أصل التسمية وتوزعها
اسم “يدوما” مشتق من اللغة السيبيرية، ويشير إلى التربة الجليدية الغنية بالمواد العضوية التي تميز هذه المنطقة. توجد تربة يدوما بشكل رئيسي في مناطق القطب الشمالي والقطب الشمالي الفرعي في سيبيريا وشمال أمريكا الشمالية، وهي مناطق تتميز بشتاء طويل وشديد البرودة وصيف قصير، مما يؤدي إلى الحفاظ على التربة في حالة متجمدة على مدار السنة، باستثناء الطبقة السطحية التي تذوب بشكل موسمي (الطبقة النشطة).
تغطي تربة يدوما مساحة واسعة من الأراضي، وتقدر هذه المساحة بمئات الآلاف من الكيلومترات المربعة. تعتبر منطقة سيبيريا الشرقية أكبر منطقة تحتوي على تربة يدوما، حيث تمتد هذه التربة عبر مساحات شاسعة من التندرا والغابات الشمالية. كما توجد تربة يدوما في ألاسكا وكندا، وإن كانت بكميات أقل مقارنة بسيبيريا.
تكوين يدوما
تتشكل تربة يدوما نتيجة لتراكم الرواسب العضوية في ظل ظروف باردة ورطبة. تتكون هذه الرواسب بشكل أساسي من النباتات والحيوانات التي تموت وتتراكم في البيئة المحيطة. نظرًا لبرودة الجو ووجود التربة الصقيعية، يتم الحفاظ على هذه المواد العضوية في حالة مجمدة، مما يبطئ عملية التحلل. وهذا يؤدي إلى تراكم كميات كبيرة من الكربون العضوي في التربة.
بالإضافة إلى المواد العضوية، تحتوي تربة يدوما على كميات كبيرة من الجليد، والذي يتشكل من خلال عملية تسمى “التجمد الثنائي”. في هذه العملية، يتجمد الماء في التربة ويشكل بلورات جليدية كبيرة، مما يؤدي إلى زيادة حجم التربة وتكوين هياكل جليدية مميزة. يعتبر الجليد مكونًا أساسيًا في تربة يدوما، حيث يمثل حوالي 50% إلى 90% من حجم التربة.
أهمية الكربون في يدوما
تعتبر تربة يدوما مستودعًا كبيرًا للكربون العضوي. تحتوي هذه التربة على ضعف كمية الكربون الموجودة في الغلاف الجوي، وأكثر من الكربون الموجود في جميع الغابات على الأرض مجتمعة. يرجع هذا التركيز العالي للكربون إلى عملية تراكم المواد العضوية وبطء التحلل في التربة الصقيعية. هذا الكربون محبوس داخل التربة المتجمدة، ويظل في مكانه ما دامت التربة في حالة تجمد.
ومع ذلك، فإن ذوبان التربة الصقيعية يمكن أن يؤدي إلى إطلاق هذا الكربون إلى الغلاف الجوي على شكل ثاني أكسيد الكربون والميثان، وهما من الغازات الدفيئة القوية. هذه العملية تساهم في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ. لهذا السبب، تعتبر تربة يدوما من أهم العوامل التي تؤثر على دورة الكربون العالمية.
تأثير تغير المناخ على يدوما
تعتبر تربة يدوما من المناطق الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ. مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، تزداد احتمالية ذوبان التربة الصقيعية. يمكن أن يؤدي ذوبان التربة الصقيعية إلى عدة تأثيرات سلبية:
- إطلاق الكربون: كما ذكرنا سابقًا، يؤدي ذوبان التربة الصقيعية إلى إطلاق الكربون المحبوس فيها إلى الغلاف الجوي، مما يزيد من تركيز الغازات الدفيئة ويساهم في تفاقم تغير المناخ.
- تغير المناظر الطبيعية: يمكن أن يؤدي ذوبان الجليد في التربة الصقيعية إلى انهيار الأرض وتشكيل الحفر والبحيرات، مما يغير المناظر الطبيعية ويؤثر على النظم البيئية.
- إطلاق مسببات الأمراض: يمكن أن يؤدي ذوبان التربة الصقيعية إلى إطلاق مسببات الأمراض القديمة، مثل البكتيريا والفيروسات، التي قد تكون كامنة في التربة لآلاف السنين.
- تأثيرات على البنية التحتية: يمكن أن يؤدي ذوبان التربة الصقيعية إلى إلحاق الضرر بالبنية التحتية، مثل المباني والطرق والجسور، التي تعتمد على التربة الصقيعية المستقرة.
وبسبب هذه التأثيرات، فإن فهم العمليات التي تحدث في تربة يدوما ومراقبة التغيرات فيها أمر بالغ الأهمية للتنبؤ بتأثيرات تغير المناخ والتخفيف منها.
الدراسات والبحوث حول يدوما
يجري العلماء في جميع أنحاء العالم دراسات مكثفة حول تربة يدوما لفهم سلوكها وتأثيرها على المناخ. تشمل هذه الدراسات:
- أخذ العينات الأساسية: يتم أخذ عينات من التربة من مواقع مختلفة لتحليل تكوينها وتقدير كمية الكربون والجليد الموجودة فيها.
- النماذج الحاسوبية: تستخدم النماذج الحاسوبية لمحاكاة عمليات الذوبان وإطلاق الكربون والتنبؤ بالتأثيرات المستقبلية.
- المراقبة عن بعد: تستخدم تقنيات المراقبة عن بعد، مثل الأقمار الصناعية، لمراقبة التغيرات في درجة حرارة التربة ومساحة الغطاء الجليدي.
- دراسات النظم البيئية: يتم دراسة النظم البيئية في مناطق تربة يدوما لفهم كيفية تأثير التغيرات على النباتات والحيوانات والميكروبات.
تساهم هذه الدراسات في تحسين فهمنا لدور تربة يدوما في نظام الأرض والمساعدة في وضع استراتيجيات للتخفيف من آثار تغير المناخ.
مخاطر ذوبان يدوما
بالإضافة إلى تأثيرها على المناخ، يشكل ذوبان يدوما عددًا من المخاطر الأخرى:
- انهيارات التربة: يمكن أن يؤدي ذوبان الجليد إلى جعل التربة غير مستقرة، مما يؤدي إلى انهيارات التربة والانهيارات الأرضية.
- فيضانات: يمكن أن يؤدي ذوبان الجليد إلى إطلاق كميات كبيرة من المياه، مما يؤدي إلى الفيضانات.
- انتشار الأمراض: يمكن أن يؤدي ذوبان التربة الصقيعية إلى إطلاق مسببات الأمراض القديمة، مما يشكل خطرًا على صحة الإنسان والحيوان.
- تدهور البنية التحتية: يمكن أن يؤدي ذوبان التربة الصقيعية إلى تدهور البنية التحتية، مثل المباني والطرق والجسور، التي تعتمد على التربة الصقيعية المستقرة.
تتطلب هذه المخاطر اتخاذ تدابير وقائية وإدارة سليمة للموارد في المناطق التي توجد فيها تربة يدوما.
جهود الحفاظ على يدوما
هناك عدد من الجهود المبذولة للحفاظ على تربة يدوما والتخفيف من تأثيرات ذوبانها. تشمل هذه الجهود:
- تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة: من خلال تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، يمكن إبطاء معدل الاحتباس الحراري وتقليل خطر ذوبان التربة الصقيعية.
- إدارة الأراضي: يجب إدارة الأراضي في مناطق تربة يدوما بشكل مستدام لتقليل التأثيرات السلبية على التربة.
- إعادة التشجير: يمكن أن يساعد إعادة التشجير في تثبيت التربة وتقليل تأثيرات ذوبان التربة الصقيعية.
- التعاون الدولي: يتطلب الحفاظ على تربة يدوما تعاونًا دوليًا لتبادل المعرفة والخبرات ووضع سياسات فعالة.
من خلال هذه الجهود، يمكننا المساعدة في حماية تربة يدوما والحفاظ على دورها في نظام الأرض.
التحديات المستقبلية
تواجه تربة يدوما عددًا من التحديات المستقبلية، بما في ذلك:
- تغير المناخ المستمر: مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية، سيستمر ذوبان التربة الصقيعية، مما يزيد من المخاطر.
- عدم اليقين العلمي: لا يزال هناك الكثير من عدم اليقين بشأن العمليات المعقدة التي تحدث في تربة يدوما وتأثيراتها على المناخ.
- الحاجة إلى التعاون الدولي: يتطلب الحفاظ على تربة يدوما تعاونًا دوليًا قويًا لوضع سياسات فعالة وتنفيذها.
- الحاجة إلى الوعي العام: من الضروري زيادة الوعي العام بأهمية تربة يدوما والتأثيرات المحتملة لذوبانها.
يتطلب التغلب على هذه التحديات جهودًا مستمرة من العلماء وصانعي السياسات والمجتمع ككل.
خاتمة
تعتبر تربة يدوما نظامًا بيئيًا فريدًا ومهماً، يلعب دورًا حاسمًا في دورة الكربون العالمية وتغير المناخ. يحتوي هذا النوع من التربة على كميات كبيرة من الكربون العضوي والجليد، مما يجعلها عرضة لتأثيرات تغير المناخ. إن ذوبان التربة الصقيعية يمكن أن يؤدي إلى إطلاق الكربون إلى الغلاف الجوي، مما يزيد من تفاقم الاحتباس الحراري. بالإضافة إلى ذلك، يشكل ذوبان يدوما عددًا من المخاطر الأخرى، بما في ذلك انهيارات التربة والفيضانات وانتشار الأمراض. يتطلب الحفاظ على تربة يدوما جهودًا مستمرة من العلماء وصانعي السياسات والمجتمع ككل، بما في ذلك تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، وإدارة الأراضي بشكل مستدام، والتعاون الدولي، وزيادة الوعي العام. إن فهم العمليات التي تحدث في تربة يدوما ومراقبة التغيرات فيها أمر بالغ الأهمية للتنبؤ بتأثيرات تغير المناخ والتخفيف منها، وحماية هذا النظام البيئي الفريد للأجيال القادمة.
المراجع
- NASA – Yedoma: Thawing in Alaska, Siberia, and Canada Could Release Enormous Amounts of Carbon
- Carbon Brief – Explainer: What is permafrost and why is it thawing?
- PNAS – Permafrost carbon emissions in a warming world
- Nature – Extensive organic carbon release from thawing yedoma permafrost in Northeast Siberia
“`