نشأته وبداياته التعليمية
ولد اشتياق حسين قريشي في باتيالا، الهند (الآن في البنجاب الهندية). تلقى تعليمه المبكر في باتيالا ثم انتقل إلى دلهي لمواصلة دراسته. حصل على درجة الماجستير في التاريخ من جامعة دلهي، ثم حصل على درجة الدكتوراه من جامعة كامبريدج المرموقة في المملكة المتحدة. كان تخصصه الرئيسي في التاريخ الإسلامي والعصور الوسطى، وظهر شغفه بالبحث التاريخي في وقت مبكر من حياته.
مسيرته المهنية والأكاديمية
بدأ قريشي مسيرته المهنية كأستاذ في جامعة دلهي، حيث درس التاريخ الإسلامي. بعد استقلال باكستان في عام 1947، هاجر إلى باكستان ولعب دورًا مهمًا في تأسيس نظام التعليم العالي في البلاد. شغل منصب نائب المستشار في جامعة كراتشي، وهي منارة للتعليم في باكستان، من عام 1961 إلى عام 1971، حيث قاد الجامعة في فترة حاسمة من تاريخها. خلال فترة ولايته، ركز على تطوير البنية التحتية للجامعة وتعزيز البحث العلمي وتشجيع التبادل الأكاديمي مع الجامعات الأخرى في جميع أنحاء العالم.
بالإضافة إلى عمله في جامعة كراتشي، شغل قريشي مناصب مهمة أخرى في الحكومة الباكستانية. عمل كوزير اتحادي للتعليم من عام 1971 إلى عام 1972، حيث قام بتنفيذ إصلاحات واسعة النطاق في نظام التعليم الباكستاني. سعى إلى تعزيز التعليم المهني والتقني، ورفع مستوى التعليم الأساسي، ووضع سياسات لدعم التنوع الثقافي واللغوي في البلاد.
إسهاماته الفكرية والأدبية
كان قريشي كاتبًا غزير الإنتاج، وترك وراءه عددًا كبيرًا من المؤلفات التي لا تزال تُقرأ وتُدرس حتى اليوم. كان تركيزه الأساسي على التاريخ الإسلامي، ولكنه كتب أيضًا عن مواضيع متنوعة مثل السياسة والاجتماع والثقافة. من بين أهم أعماله:
- “السلطنة الإسلامية في الهند” (The Administration of the Sultanate of Delhi): يعد هذا الكتاب مرجعًا أساسيًا لدراسة تاريخ الإدارة في سلطنة دلهي.
- “تاريخ حركة باكستان” (The History of the Pakistan Movement): يقدم هذا الكتاب تحليلًا شاملاً لتاريخ الحركة الباكستانية، ودورها في تحقيق استقلال باكستان.
- “مذكرات وأحداث” (Memoirs and Reflections): يقدم هذا الكتاب لمحة عن حياة قريشي الشخصية والمهنية، بالإضافة إلى آرائه حول القضايا السياسية والاجتماعية في عصره.
- “تعليم اللغة الأردية” (Urdu Education): استكشف هذا الكتاب أهمية اللغة الأردية في باكستان.
تميزت كتابات قريشي بالدقة التاريخية والتحليل العميق. كان يمتلك القدرة على تقديم رؤى جديدة حول القضايا التاريخية المعقدة، بالإضافة إلى قدرته على الكتابة بأسلوب واضح ومقنع. ساهمت مؤلفاته في تشكيل الوعي العام بتاريخ وثقافة شبه القارة الهندية، ولا تزال أعماله ذات قيمة كبيرة للباحثين والطلاب.
دوره في بناء الدولة الباكستانية
لعب قريشي دورًا محوريًا في بناء الدولة الباكستانية الحديثة. بصفته أكاديميًا ووزيرًا، ساهم في وضع السياسات التعليمية والثقافية التي تهدف إلى تعزيز الهوية الوطنية الباكستانية. كان مؤمنًا قويًا بأهمية التعليم في بناء مجتمع مزدهر ومستقر، وعمل بلا كلل لتحسين جودة التعليم في باكستان. بالإضافة إلى ذلك، ساهم في صياغة الدستور الباكستاني، ودافع عن حقوق الأقليات الدينية في البلاد.
كان قريشي أيضًا مدافعًا عن الوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين مختلف الفئات العرقية والدينية في باكستان. آمن بأهمية الحوار والتفاهم المتبادل في بناء مجتمع متماسك. لعب دورًا نشطًا في تعزيز العلاقات مع الدول الإسلامية الأخرى، وعمل على تعزيز التعاون الثقافي والاقتصادي.
مساهماته في مجال الصحافة
بالإضافة إلى مساهماته الأكاديمية والسياسية، كان لقريشي دور بارز في مجال الصحافة. كتب مقالات رأي وتحليلات سياسية في العديد من الصحف والمجلات الباكستانية، حيث عبر عن آرائه حول القضايا الوطنية والإقليمية والدولية. كانت كتاباته تتميز بالوضوح والعمق والالتزام بالقيم الديمقراطية. ساهم في تشكيل الرأي العام في باكستان، ولعب دورًا مهمًا في تعزيز حرية الصحافة والتعبير.
التكريم والتقدير
حصل اشتياق حسين قريشي على العديد من الجوائز والأوسمة تقديرًا لإسهاماته في مجالات التعليم والثقافة والسياسة. حصل على وسام “الاستحقاق” (SP) ووسام “الهلال” (HI) من الحكومة الباكستانية. كما حصل على درجة الدكتوراه الفخرية من العديد من الجامعات الباكستانية والأجنبية. يعتبر قريشي أحد أبرز الشخصيات في تاريخ باكستان، ولا يزال إرثه حيًا من خلال أعماله ومساهماته في بناء الدولة والمجتمع.
وفاته
توفي اشتياق حسين قريشي في 22 يناير 1981. ترك وراءه إرثًا غنيًا من المعرفة والإنجازات التي لا تزال تلهم الأجيال القادمة. يعتبر نموذجًا للعالم والمفكر الذي جمع بين المعرفة العميقة والالتزام بالمسؤولية الاجتماعية.
تأثيره وإرثه
كان لاشتياق حسين قريشي تأثير كبير على تطوير التعليم والثقافة في باكستان. من خلال عمله في جامعة كراتشي، قام بتدريب عدد كبير من العلماء والباحثين الذين واصلوا الإسهام في تقدم المعرفة في مختلف المجالات. كما ساهمت مؤلفاته في نشر الوعي بتاريخ وثقافة باكستان، وألهمت العديد من الشباب لدراسة التاريخ والعلوم الاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك، كان لقريشي تأثير كبير على السياسة الباكستانية. ساهم في صياغة الدستور، ودافع عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية. كان صوته مسموعًا في قضايا العدالة الاجتماعية، وعمل على تعزيز التنمية المستدامة والوحدة الوطنية. ترك إرثًا من الفكر والعمل الذي لا يزال يتردد صداه في باكستان حتى اليوم.
يعتبر اشتياق حسين قريشي شخصية تاريخية بارزة في باكستان. يمثل مثالاً للعالم المثقف الذي كرس حياته لخدمة وطنه ومجتمعه. إن مساهماته في مجالات التعليم والسياسة والثقافة لا تقدر بثمن، ولا يزال إرثه حيًا من خلال أعماله وتأثيره على الأجيال القادمة.
خاتمة
كان اشتياق حسين قريشي شخصية متعددة الجوانب تركت بصمة لا تمحى في تاريخ باكستان. من خلال عمله كعالم ومؤرخ وصحفي وشخصية عامة، ساهم في تطوير التعليم وتعزيز الثقافة وبناء الدولة. إن إسهاماته في مجالات الفكر والسياسة والأدب لا تزال ذات قيمة كبيرة، وتعتبر إرثًا حيًا للأجيال القادمة.
المراجع
“`