المراكز الاجتماعية المُدارة ذاتيًا في المملكة المتحدة (Self-managed social centres in the United Kingdom)

تاريخ المراكز الاجتماعية المُدارة ذاتيًا

ظهرت المراكز الاجتماعية المُدارة ذاتيًا في المملكة المتحدة كاستجابة للحاجة إلى مساحات بديلة خارج إطار المؤسسات التقليدية. بدأت هذه المراكز في الظهور في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، بالتزامن مع الحركات الاجتماعية والسياسية التي سعت إلى تغيير المجتمع. كانت هذه المراكز في البداية مرتبطة بحركات مثل حركة السلام، وحركة حقوق المرأة، وحركة المثليين، وحركة الدفاع عن البيئة. قدمت هذه المراكز مساحات آمنة لهذه الحركات للتنظيم، والاجتماع، والتعبير عن آرائها.

شهدت الثمانينيات والتسعينيات نموًا في عدد هذه المراكز، حيث أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المشهد الاجتماعي والثقافي في المدن والبلدات في جميع أنحاء المملكة المتحدة. بدأت هذه المراكز في استضافة مجموعة واسعة من الأنشطة، بما في ذلك الحفلات الموسيقية، والمعارض الفنية، وورش العمل، والمناقشات السياسية، والدروس التعليمية. كما لعبت دورًا حيويًا في توفير الدعم الاجتماعي للفئات المهمشة.

استمرت هذه المراكز في التطور والتكيف على مر السنين، مع مواجهة تحديات مثل نقص التمويل، والتهديدات بالإخلاء، والضغوط السياسية. ومع ذلك، فقد أظهرت قدرة ملحوظة على البقاء والاستمرار، وذلك بفضل تفاني المتطوعين، والالتزام بالمبادئ الديمقراطية، والقدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة.

أنواع المراكز الاجتماعية المُدارة ذاتيًا

تتنوع المراكز الاجتماعية المُدارة ذاتيًا في المملكة المتحدة بشكل كبير، ويمكن تصنيفها بناءً على عدة عوامل، بما في ذلك الموقع، والملكية، والأنشطة. إليك بعض الأنواع الشائعة:

• المراكز المُحتلة (Squatted Centres): غالبًا ما تكون هذه المراكز موجودة في مبانٍ مهجورة أو غير مستغلة، وتُدار من قبل نشطاء. توفر هذه المراكز مساحات رخيصة أو مجانية للأنشطة المجتمعية، ولكنها قد تواجه خطر الإخلاء.
• المراكز المُستأجرة (Rented Centres): يتم استئجار هذه المراكز من قبل مجموعات أو منظمات مجتمعية، وتوفر مساحات أكثر استقرارًا من المراكز المُحتلة. قد تعتمد هذه المراكز على التمويل من خلال الإيجارات، والمنح، والتبرعات.
• المراكز المُرهونة (Mortgaged Centres): يتم شراء هذه المراكز من خلال قروض عقارية، وغالبًا ما يكون هذا الخيار أكثر استقرارًا على المدى الطويل. ومع ذلك، فإنه يتطلب التزامًا ماليًا كبيرًا.
• المراكز المملوكة بالكامل (Fully Owned Centres): تمتلك هذه المراكز المباني التي تقع بها بشكل كامل، مما يوفر أقصى درجات الاستقرار. قد يتم الحصول على هذه المباني من خلال التبرعات، أو التمويل المجتمعي، أو من خلال الأرباح التي تحققها المراكز.

بغض النظر عن نوع الملكية، فإن جميع المراكز الاجتماعية المُدارة ذاتيًا تتشارك في مبدأ الإدارة الذاتية، مما يعني أن القرارات تُتخذ بشكل جماعي من قبل المشاركين، عادةً من خلال اجتماعات مفتوحة وعملية توافق.

أنشطة المراكز الاجتماعية المُدارة ذاتيًا

تقدم المراكز الاجتماعية المُدارة ذاتيًا مجموعة واسعة من الأنشطة والخدمات التي تلبي احتياجات المجتمع. تختلف هذه الأنشطة من مركز إلى آخر، ولكنها غالبًا ما تشمل:

• الفعاليات الثقافية: الحفلات الموسيقية، والعروض المسرحية، والمعارض الفنية، وعروض الأفلام، والفعاليات الأدبية.
• ورش العمل التعليمية: دروس في اللغات، والمهارات الحرفية، والبرمجة، والفنون، والسياسة.
• الأنشطة الاجتماعية: التجمعات المجتمعية، وحفلات العشاء، والأحداث الرياضية، والرحلات الميدانية.
• الدعم المجتمعي: توفير الطعام، والمأوى، والمساعدة القانونية، وخدمات الصحة العقلية، والتدريب على التوظيف، والدعم للاجئين والمهاجرين.
• العمل السياسي: تنظيم الحملات، والتوعية بالقضايا السياسية، وتوفير مساحات للمناقشات السياسية، ودعم الحركات الاجتماعية.

تُعد هذه الأنشطة بمثابة أدوات لتمكين المجتمع، وتعزيز التماسك الاجتماعي، وتقديم مساحات بديلة للتعبير والإبداع. تعمل المراكز على جذب مجموعة واسعة من الأشخاص من مختلف الخلفيات، بما في ذلك الشباب، والفنانين، والنشطاء، والأكاديميين، والأشخاص الذين يبحثون عن مساحات آمنة للالتقاء والتفاعل.

أهمية المراكز الاجتماعية المُدارة ذاتيًا

تلعب المراكز الاجتماعية المُدارة ذاتيًا دورًا حيويًا في المجتمع لعدة أسباب:

• تعزيز المشاركة المجتمعية: من خلال الإدارة الذاتية والعمل التطوعي، تشجع هذه المراكز على المشاركة المجتمعية النشطة، وتمكين الأفراد من المشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم.
• توفير مساحات بديلة: تقدم هذه المراكز مساحات بديلة للمؤسسات التقليدية، مما يوفر فرصًا للتعبير الإبداعي، والتجريب، والابتكار.
• دعم الفئات المهمشة: غالبًا ما توفر هذه المراكز الدعم والموارد للفئات المهمشة، بما في ذلك الأشخاص الذين يعانون من الفقر، والتشرد، والعزلة الاجتماعية.
• تعزيز التغيير الاجتماعي: تعمل هذه المراكز كمنصات للنشاط السياسي والاجتماعي، وتشجع على الوعي بالقضايا الاجتماعية، والدعوة إلى التغيير.
• بناء مجتمعات قوية: من خلال جمع الناس معًا، وتعزيز العلاقات الاجتماعية، وتوفير الدعم المتبادل، تساعد هذه المراكز على بناء مجتمعات قوية ومرنة.

تُعتبر المراكز الاجتماعية المُدارة ذاتيًا بمثابة نماذج للمجتمعات الديمقراطية، حيث يتم اتخاذ القرارات بشكل جماعي، ويتم احترام التنوع، ويتم تشجيع المشاركة. فهي تمثل بديلًا للمؤسسات التقليدية، وتوفر مساحات للحرية، والإبداع، والعدالة الاجتماعية.

التحديات التي تواجه المراكز الاجتماعية المُدارة ذاتيًا

تواجه المراكز الاجتماعية المُدارة ذاتيًا العديد من التحديات، والتي يمكن أن تعيق قدرتها على العمل والاستمرار. تشمل هذه التحديات:

• نقص التمويل: غالبًا ما تعتمد هذه المراكز على التمويل من خلال التبرعات، والمنح، والأنشطة المدرة للدخل، وهذا التمويل غير مستقر.
• التهديدات بالإخلاء: قد تواجه المراكز المُحتلة خطر الإخلاء من قبل مالكي العقارات، مما يعرضها لخطر فقدان مساحاتها.
• الضغوط السياسية: قد تتعرض هذه المراكز للتدخل السياسي أو الرقابة، خاصة إذا كانت تعمل في قضايا سياسية حساسة.
• صعوبة الإدارة: تتطلب الإدارة الذاتية وقتًا وجهدًا كبيرين، وقد يكون من الصعب الحفاظ على مشاركة الجميع في اتخاذ القرارات.
• الحفاظ على الاستدامة: قد يكون من الصعب الحفاظ على الاستدامة المالية والبيئية للمراكز على المدى الطويل.

على الرغم من هذه التحديات، فقد أظهرت المراكز الاجتماعية المُدارة ذاتيًا قدرة ملحوظة على التكيف والابتكار، من خلال تطوير استراتيجيات لزيادة الإيرادات، وتأمين المساحات، والتغلب على الضغوط السياسية. كما أنهم يعملون بجد للحفاظ على التزامهم بالمبادئ الديمقراطية والإدارة الذاتية.

مستقبل المراكز الاجتماعية المُدارة ذاتيًا

يبدو مستقبل المراكز الاجتماعية المُدارة ذاتيًا في المملكة المتحدة مشرقًا، على الرغم من التحديات المستمرة. هناك وعي متزايد بأهمية هذه المراكز في المجتمع، وهناك اعتراف متزايد بدورها في تعزيز المشاركة المجتمعية، ودعم الفئات المهمشة، وتعزيز التغيير الاجتماعي.

من المتوقع أن تستمر هذه المراكز في التطور والتكيف مع الظروف المتغيرة. قد نشهد المزيد من المراكز التي تستخدم نماذج تمويل مبتكرة، وتطور استراتيجيات مستدامة، وتتعاون مع بعضها البعض ومع المنظمات الأخرى. كما يمكن أن نشهد المزيد من المراكز التي تركز على قضايا مثل تغير المناخ، والعدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان.

مع استمرار تطور المجتمع، ستظل المراكز الاجتماعية المُدارة ذاتيًا تلعب دورًا حيويًا في توفير مساحات آمنة وشاملة للتعبير، والإبداع، والعمل المجتمعي. ستستمر هذه المراكز في أن تكون نماذج للمجتمعات الديمقراطية، وتعزيز التغيير الاجتماعي، وبناء مجتمعات قوية ومرنة.

خاتمة

تُعد المراكز الاجتماعية المُدارة ذاتيًا في المملكة المتحدة بمثابة كنوز مجتمعية، فهي تقدم مساحات فريدة من نوعها للالتقاء، والتفاعل، والعمل المجتمعي. على الرغم من التحديات التي تواجهها، فقد أظهرت هذه المراكز قدرة ملحوظة على البقاء والاستمرار، وذلك بفضل تفاني المتطوعين، والالتزام بالمبادئ الديمقراطية، والقدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة. من خلال دعم هذه المراكز، يمكننا المساهمة في بناء مجتمعات أكثر عدالة، وشمولية، واستدامة.

المراجع

• The Independent – Social centres: the rise of the community spaces run by and for the people
• OpenDemocracy – Social centres in Europe: fighting austerity and building solidarity
• The Guardian – DIY social centres: how London’s community spaces are fighting gentrification
• Vice – Inside the UK’s Squatted Social Centres: A Countercultural Safe Haven

“`