نشأته وحياته المبكرة
لم يُعرف الكثير عن حياة موجالي بوتّا-تيسّا المبكرة. ومع ذلك، تشير السجلات البوذية إلى أنه نشأ في بيئة متدينة وتلقى تعليمًا عميقًا في تعاليم بوذا. يُعتقد أنه انضم إلى الرهبنة البوذية في سن مبكرة، وسرعان ما أظهر ذكاءً استثنائيًا وتفوقًا في دراسة النصوص البوذية والتأمل. تميز بحبه للمعرفة الدينية والتفاني في ممارسة الدارما. كان أيضًا تلميذًا مقربًا من العديد من المعلمين البوذيين البارزين في عصره.
المجمع البوذي الثالث
كانت فترة الإمبراطور أشوكا (حكم 268–232 قبل الميلاد) نقطة تحول في تاريخ البوذية. بعد اعتناقه البوذية، عمل أشوكا بحماس على نشر الدارما في جميع أنحاء مملكته وخارجها. واجهت هذه الجهود تحديات، بما في ذلك ظهور العديد من البدع والفرق الدينية التي أدت إلى انقسامات داخل المجتمع البوذي. لمعالجة هذه المشاكل، دعا أشوكا إلى عقد المجمع البوذي الثالث في باتاليبوترا، والذي ترأسه موجالي بوتّا-تيسّا.
عُقد المجمع الثالث في حوالي عام 250 قبل الميلاد. كان الهدف الرئيسي هو توحيد تعاليم البوذية وتطهيرها من البدع. أجرى موجالي بوتّا-تيسّا مراجعة شاملة للنصوص البوذية، ووضع قائمة بالبدع والآراء الخاطئة التي يجب رفضها. كما قام بتجميع “أبيظاماكاتا”، وهو عمل منهجي يلخص ويوضح تعاليم الأبيظاما، وهو الجزء الفلسفي والنفسي من “تيباتاكا” (Tipitaka)، وهي المجموعة الكاملة من النصوص البوذية. كانت هذه الأعمال حاسمة في توحيد البوذية والحفاظ على نقاء تعاليمها.
دور موجالي بوتّا-تيسّا في نشر البوذية
بعد انتهاء المجمع البوذي الثالث، لعب موجالي بوتّا-تيسّا دورًا رئيسيًا في إرسال المبشرين البوذيين إلى مناطق مختلفة من العالم. كانت هذه مهمة تاريخية أدت إلى انتشار البوذية خارج الهند. أرسل المبشرين إلى سريلانكا، بورما (ميانمار)، سيام (تايلاند)، والعديد من المناطق الأخرى. من بين هؤلاء المبشرين ابنه، ماهيندا، الذي أرسل إلى سريلانكا وأسس هناك مجتمعًا بوذيًا مزدهرًا. يعتبر هذا الانتشار للبوذية أحد أهم إنجازات موجالي بوتّا-تيسّا.
ساهم موجالي بوتّا-تيسّا في إعداد المبشرين وتزويدهم بالتعليمات والأدوات اللازمة لنشر الدارما بشكل فعال. شملت هذه الأدوات النصوص البوذية الموحدة، والتي تمت ترجمتها إلى لغات مختلفة، بالإضافة إلى إرشادات حول كيفية ممارسة التأمل والوعظ. لعبت هذه الجهود دورًا حاسمًا في تأسيس البوذية في بلدان جديدة والحفاظ على استمراريتها على مر العصور.
كتاب “أبيظاماكاتا”
يعتبر كتاب “أبيظاماكاتا” من أهم إنجازات موجالي بوتّا-تيسّا. إنه عمل ضخم يتناول الفلسفة البوذية بطريقة منهجية وشاملة. يقسم الكتاب تعاليم الأبيظاما إلى سبعة أقسام رئيسية، كل منها يتناول جانبًا مختلفًا من الوجود البشري والمسار نحو التنوير. تشمل هذه الأقسام:
- الخلاصات (Dhammasangani): يدرس طبيعة الظواهر.
- التحاليل (Vibhanga): يحلل الظواهر.
- عناصر الحوار (Dhatukatha): يدرس العلاقات بين العناصر.
- شخص (Puggalapannatti): يدرس أنواع الشخصيات.
- مكان التحدث (Kathavatthu): يدرس وجهات النظر المختلفة.
- توأمان (Yamaka): يدرس أزواج الظواهر.
- النشأة (Patthana): يدرس العلاقات الشرطية.
يعتبر “أبيظاماكاتا” مرجعًا أساسيًا لفهم الفلسفة البوذية وأساسًا لدراسة الأبيظاما. أثر الكتاب بشكل كبير على تطور الفكر البوذي في جميع أنحاء العالم، ولا يزال يُدرس على نطاق واسع حتى اليوم.
إرثه وتأثيره
يُعتبر موجالي بوتّا-تيسّا شخصية مركزية في تاريخ البوذية. أسهم في توحيد وتطهير تعاليم البوذية، وساعد في نشرها في جميع أنحاء العالم. أعماله، خاصة “أبيظاماكاتا”، لا تزال ذات أهمية كبيرة للباحثين والرهبان والطلاب البوذيين. تأثيره يمتد إلى العصور الحديثة، حيث لا تزال تعاليمه تلهم الملايين حول العالم.
إرثه يتجسد في المؤسسات البوذية التي أسسها، والمبشرين الذين أرسلهم، والنصوص التي جمعها وألفها. ساهم في الحفاظ على تعاليم بوذا نقية ومنظمة، مما سمح لها بالبقاء قوية ومؤثرة على مر العصور. يُذكر موجالي بوتّا-تيسّا كواحد من أعظم القادة الدينيين في التاريخ البوذي، وكمفكر وعالم ترك بصمة لا تمحى على العالم.
خاتمة
كان موجالي بوتّا-تيسّا شخصية محورية في تاريخ البوذية، حيث لعب دورًا حيويًا في توحيد التعاليم البوذية، وإرسال المبشرين لنشر الدارما، وتأليف كتاب “أبيظاماكاتا”. ساهمت جهوده في الحفاظ على نقاء البوذية وتوسيع نطاقها الجغرافي. إرثه يتجلى في استمرار تأثيره على البوذية في العصر الحديث، حيث لا تزال أعماله وتعاليمه تلهم الملايين حول العالم.
المراجع
- موسوعة بريتانيكا – موجالي بوتّا-تيسّا
- ويكيبيديا – موجالي بوتّا-تيسّا
- البوذية في باكستان – موجالي بوتّا-تيسّا
- منشورات جمعية النصوص البوذية – موجالي بوتّا-تيسّا
“`