حياته المبكرة وتعليمه
ولد إيفرت أغسطس دويكنك في مدينة نيويورك لعائلة هولندية عريقة. تلقى تعليمه الأولي في مدرسة داخلية في لونغ آيلاند، ثم التحق بكلية كولومبيا (جامعة كولومبيا حاليًا)، حيث تفوق في الدراسات الكلاسيكية والأدب. تخرج من الكلية عام 1835، ثم درس القانون لفترة وجيزة، لكن شغفه بالأدب سرعان ما دفعه إلى التخلي عن مهنة المحاماة.
مسيرته المهنية في مجال النشر
بدأ دويكنك مسيرته المهنية في مجال النشر في أواخر ثلاثينيات القرن التاسع عشر، حيث عمل في البداية كاتبًا ومحررًا في عدة صحف ومجلات أدبية. في عام 1840، أسس مع أخيه جورج دويكنك مكتبة دويكنك، التي سرعان ما أصبحت مركزًا حيويًا للحياة الأدبية في نيويورك. لم تكن المكتبة مجرد مكان لبيع الكتب، بل كانت أيضًا بمثابة صالون أدبي يجتمع فيه الكتاب والفنانون والمثقفون لمناقشة الأفكار وتبادل الآراء.
في عام 1847، أطلق الأخوان دويكنك مجلة “الأدب الأمريكي” (Literary World)، وهي مجلة أدبية أسبوعية سرعان ما اكتسبت سمعة طيبة بسبب مقالاتها النقدية المتعمقة ومراجعاتها الأدبية الشاملة. لعبت المجلة دورًا مهمًا في الترويج للأدب الأمريكي وتشجيع الكتاب المحليين، وعرضت أعمال كتاب بارزين مثل ناثانيال هوثورن وهيرمان ميلفيل وإدغار آلان بو.
تميزت “الأدب الأمريكي” بنهجها النقدي الصارم والموضوعي، وسعيها الدائم إلى رفع مستوى الذوق الأدبي العام. لم تتردد المجلة في انتقاد الأعمال الضعيفة أو المبتذلة، ودافعت بحماس عن الأعمال الجيدة والمبتكرة. كان إيفرت دويكنك نفسه مساهمًا منتظمًا في المجلة، حيث كتب مقالات نقدية وسيرًا ذاتية للعديد من الكتاب والشخصيات الأدبية.
مساهماته الأدبية
بالإضافة إلى عمله التحريري، كان إيفرت دويكنك مؤلفًا غزير الإنتاج. كتب سيرًا ذاتية للعديد من الشخصيات البارزة، بما في ذلك جورج هربرت وألبرت غاليتين. كما قام بتحرير العديد من المختارات الأدبية، بما في ذلك “موسوعة الأدب الأمريكي” (Cyclopaedia of American Literature)، وهي عمل ضخم يضم مقتطفات من أعمال أكثر من ألف كاتب أمريكي. تعتبر هذه الموسوعة مصدرًا قيمًا للباحثين والطلاب المهتمين بتاريخ الأدب الأمريكي.
تعتبر “موسوعة الأدب الأمريكي” تتويجًا لجهود دويكنك في توثيق الأدب الأمريكي وتعزيزه. قدمت الموسوعة نظرة شاملة على تطور الأدب في الولايات المتحدة، من بداياته الاستعمارية وحتى منتصف القرن التاسع عشر. تضمنت الموسوعة معلومات مفصلة عن حياة الكتاب وأعمالهم، بالإضافة إلى مقتطفات مختارة بعناية من كتاباتهم.
لم تقتصر مساهمات دويكنك الأدبية على الكتابة والتحرير، بل امتدت أيضًا إلى تشجيع المواهب الأدبية الناشئة. كان دويكنك يتمتع بقدرة فريدة على اكتشاف الكتاب الموهوبين وتقديم الدعم والتوجيه لهم. ساعد العديد من الكتاب الشباب على نشر أعمالهم الأولى، وساهم في إطلاق مسيرتهم المهنية.
علاقته بهرمان ميلفيل
كان إيفرت دويكنك من أوائل المؤيدين لأعمال هرمان ميلفيل. التقى دويكنك بميلفيل في عام 1846، وأعجب على الفور بموهبته. نشر دويكنك العديد من مقالات ميلفيل في “الأدب الأمريكي”، وساعده في العثور على ناشر لروايته الشهيرة “موبي ديك”. على الرغم من أن “موبي ديك” لم تحظ باستقبال جيد عند صدورها، إلا أن دويكنك ظل مدافعًا قويًا عن ميلفيل، وواصل دعم عمله حتى بعد وفاة ميلفيل.
تعتبر علاقة دويكنك بميلفيل مثالًا على دوره كمشجع للمواهب الأدبية الناشئة. آمن دويكنك بقدرة ميلفيل الإبداعية، ودعمه على الرغم من الصعوبات التي واجهها. كان لدويكنك تأثير كبير على مسيرة ميلفيل المهنية، وساهم في ضمان بقاء أعمال ميلفيل حية حتى يومنا هذا.
دوره في النقد الأدبي الأمريكي
يعتبر إيفرت دويكنك من رواد النقد الأدبي الأمريكي. كان دويكنك يؤمن بأن النقد الأدبي يجب أن يكون موضوعيًا وصارمًا، وأن يهدف إلى تقييم الأعمال الأدبية بناءً على جودتها الفنية وأهميتها الفكرية. انتقد دويكنك بشدة النقد الأدبي الذاتي والعاطفي، ودعا إلى تطوير معايير موضوعية لتقييم الأدب.
ساهم دويكنك في تطوير النقد الأدبي الأمريكي من خلال مقالاته النقدية المتعمقة ومراجعاته الأدبية الشاملة. كان دويكنك يمتلك معرفة واسعة بالأدب العالمي، واستخدم هذه المعرفة لتقييم الأدب الأمريكي في سياق أوسع. كان دويكنك أيضًا مدافعًا قويًا عن الأدب الأمريكي، وآمن بأن الأدب الأمريكي يمكن أن يضاهي الأدب الأوروبي من حيث الجودة والأهمية.
حياته الشخصية
تزوج إيفرت دويكنك من مارغريتا بانش سنة 1840، وأنجبا عدة أطفال. كان دويكنك رجلًا مثقفًا ومحبًا للمعرفة، وكان يتمتع بشخصية جذابة وكاريزمية. كان دويكنك يتمتع بشعبية كبيرة في الأوساط الأدبية والاجتماعية في نيويورك، وكان صديقًا للعديد من الكتاب والفنانين والشخصيات البارزة في عصره.
كان دويكنك أيضًا جامعًا شغوفًا للكتب والمخطوطات. جمع دويكنك مكتبة ضخمة تضم آلاف الكتب والمخطوطات النادرة، والتي تعتبر الآن من أهم المجموعات الأدبية في الولايات المتحدة. بعد وفاة دويكنك، تم التبرع بمكتبته إلى مكتبة نيويورك العامة.
تراثه
توفي إيفرت أغسطس دويكنك في 13 أغسطس 1878، عن عمر يناهز 61 عامًا. ترك دويكنك وراءه إرثًا كبيرًا كمحرر وكاتب وناقد أدبي. ساهم دويكنك بشكل كبير في تطوير الأدب الأمريكي وتعزيزه، ولعب دورًا مهمًا في تشكيل المشهد الأدبي في نيويورك في منتصف القرن التاسع عشر. يُذكر دويكنك اليوم لعمله التحريري، وتشجيعه للمواهب الأدبية الناشئة، ومساهماته في تطوير النقد الأدبي الأمريكي.
خاتمة
كان إيفرت أغسطس دويكنك شخصية مؤثرة في تاريخ الأدب الأمريكي. من خلال عمله كمحرر وناشر وكاتب وناقد، ساهم في تشكيل المشهد الأدبي في نيويورك وتعزيز الأدب الأمريكي على نطاق أوسع. لا يزال إرثه باقياً حتى اليوم، حيث يستمر الباحثون والطلاب في الاستفادة من مساهماته في دراسة الأدب الأمريكي.