خلفية تاريخية
لفهم النظام الحزبي الخامس، من الضروري إلقاء نظرة على السياق التاريخي الذي سبقه. شهدت فترة ما قبل النظام الحزبي الخامس، التي امتدت من نهاية الحرب الأهلية إلى بداية الكساد الكبير، هيمنة الحزبين الرئيسيين: الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي. لكن هذه الفترة شهدت أيضًا تغيرات اقتصادية واجتماعية كبيرة، بما في ذلك التصنيع السريع، والتحضر، وتدفق المهاجرين، مما أدى إلى توترات اجتماعية وسياسية.
وصلت هذه التوترات إلى ذروتها مع الكساد الكبير في عام 1929. تسبب الانهيار الاقتصادي في معاناة هائلة للشعب الأمريكي، وتآكل الثقة في المؤسسات القائمة. في هذا السياق، ظهر فرانكلين دي. روزفلت، الذي وعد ببرامج جديدة وحلول مبتكرة لمواجهة الأزمة. وقد فاز روزفلت في الانتخابات الرئاسية عام 1932، وبدأ عهدًا جديدًا في السياسة الأمريكية.
صعود حزب الصفقة الجديدة
كانت الصفقة الجديدة (New Deal) برنامج روزفلت الطموح للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. تضمنت الصفقة الجديدة مجموعة واسعة من البرامج والمبادرات، بما في ذلك الإغاثة الفورية للمتضررين من الكساد، والإصلاح الاقتصادي على المدى الطويل، والإصلاح المالي. وشملت البرامج الرئيسية:
- إدارة الإغاثة الفيدرالية (FERA) التي قدمت المساعدات المالية والغذائية للمحتاجين.
- إدارة تقدم الأعمال (WPA) التي وفرت فرص عمل لملايين الأمريكيين في مشاريع الأشغال العامة، مثل بناء الطرق والجسور والمدارس.
- قانون الأمن الاجتماعي (Social Security Act) الذي أنشأ نظامًا للمعاشات التقاعدية والتأمين ضد البطالة.
- إدارة التعاون الزراعي (AAA) التي هدفت إلى مساعدة المزارعين من خلال تحديد الأسعار وضبط الإنتاج.
أدت هذه البرامج إلى تغييرات كبيرة في دور الحكومة الفيدرالية. أصبحت الحكومة أكثر تدخلًا في الاقتصاد والمجتمع، حيث لعبت دورًا أكبر في تنظيم الصناعة وحماية حقوق العمال وتوفير شبكة أمان اجتماعي. اكتسب الحزب الديمقراطي، الذي تبنى سياسات الصفقة الجديدة، دعمًا واسعًا من الناخبين، بمن فيهم العمال والمزارعون والأقليات العرقية.
تغيرات في التحالفات الانتخابية
شهد النظام الحزبي الخامس تغييرات كبيرة في التحالفات الانتخابية. قبل الصفقة الجديدة، كان الحزب الجمهوري يتمتع بدعم قوي من الشركات ورجال الأعمال والمزارعين الأثرياء، بينما كان الحزب الديمقراطي يتمتع بدعم قوي من الجنوب الأمريكي. لكن الصفقة الجديدة أدت إلى تحول في هذه التحالفات.
بسبب برامج الصفقة الجديدة، بدأ الحزب الديمقراطي في جذب دعم العمال والأقليات العرقية، وخاصة الأمريكيين من أصل أفريقي. أدت سياسات الصفقة الجديدة، مثل حماية حقوق العمال والحد الأدنى للأجور، إلى تعزيز دعم الحزب الديمقراطي من قبل النقابات العمالية. كما أدت برامج الإغاثة والإعانات الزراعية إلى جذب دعم المزارعين، على الرغم من أن هذا الدعم كان أقل استقرارًا.
أدى هذا التحول في التحالفات إلى هيمنة الحزب الديمقراطي على السياسة الأمريكية. فاز الديمقراطيون في الانتخابات الرئاسية في أربع من خمس فترات بين عامي 1932 و 1964. كما سيطر الديمقراطيون على الكونغرس لفترات طويلة، مما مكنهم من تمرير قوانين الصفقة الجديدة وغيرها من التشريعات الهامة.
العوامل المساهمة في صعود الديمقراطيين
بالإضافة إلى سياسات الصفقة الجديدة، ساهمت عوامل أخرى في صعود الحزب الديمقراطي خلال هذه الفترة:
- شخصية فرانكلين دي. روزفلت: كان روزفلت قائدًا كاريزميًا يتمتع بقدرة كبيرة على التواصل مع الشعب الأمريكي. تمكن من بناء تحالف واسع من الناخبين، وتمتع بشعبية كبيرة طوال فترة رئاسته.
- الحرب العالمية الثانية: ساهمت الحرب العالمية الثانية في تعزيز الاقتصاد الأمريكي وتوحيد البلاد. قدم روزفلت قيادة قوية خلال الحرب، مما عزز شعبيته.
- الانهيار الاقتصادي: أظهرت الصفقة الجديدة قدرة الحكومة على الاستجابة للأزمات الاقتصادية. أدت هذه الاستجابة إلى زيادة الثقة في الحكومة والديمقراطيين.
- التغيرات الديموغرافية: أدت التغيرات الديموغرافية، مثل التحضر والتصنيع، إلى تغييرات في التركيبة السكانية للناخبين، مما ساهم في دعم الديمقراطيين.
نهاية النظام الحزبي الخامس
بدأت نهاية النظام الحزبي الخامس في الظهور في الستينيات. شهدت هذه الفترة تغيرات اجتماعية وثقافية كبيرة، بما في ذلك حركة الحقوق المدنية وحركة الطلاب وحركة السلام. أدت هذه الحركات إلى تقسيم البلاد وظهور قضايا جديدة أثرت على السياسة الأمريكية.
بدأت التحالفات الانتخابية التي دعمت الحزب الديمقراطي في التصدع. بدأ الجنوبيون البيض في التحول إلى الحزب الجمهوري بسبب معارضة الحزب الديمقراطي لحركة الحقوق المدنية. كما بدأ بعض العمال والناخبين ذوي الدخل المنخفض في التعبير عن عدم رضاهم عن سياسات الحزب الديمقراطي.
شهدت الانتخابات الرئاسية عام 1968 فوز ريتشارد نيكسون، الجمهوري، مما أشار إلى بداية نظام حزبي جديد، وهو النظام الحزبي السادس. كان فوز نيكسون بمثابة نقطة تحول في تاريخ السياسة الأمريكية، حيث شهدت الفترة التي تلت ذلك صعود الحزب الجمهوري وهيمنته على الساحة السياسية لفترات طويلة.
ميراث النظام الحزبي الخامس
ترك النظام الحزبي الخامس إرثًا دائمًا في السياسة الأمريكية. أدت سياسات الصفقة الجديدة إلى تغيير دور الحكومة الفيدرالية، مما أدى إلى توسيع شبكات الأمان الاجتماعي وحماية حقوق العمال. كما ساهمت في تعزيز دور الحكومة في تنظيم الاقتصاد وحماية حقوق المواطنين. أثرت هذه السياسات على السياسة الأمريكية لعقود بعد ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، أدت التغييرات في التحالفات الانتخابية التي حدثت خلال هذه الفترة إلى تغيير جذري في المشهد السياسي. أصبح الحزب الديمقراطي حزبًا يمثل العمال والأقليات العرقية، بينما أصبح الحزب الجمهوري حزبًا يمثل الشركات ورجال الأعمال والناخبين المحافظين. لا تزال هذه التحالفات تؤثر على السياسة الأمريكية حتى اليوم.
يبقى النظام الحزبي الخامس فترة مهمة في التاريخ الأمريكي. لقد غيرت السياسات التي تم سنها خلال هذه الفترة، والتي أثرت بشكل كبير على حياة ملايين الأمريكيين، شكل السياسة والاقتصاد والمجتمع في الولايات المتحدة.
خاتمة
يمثل النظام الحزبي الخامس فترة حاسمة في التاريخ الأمريكي، حيث شهدت هذه الفترة تحولات جذرية في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. بدأ هذا النظام مع انتخاب فرانكلين دي. روزفلت، وتميز بصعود الحزب الديمقراطي وهيمنته على الساحة السياسية. ساهمت سياسات الصفقة الجديدة، والتغيرات في التحالفات الانتخابية، والحرب العالمية الثانية في تشكيل هذه الفترة. على الرغم من نهايته في الستينيات، ترك النظام الحزبي الخامس إرثًا دائمًا في السياسة الأمريكية، حيث أثرت السياسات التي تم سنها خلال هذه الفترة على حياة ملايين الأمريكيين ولا تزال تؤثر على السياسة الأمريكية حتى اليوم.
المراجع
- Fifth Party System – Britannica
- Party Systems – United States House of Representatives
- The New Deal – National Archives
- Party Systems in the United States – United States Senate
“`