إيفان جيلتوفسكي (Ivan Zholtovsky)

نشأته وبداياته

ولد إيفان جيلتوفسكي في بلدة بوغوروديتسك، محافظة تولا (بالروسية: Богородицк, Тульская губерния)، في 27 نوفمبر 1867. تلقى تعليمه الأولي في المنزل قبل أن يلتحق بالمدرسة الثانوية في موسكو. في عام 1887، بدأ دراسته في أكاديمية موسكو للرسم والنحت والعمارة، حيث درس تحت إشراف شخصيات مرموقة في مجال العمارة، مثل ألكسندر بوبوف وغريغوري كوتوف. خلال فترة دراسته، أظهر جيلتوفسكي موهبة استثنائية في تصميم المباني، وتخرج بمرتبة الشرف عام 1898.

مسيرته المهنية المبكرة

بعد تخرجه، بدأ جيلتوفسكي مسيرته المهنية كمهندس معماري مستقل. في البداية، عمل على تصميم مشاريع مختلفة، بما في ذلك المباني السكنية والمباني العامة. تأثرت أعماله المبكرة بالعمارة الكلاسيكية والإيطالية، والتي كان مفتونًا بها. سافر جيلتوفسكي إلى إيطاليا عدة مرات لدراسة الهندسة المعمارية الكلاسيكية، حيث أجرى دراسات مكثفة حول أعمال المعماريين الإيطاليين البارزين، مثل أندريا بالاديو وليون باتيستا ألبيرتي. هذه الدراسات أثرت بعمق على أسلوبه المعماري، حيث سعى إلى دمج مبادئ التناغم والتوازن والجمال الكلاسيكي في تصاميمه.

في بداية القرن العشرين، اكتسب جيلتوفسكي شهرة متزايدة لتصاميمه الأنيقة والمتطورة. تميزت أعماله بالاهتمام الشديد بالتفاصيل، واستخدام المواد الفاخرة، والقدرة على خلق مساحات داخلية فسيحة ومتناغمة. من بين أبرز أعماله في هذه الفترة، فيلا في موسكو (1902) والتي تعكس تأثير العمارة الإيطالية، ومبنى الإدارة في حديقة ألكساندروفسكي في سانت بطرسبرغ (1909-1912).

العمارة في الحقبة السوفيتية

بعد الثورة الروسية عام 1917، واجه جيلتوفسكي تحديات جديدة في عمله كمهندس معماري. على الرغم من التغيرات السياسية والاجتماعية، تمكن جيلتوفسكي من الحفاظ على مسيرته المهنية والمساهمة في بناء الاتحاد السوفيتي الجديد. في البداية، واجه بعض الصعوبات في التوفيق بين أسلوبه الكلاسيكي والمتطلبات الأيديولوجية للعمارة السوفيتية. ومع ذلك، تمكن جيلتوفسكي من التكيف والتأثير في تطور العمارة السوفيتية.

في الثلاثينيات، بدأ جيلتوفسكي في تطوير أسلوب معماري جديد يجمع بين العناصر الكلاسيكية وبعض السمات المميزة للعمارة السوفيتية. تميزت تصاميمه في هذه الفترة باستخدام مواد جديدة وتقنيات بناء حديثة، مع الحفاظ على مبادئ التناغم والتوازن الكلاسيكية. من أبرز أعماله في هذه الفترة مبنى الإسكان في شارع موخوفايا في موسكو (1931-1934)، والذي يعتبر مثالًا رائعًا على أسلوبه الجديد.

أعماله البارزة

خلال مسيرته المهنية الطويلة، صمم جيلتوفسكي العديد من المباني البارزة التي تركت بصمة واضحة في المشهد المعماري الروسي والسوفيتي. من بين هذه الأعمال:

فيلا في موسكو (1902): مثال مبكر على تأثير العمارة الإيطالية في أعمال جيلتوفسكي.
مبنى الإدارة في حديقة ألكساندروفسكي في سانت بطرسبرغ (1909-1912): تصميم أنيق يعكس الأسلوب الكلاسيكي الجديد.
مبنى الإسكان في شارع موخوفايا في موسكو (1931-1934): مثال على أسلوبه في الحقبة السوفيتية، الذي يجمع بين الكلاسيكية والتحديث.
مبنى الإسكان في شارع بولشايا كالوشسكايا في موسكو (1949-1952): تصميم فخم يمثل العمارة السوفيتية الكلاسيكية.
محطة مترو نوفوسلوبودسكايا في موسكو (1952): تصميم داخلي فاخر يجمع بين الفن والوظيفة.

مساهماته التعليمية

بالإضافة إلى عمله كمهندس معماري، كان جيلتوفسكي أيضًا مُعلِّمًا بارزًا. قام بالتدريس في أكاديمية موسكو للرسم والنحت والعمارة، وأثر بشكل كبير على جيل كامل من المهندسين المعماريين. شجع جيلتوفسكي طلابه على دراسة العمارة الكلاسيكية والإبداع في التصميم. كان يؤمن بأهمية التوازن بين الجمال والوظيفة في العمارة، وحث طلابه على تطوير أسلوبهم الخاص. ترك جيلتوفسكي إرثًا تعليميًا دائمًا، حيث استمر طلابه في نشر أفكاره ومبادئه في العمارة.

أسلوبه المعماري

تميز أسلوب جيلتوفسكي المعماري بالعديد من السمات المميزة. كان يولي اهتمامًا خاصًا بالتفاصيل الدقيقة، واستخدام مواد عالية الجودة، والتناسب المتناغم. سعى جيلتوفسكي إلى خلق مساحات داخلية فسيحة ومتوازنة، مع التركيز على الجمال والوظيفة. تأثر أسلوبه بالعديد من المصادر، بما في ذلك العمارة الكلاسيكية والإيطالية وعمارة عصر النهضة. ومع ذلك، طور جيلتوفسكي أسلوبه الخاص الذي يجمع بين هذه التأثيرات مع التوجهات المعمارية السوفيتية.

في أعماله المبكرة، استخدم جيلتوفسكي عناصر من العمارة الكلاسيكية والإيطالية، مثل الأعمدة، والأقواس، والأسقف المقببة. في الحقبة السوفيتية، قام بدمج هذه العناصر مع مواد وتقنيات بناء جديدة، مما أدى إلى ظهور أسلوب معماري فريد من نوعه. كان جيلتوفسكي يؤمن بأهمية العمارة في خدمة المجتمع، وسعى إلى خلق مباني جميلة وعملية في الوقت نفسه.

التكريم والتقدير

حصل إيفان جيلتوفسكي على العديد من الجوائز والأوسمة خلال مسيرته المهنية. في عام 1943، حصل على جائزة ستالين عن تصميمه لمبنى الإسكان في شارع موخوفايا في موسكو. في عام 1945، حصل على لقب “مهندس الشعب” (بالروسية: Народный архитектор)، وهو أعلى تكريم للمهندسين المعماريين في الاتحاد السوفيتي. كما حصل على وسام لينين ووسام الراية الحمراء للعمل تقديراً لمساهماته في العمارة والتعليم.

تعتبر أعمال جيلتوفسكي جزءًا لا يتجزأ من التراث المعماري الروسي والسوفيتي. لا تزال مبانيه قائمة حتى اليوم، وتشهد على موهبته وإسهاماته في مجال العمارة. يعتبر جيلتوفسكي واحدًا من أبرز المهندسين المعماريين في القرن العشرين، وقد ترك إرثًا دائمًا في تاريخ العمارة.

وفاته

توفي إيفان جيلتوفسكي في 16 يوليو 1959، في موسكو. دفن في مقبرة نوفوديفيتشي في موسكو، حيث يقع ضريحه بالقرب من مقابر شخصيات روسية وسوفيتية بارزة. ترك وراءه إرثًا غنيًا من التصاميم المعمارية والمساهمات التعليمية التي استمرت في التأثير على المهندسين المعماريين والأجيال القادمة.

خاتمة

كان إيفان جيلتوفسكي مهندسًا معماريًا ومُعلِّمًا سوفيتيًا وروسيًا بارزًا، اشتهر بتصاميمه المعمارية التي جمعت بين الكلاسيكية الجديدة والإحياء المعماري. ساهمت أعماله في تشكيل المشهد المعماري لمدن الاتحاد السوفيتي، وترك إرثًا دائمًا في تاريخ العمارة. تميز أسلوبه المعماري بالاهتمام بالتفاصيل، واستخدام المواد الفاخرة، والقدرة على خلق مساحات داخلية فسيحة ومتناغمة. بالإضافة إلى ذلك، ترك إرثًا تعليميًا دائمًا، حيث أثر على جيل كامل من المهندسين المعماريين. يعتبر جيلتوفسكي واحدًا من أبرز المهندسين المعماريين في القرن العشرين، وتعتبر أعماله جزءًا لا يتجزأ من التراث المعماري الروسي والسوفيتي.

المراجع

“`