نشأته وحياته المبكرة
لا يُعرف الكثير عن حياة نيقولاي المبكرة. تشير التقاليد إلى أنه وُلد في قرية قريبة من بسكوف، وأنه كان يتمتع بصحة جيدة في شبابه. يعتقد بعض المؤرخين أنه عمل كتاجر أو حرفي قبل أن يقرر أن يصبح “أبله من أجل المسيح”. كان هذا النوع من القداسة شائعًا في روسيا الأرثوذكسية، حيث كان الأشخاص يتصرفون بشكل غريب أو غير لائق اجتماعيًا كطريقة للتحرر من قيود العالم الدنيوي والتقرب من الله.
اتخذ نيقولاي هذا النمط من الحياة، متخليًا عن ممتلكاته ومرتديًا ملابس رثة، والتجول في شوارع بسكوف متظاهرًا بالجنون. غالبًا ما كان يتجاهل الناس، أو يتشاجر معهم، أو يتهمهم بالخطايا. كان هذا السلوك يهدف إلى إظهار فساد المجتمع وإيقاظ الناس للاهتمام بأرواحهم. على الرغم من سلوكه الغريب، اكتسب نيقولاي احترامًا كبيرًا من سكان بسكوف، الذين اعتبروه قديسًا يتمتع بقدرات خاصة.
معارضته لإيفان الرهيب والأوبريتشينا
كانت فترة حكم إيفان الرابع فترة صعبة في التاريخ الروسي، واتسمت بالظلم والقمع. أنشأ إيفان نظامًا عسكريًا وشرطيًا سريًا، يُعرف باسم الأوبريتشينا، والذي كان مسؤولاً عن قمع المعارضين وإخضاع الشعب. كانت الأوبريتشينا ترتكب فظائع بحق الناس، بما في ذلك الإعدام والتعذيب ومصادرة الممتلكات.
كان نيقولاي صريحًا في معارضته لإيفان وأفعاله. بحسب الأسطورة، في عام 1570، عندما كان إيفان في طريقه إلى بسكوف لتدميرها بعد اتهام سكانها بالخيانة، خرج نيقولاي للقائه. عندما اقترب إيفان، بكي نيقولاي ووبخ القيصر، واتهمه بارتكاب جرائم ضد شعبه. قدم نيقولاي لإيفان قطعة من اللحم النيئ، قائلاً له: “تناول هذا، لأنه لا فرق بين اللحم والدم. لقد شربت دم الكثير من الأبرياء”. خاف إيفان وتراجع عن قراره بتدمير بسكوف.
تعتبر هذه القصة من أهم القصص المتعلقة بنيقولاي، وهي تظهر شجاعته وروحانيته القوية. تُظهر القصة أيضًا خوف إيفان من القديسين، والإيمان السائد في قدرة هؤلاء الرجال على التنبؤ وتغيير الأحداث. يُعتقد أن نيقولاي قد تمكن من إيقاف إيفان عن تدمير المدينة. وبعد هذه الحادثة، خفف إيفان من قسوته لفترة من الوقت، على الرغم من أنه استمر في استخدام الأوبريتشينا.
صفاته و معتقداته
تميز نيقولاي بطبيعته المتواضعة ورفضه للممتلكات الدنيوية. كان يعيش حياة بسيطة، ويعتمد على الصدقات. كان يُنظر إليه على أنه يتمتع بقدرة على رؤية المستقبل، وغالبًا ما كان يقدم النصح والتوجيه للآخرين. كان يعتقد أن الخلاص يمكن تحقيقه من خلال التوبة والتقوى والعيش وفقًا لتعاليم المسيح.
آمن نيقولاي بأهمية الصلاة والصوم، وكان يمارس هذه الطقوس بانتظام. كان يؤمن أيضًا بأهمية الرحمة والمغفرة، وكان يدعو الناس إلى معاملة بعضهم البعض بلطف. كان يرى أن الفساد والجشع هما أكبر الشرور التي تصيب المجتمع، وكان يسعى إلى مكافحة هذه الشرور من خلال سلوكه وأقواله.
كانت آراؤه تهدف إلى إيقاظ الوعي الأخلاقي لدى الناس. كان يرى أن الخلاص الحقيقي يكمن في التحرر من قيود الجسد والانتقال إلى حالة روحانية أعلى. كان يؤمن بضرورة التوبة عن الذنوب والسعي نحو حياة تتماشى مع وصايا الله. لقد كان بمثابة صوت للضمير، ويدعو إلى العدالة والإحسان في مجتمع يعاني من الظلم والقسوة.
إرثه و تأثيره
بعد وفاته في عام 1576، اعتبر نيقولاي قديسًا من قبل الكنيسة الأرثوذكسية الروسية. يُحتفل به في يوم 27 فبراير. بُنيت كنيسة على شرفه في بسكوف، وأصبح مكانًا للحج. لا يزال يُعتبر شخصية مهمة في التقاليد الروسية، ويُذكر في الأدب والفن.
يعتبر إرث نيقولاي دليلًا على قوة الروحانية والإيمان في مواجهة الظلم. يُذكر لشجاعته في معارضة إيفان الرهيب، ولتأثيره على حماية بسكوف من التدمير. يمثل نيقولاي مثالًا على الشخص الذي اختار أن يعيش حياة بسيطة وصادقة، وأن يدافع عن الحق والعدالة، حتى في وجه الخطر.
ترك نيقولاي بصمة عميقة على الثقافة الروسية. لقد ألهم العديد من الفنانين والكتاب والملحنين على مر القرون. تعتبر حياته مثالًا على التضحية بالنفس والالتزام بالقيم الروحية. قصته تذكرنا بأهمية الشجاعة والصدق في مواجهة الشدائد.
أهمية “الأبله من أجل المسيح”
يُظهر نمط حياة “الأبله من أجل المسيح” في سياق نيقولاي بعدًا آخر. كان سلوكه الغريب والغير تقليدي يهدف إلى لفت الانتباه إلى الفساد الروحي والأخلاقي في المجتمع. عبر هذا السلوك، تمكن نيقولاي من تحدي الأعراف الاجتماعية وفتح الحوار حول قضايا الإيمان والأخلاق.
بالإضافة إلى ذلك، كان سلوكه بمثابة حماية لنفسه. في مجتمع قمعي مثل عهد إيفان الرهيب، كان من الصعب على أي شخص التعبير عن آرائه بصراحة. لكن من خلال التظاهر بالجنون، تمكن نيقولاي من التعبير عن معتقداته دون التعرض لعقوبات شديدة. بهذه الطريقة، أصبح “الأبله من أجل المسيح” رمزًا للمقاومة السلمية.
بشكل عام، فإن حياة نيقولاي تجسد قوة الإيمان والشجاعة الروحية في مواجهة الظلم. إنه تذكير دائم بأهمية الالتزام بالقيم الأخلاقية حتى في أحلك الأوقات.
خاتمة
نيقولاي سالوس من بسكوف كان شخصية مهمة في التاريخ الروسي، اشتهر بشجاعته وتقواه ومعارضته لإيفان الرهيب. بصفته “أبله من أجل المسيح”، تحدى نيقولاي الأعراف الاجتماعية وعبر عن معتقداته دون خوف، حتى في مواجهة الخطر. تركت حياته أثرًا دائمًا في الثقافة الروسية، ولا يزال يُنظر إليه على أنه قدوة للتقوى والعدالة والشجاعة الروحية.
المراجع
- ويكيبيديا الإنجليزية – نيقولاي سالوس من بسكوف
- الكنيسة الأرثوذكسية في أمريكا – نيقولاي سالوس من بسكوف
- موسوعة بريتانيكا – نيقولاي سالوس من بسكوف
- Pravmir – القديس نيقولاي من بسكوف، الأبله من أجل المسيح
“`