نشأته وبداياته
ولد جوزيف باريس دوفيرني في غرونوبل بفرنسا. كان والده صيدليًا، ودرس جوزيف في البداية الطب والجراحة. ورغم اهتمامه بالطب، فقد ظهرت لديه ميول قوية نحو الاقتصاد والمالية، مما دفعه إلى تغيير مساره المهني.
دوره في التمويل العام
بدأ دوفيرني مسيرته المهنية في مجال التمويل من خلال العمل في إدارة الضرائب الفرنسية. أظهر كفاءة عالية في هذا المجال، وسرعان ما صعد في المناصب. خلال فترة حكم لويس الرابع عشر، أصبح دوفيرني جزءًا من الدائرة المقربة من المستشار المالي جان بابتست كولبير، الذي أدرك قدرات دوفيرني التنظيمية والمالية.
كان دوفيرني مسؤولاً عن إدارة العديد من المشاريع المالية الضخمة للدولة، بما في ذلك إدارة أموال الجيش والبحرية. برزت كفاءته بشكل خاص خلال حرب الخلافة الإسبانية، عندما تمكن من توفير الأموال اللازمة لدعم الجيش الفرنسي والحفاظ على الاستقرار المالي للدولة.
تأسيس شركة الهند الشرقية
لعب دوفيرني دورًا حاسمًا في تأسيس شركة الهند الشرقية الفرنسية (Compagnie des Indes Orientales) في عام 1719. كان يعتقد أن التجارة مع الشرق يمكن أن تجلب ثروة كبيرة لفرنسا. عمل دوفيرني بجد لتجميع الأموال اللازمة وتأمين الدعم السياسي للمشروع.
أصبحت شركة الهند الشرقية الفرنسية قوة تجارية مهمة، وقامت بتوسيع نطاق نفوذ فرنسا في الهند. على الرغم من أن الشركة واجهت بعض المشاكل في وقت لاحق، إلا أن تأسيسها كان علامة فارقة في تاريخ التجارة الفرنسية.
التعاون مع جون لو
تعاون دوفيرني مع الاقتصادي الاسكتلندي جون لو، الذي أصبح المتحكم العام في المالية في فرنسا. كان دوفيرني يدعم فكرة لو الخاصة بنظام مالي جديد قائم على الأوراق النقدية والائتمان. ومع ذلك، اختلف الاثنان بشأن بعض جوانب السياسة المالية، خاصة فيما يتعلق بإدارة البنك الملكي. بينما أيد دوفيرني فكرة التداول النقدي، عارض بشدة المضاربة المفرطة والتقلبات التي شهدها الاقتصاد خلال فترة حكم لو. أدى هذا الخلاف إلى توتر العلاقة بينهما.
عندما انهارت نظام لو في عام 1720، نجا دوفيرني من العواقب السياسية، حيث كان حذرًا في التعامل مع المشروع. استخدم دوفيرني خبرته في مجال التمويل لإعادة بناء النظام المالي الفرنسي بعد الأزمة.
أعماله الخيرية
بالإضافة إلى مساهماته في الاقتصاد والتمويل، كان دوفيرني معروفًا بأعماله الخيرية. أسس مستشفى في باريس، وقدم الدعم المالي للمنظمات الخيرية الأخرى. كان يؤمن بأهمية مساعدة الآخرين، وكان ينفق جزءًا كبيرًا من ثروته على الأعمال الإنسانية.
دوره في عهد لويس الخامس عشر
خلال عهد لويس الخامس عشر، استمر دوفيرني في لعب دور مؤثر في السياسة المالية الفرنسية. عمل كمستشار للعديد من الوزراء، وكان له تأثير كبير على اتخاذ القرارات الاقتصادية. كان دوفيرني يفضل سياسات مالية محافظة، ويرى أن الاستقرار هو الأساس لتحقيق الرخاء الاقتصادي.
عارض دوفيرني سياسات التوسع العسكري المكلفة التي اتبعتها فرنسا، ودافع عن ضرورة تقليل الإنفاق الحكومي. كان يؤمن بأن الاقتصاد القوي يتطلب إدارة مالية حكيمة.
آراؤه الاقتصادية
كانت آراء دوفيرني الاقتصادية مستندة إلى مبادئ الليبرالية الاقتصادية المبكرة. آمن بأهمية التجارة الحرة والأسواق المفتوحة. كما دافع عن دور الدولة في تنظيم الاقتصاد، ولكن مع الحد من التدخل الحكومي المفرط.
كان دوفيرني من المؤيدين الأوائل للزراعة كأحد أهم مصادر الثروة. اعتقد أن تطوير الزراعة يمكن أن يعزز الاقتصاد الفرنسي ويحسن مستوى معيشة الشعب.
إرثه
ترك جوزيف باريس دوفيرني إرثًا مهمًا في تاريخ الاقتصاد والمالية الفرنسية. ساهم في تطوير النظام المالي الفرنسي، وأسس شركة الهند الشرقية الفرنسية. كان له تأثير كبير على سياسات الدولة الاقتصادية، وأعماله الخيرية تدل على التزامه بالمجتمع.
يعتبر دوفيرني شخصية محورية في تاريخ فرنسا في القرن الثامن عشر. أظهر قدرة استثنائية على إدارة الأموال، وجمع بين الكفاءة المالية والمسؤولية الاجتماعية.
المحاولات لتحديث الجيش الفرنسي
أدرك دوفيرني أهمية تطوير الجيش الفرنسي، ليس فقط من الناحية المالية، بل أيضًا من حيث التنظيم والتدريب. وقد عمل على تحسين إدارة الموارد العسكرية، وضمان تخصيص الأموال بكفاءة. كما ساهم في تحديث أساليب التدريب والتسليح، مما ساهم في تعزيز القدرات العسكرية الفرنسية.
العلاقة مع فولتير
أقام دوفيرني علاقة صداقة مع الفيلسوف والمفكر الفرنسي الشهير فولتير. تبادل الاثنان الأفكار حول السياسة والاقتصاد والمجتمع. أثر دوفيرني في فكر فولتير، وقدم له الدعم المالي في بعض الأحيان. كان فولتير يقدر ذكاء دوفيرني ومهاراته في إدارة الأمور المالية، واعتبره شخصية مهمة في عصره.
موقفه من الفساد
اشتهر دوفيرني بنزاهته ورفضه للفساد. كان يرى أن الفساد يعيق التنمية الاقتصادية ويضر بالمجتمع. عمل دوفيرني بجد للقضاء على الفساد في الإدارة المالية، وكان يحرص على إدارة الأموال العامة بشفافية ومسؤولية.
أدواره الأخرى
بالإضافة إلى دوره في التمويل، كان دوفيرني مهتمًا بالفنون والعلوم. كان يمتلك مجموعة فنية كبيرة، ورعى الفنانين والعلماء. كان يؤمن بأهمية الثقافة في تقدم المجتمع، وقدم الدعم المالي للمشاريع الثقافية.
نهاية حياته
توفي جوزيف باريس دوفيرني في باريس في 17 يوليو 1770، عن عمر يناهز 86 عامًا. ترك وراءه إرثًا غنيًا في مجالات الاقتصاد والمالية والعمل الخيري. استمرت أفكاره وتأثيره في التأثير على السياسات الاقتصادية الفرنسية لسنوات عديدة.
تقييم إرثه
يُعتبر جوزيف باريس دوفيرني شخصية مهمة في تاريخ فرنسا. ترك بصمة واضحة في مجالات الاقتصاد والمالية، وأعماله الخيرية تدل على التزامه بالمجتمع. كان لديه رؤية ثاقبة في مجال الإدارة المالية، وساهم في تطوير الاقتصاد الفرنسي في فترة حاسمة من التاريخ.
أثبت دوفيرني أنه رجل أعمال ناجح ورجل دولة بارع. كان لديه القدرة على التكيف مع التغييرات السياسية والاقتصادية، والبقاء مؤثرًا في مختلف الحكومات. يُذكر دوفيرني كشخصية بارزة في تاريخ فرنسا، وكأحد رواد الاقتصاد الحديث.
خاتمة
كان جوزيف باريس دوفيرني شخصية بارزة في القرن الثامن عشر، جمع بين المعرفة في مجالات الاقتصاد والطب والعمل الخيري. لعب دورًا محوريًا في تطوير النظام المالي الفرنسي، وأسس شركة الهند الشرقية الفرنسية. كان له تأثير كبير على السياسات الاقتصادية للدولة، وعمل على تحسين إدارة الأموال العامة. كان دوفيرني شخصية مثقفة وداعمة للفنون، وتوفي تاركًا إرثًا دائمًا في تاريخ فرنسا.
المراجع
- Encyclopaedia Britannica
- Larousse
- Wikipedia (بالفرنسية)
- Annales historiques de la Révolution française
“`