مقدمة
كونراد فون غيلنهاوزن (حوالي 1320 – 1390) كان عالم لاهوت وقانوني كنسي ألماني بارز، وأحد مؤسسي الحركة المجمعية في الكنيسة الكاثوليكية. لعب دوراً محورياً في الجدل الدائر حول سلطة البابا والمجالس الكنسية خلال فترة الانشقاق الغربي، حيث دافع عن فكرة أن المجلس العام للكنيسة يمتلك سلطة أعلى من سلطة البابا. كان له تأثير كبير على الفكر الكنسي والسياسي في عصره، وأرست أفكاره الأساس للإصلاحات اللاحقة في الكنيسة.
حياته ونشأته
ولد كونراد فون غيلنهاوزن في مدينة غيلنهاوزن الواقعة في ولاية هيسن الألمانية في حوالي عام 1320. لا تتوفر معلومات تفصيلية عن سنواته الأولى وتعليمه المبكر، ولكن من الواضح أنه تلقى تعليماً ممتازاً أهّله لدخول الجامعة. التحق بجامعة باريس، وهي مركز مرموق للدراسة في ذلك الوقت، حيث درس اللاهوت والقانون الكنسي. تفوق في دراسته وسرعان ما أصبح شخصية بارزة في الأوساط الأكاديمية.
بعد الانتهاء من دراسته في باريس، عاد كونراد إلى ألمانيا وتقلد مناصب كنسية مختلفة. شغل منصب كاهن في عدة كنائس، وأصبح فيما بعد أستاذاً للقانون الكنسي في جامعة هايدلبرغ. من خلال عمله كأستاذ، قام بتدريس وتوجيه جيل كامل من علماء اللاهوت والقانون الكنسي، ونشر أفكاره حول سلطة المجالس الكنسية والإصلاح الكنسي.
دوره في الحركة المجمعية
برز كونراد فون غيلنهاوزن كشخصية رئيسية في الحركة المجمعية خلال فترة الانشقاق الغربي (1378-1417). شهدت هذه الفترة وجود باباويْن متنافسيْن (لاحقاً ثلاثة باباوات) يدعي كل منهما الشرعية، مما أدى إلى انقسام عميق في الكنيسة الكاثوليكية. سعى المجمعيون إلى حل هذا الانقسام من خلال الدعوة إلى عقد مجمع عام للكنيسة يتمتع بسلطة أعلى من سلطة البابا، ويمكنه عزل الباباوات المتنافسين وانتخاب بابا جديد يحظى بتأييد الجميع.
كان كونراد فون غيلنهاوزن من أوائل من دافعوا عن هذه الفكرة بشكل صريح. في كتابه “Epistola Concordiae” (رسالة الوفاق)، جادل بأن المجلس العام للكنيسة هو السلطة العليا في الكنيسة، وأن له الحق في التدخل في شؤون البابوية في حالات الطوارئ مثل الانشقاق. استند في حججه إلى الكتاب المقدس وتعاليم آباء الكنيسة والقانون الكنسي. أكد أن الكنيسة بأكملها، وليس البابا وحده، هي التي تمتلك السلطة الروحية الكاملة.
كانت أفكار كونراد فون غيلنهاوزن ثورية في ذلك الوقت، وتعارضت بشكل مباشر مع الفهم التقليدي لسلطة البابا. ومع ذلك، فقد لاقت صدى واسعاً بين العديد من علماء اللاهوت والقانون الكنسي، وكذلك بين بعض الأمراء والحكام الذين كانوا قلقين بشأن الانقسام في الكنيسة وتأثيره على الاستقرار السياسي.
مجمع بيزا
ساهمت أفكار كونراد فون غيلنهاوزن بشكل كبير في الدعوة إلى عقد مجمع بيزا عام 1409. كان الهدف من هذا المجمع هو حل الانشقاق الغربي عن طريق عزل الباباوات المتنافسين وانتخاب بابا جديد. ومع ذلك، انتهى المجمع بانتخاب بابا ثالث، مما زاد الوضع تعقيداً.
على الرغم من فشل مجمع بيزا في تحقيق هدفه الرئيسي، إلا أنه كان بمثابة نقطة تحول في الحركة المجمعية. فقد أظهر أن فكرة عقد مجمع عام للكنيسة لم تعد مجرد نظرية أكاديمية، بل أصبحت واقعاً سياسياً يمكن أن يؤثر على مستقبل الكنيسة.
تأثيره وإرثه
على الرغم من أن كونراد فون غيلنهاوزن توفي قبل أن تشهد الحركة المجمعية ذروتها في مجمع كونستانس (1414-1418)، إلا أن أفكاره كان لها تأثير كبير على هذا المجمع وعلى الإصلاحات التي تم تبنيها فيه. ساهم مجمع كونستانس في إنهاء الانشقاق الغربي وانتخاب بابا جديد يحظى بتأييد الجميع، كما أصدر عدة مراسيم تحد من سلطة البابا وتعزز سلطة المجالس الكنسية.
يعتبر كونراد فون غيلنهاوزن أحد أهم المفكرين في الحركة المجمعية، وأرست أفكاره الأساس للإصلاحات اللاحقة في الكنيسة الكاثوليكية. لا يزال يُذكر كشخصية بارزة في تاريخ الفكر الكنسي والسياسي في العصور الوسطى المتأخرة.
يمكن تلخيص أهم إسهامات كونراد فون غيلنهاوزن فيما يلي:
- الدفاع عن فكرة أن المجلس العام للكنيسة يمتلك سلطة أعلى من سلطة البابا في حالات الطوارئ مثل الانشقاق.
- تأثيره على الدعوة إلى عقد مجمع بيزا عام 1409.
- إلهامه للحركة المجمعية التي بلغت ذروتها في مجمع كونستانس.
- إسهامه في الإصلاحات اللاحقة في الكنيسة الكاثوليكية.
أعماله الرئيسية
أهم أعمال كونراد فون غيلنهاوزن هو كتابه “Epistola Concordiae” (رسالة الوفاق)، الذي شرح فيه أفكاره حول سلطة المجالس الكنسية والإصلاح الكنسي. كما كتب عدة مقالات ورسائل أخرى حول مواضيع مختلفة تتعلق باللاهوت والقانون الكنسي.
خاتمة
كان كونراد فون غيلنهاوزن شخصية مؤثرة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، حيث دافع عن فكرة أن المجالس الكنسية يجب أن تكون لها سلطة أكبر من البابا، وخاصة في أوقات الانقسام. لعبت أفكاره دورًا حاسمًا في الحركة المجمعية التي سعت إلى إصلاح الكنيسة وإنهاء الانشقاق الغربي. على الرغم من أن أفكاره كانت مثيرة للجدل في عصره، إلا أنها ساهمت في تشكيل الفكر الكنسي والسياسي في العصور الوسطى المتأخرة وتركت إرثًا دائمًا في تاريخ الكنيسة.