العاثيات لضمان سلامة الغذاء عن طريق القضاء على البكتيريا الضارة.
- البحث العلمي: يتم استخدام العاثيات كأدوات للبحث في علم الأحياء الجزيئية وعلم الوراثة.
مقارنة بين توورت ودي هيريل
كان هناك بعض الجدل حول اكتشاف العاثيات، حيث ادعى كل من توورت وفيليكس دي هيريل الأسبقية في هذا الاكتشاف. في حين أن كليهما كانا يعملان بشكل مستقل على نفس الفكرة تقريبًا، يبدو أن توورت كان الأول في وصف الظاهرة. اكتشف دي هيريل العاثيات بشكل مستقل في نفس الوقت تقريبًا، وأسس مختبرًا متخصصًا في دراسة العاثيات. بينما حصل توورت على اعتراف متأخر، فقد كان عمله حاسمًا في تطوير هذا المجال.
خاتمة
فريدريك توورت كان عالم بكتيريا إنجليزيًا رائدًا، واكتشافه للعثيات (البكتيريا المفترسة) كان له تأثير كبير على علم الأحياء الدقيقة والطب. على الرغم من مواجهة بعض التحديات في حياته المهنية، فقد تم الاعتراف بإسهاماته في وقت لاحق، وأصبح عمله أساسًا للعلاج بالعاثيات، الذي أصبح ذا أهمية متزايدة في مواجهة مقاومة المضادات الحيوية. لا يزال إرث توورت حيًا حتى اليوم، ويستمر عمله في إلهام الباحثين في جميع أنحاء العالم.