نشأته وبداياته
ولد يواكيم باسم إيفان بيتروفيتش سافيلوف في عائلة نبيلة في عام 1620. تلقى تعليمه في المنزل، ثم التحق بالمدرسة السلافية اليونانية اللاتينية في موسكو. برز في دراسته، وأظهر اهتمامًا مبكرًا بالشؤون الدينية. في شبابه، اتجه نحو الحياة الرهبانية، وترهب في دير تشودوف في الكرملين، واختار اسم يواكيم. صعد سريعًا في الرتب الكنسية، وأصبح رئيسًا لدير أندرييفسكي في موسكو.
مسيرته الكنسية
في عام 1672، تم تعيين يواكيم رئيسًا لأساقفة نوفغورود. في هذا المنصب، أظهر قدرة قيادية قوية وإخلاصًا كبيرًا للتقاليد الأرثوذكسية. عرف عنه أيضًا اهتمامه بالتعليم ونشر المعرفة الدينية. في عام 1674، توفي البطريرك يوسيف، وتم انتخاب يواكيم خلفًا له، ليصبح البطريرك الحادي عشر لموسكو وعموم روسيا. كان هذا المنصب من أرفع المناصب في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، ومكّنه من ممارسة تأثير كبير على الشؤون الدينية والسياسية في البلاد.
علاقته بالقيصر
خلال فترة بطريركيته، كانت العلاقة بين يواكيم والقيصر ألكسي الأول معقدة ومتغيرة. في البداية، تعاونا بشكل جيد، وعمل البطريرك على دعم سلطة القيصر. لكن مع تولي القيصر فيودور الثالث، ثم بطرس الأكبر، بدأت الخلافات تظهر. عارض يواكيم الإصلاحات التي كان يطمح إليها بطرس، والتي اعتبرها تهديدًا للقيم الأرثوذكسية التقليدية ونفوذ الكنيسة. كان يرى أن هذه الإصلاحات قد تؤدي إلى تدهور الأخلاق والقيم الروحية للمجتمع الروسي.
معارضته للإصلاحات
كانت معارضة يواكيم للإصلاحات التي قام بها بطرس الأكبر شديدة، وركزت بشكل خاص على محاولات القيصر لتغريب روسيا على الطراز الغربي. اعترض يواكيم على إدخال العادات الغربية، وتغيير الأزياء، وتقويم يوليوس، وتشكيل الجيش والبحرية على النمط الأوروبي. رأى أن هذه التغييرات تهدد الهوية الروسية الأرثوذكسية. كان يواكيم يؤمن بأهمية الحفاظ على التقاليد الدينية والثقافية التي ورثتها روسيا من بيزنطة. كان يعتقد أن الكنيسة هي الحارس الأمين لهذه التقاليد، وأن أي محاولة لتغييرها يجب أن تقابل بالمقاومة.
بالإضافة إلى ذلك، عارض يواكيم محاولات بطرس للحد من سلطة الكنيسة وزيادة سيطرة الدولة عليها. رأى أن هذه المحاولات تتعارض مع استقلالية الكنيسة وحقها في إدارة شؤونها الخاصة. دافع يواكيم عن حقوق الكنيسة في امتلاك الأراضي والممتلكات، وفي ممارسة سلطتها الروحية على المؤمنين. هذه المعارضة المستمرة وضعت يواكيم في صراع مباشر مع القيصر بطرس، الذي كان مصممًا على تحديث روسيا وتغييرها.
إنجازاته وأعماله
على الرغم من معارضته للإصلاحات، كان يواكيم شخصية دينية مؤثرة وترك إرثًا مهمًا. اهتم بالتعليم، وأمر بفتح مدارس جديدة في أبرشيات مختلفة. كما دعم نشر الكتب الدينية والأدب الديني. عمل على ترميم الكنائس والأديرة، وبناء كنائس جديدة. اشتهر بتفانيه في خدمة الله والكنيسة، وبتقواه. يعتبر يواكيم من الشخصيات البارزة في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وقد ترك بصمة دائمة على تطورها.
أثناء فترة بطريركيته، قام يواكيم بالعديد من الإصلاحات داخل الكنيسة. سعى إلى تحسين مستوى التعليم الديني للكهنة وعامة الناس. أمر بترجمة الكتب الدينية إلى اللغة السلافية الكنسية، اللغة التي كانت تستخدم في العبادة في ذلك الوقت. كما عمل على توحيد الممارسات الليتورجية في جميع أنحاء الكنيسة الروسية. بالإضافة إلى ذلك، اهتم يواكيم بتحسين العلاقات بين الكنيسة والدولة، على الرغم من خلافاته مع القيصر بطرس. سعى إلى الحفاظ على استقلالية الكنيسة مع الحفاظ على التعاون مع السلطات الحكومية.
وفاته وإرثه
توفي البطريرك يواكيم في 17 مارس 1690. دفن في كاتدرائية رئيس الملائكة في الكرملين في موسكو. على الرغم من معارضته لإصلاحات بطرس الأكبر، إلا أن يواكيم ترك إرثًا دائمًا. لقد حافظ على التقاليد الأرثوذكسية، ودعم التعليم الديني، وعمل على تعزيز مكانة الكنيسة في المجتمع الروسي. يعتبره الكثيرون رمزًا للتقوى والإخلاص للكنيسة. لا يزال يذكره الروسيون حتى اليوم كأحد أهم الشخصيات الدينية في تاريخهم.
بعد وفاته، استمرت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في لعب دور مهم في المجتمع الروسي. على الرغم من الإصلاحات التي قام بها بطرس الأكبر، إلا أن الكنيسة حافظت على نفوذها وقدرتها على التأثير في حياة الناس. استمرت الكنيسة في الحفاظ على القيم الروحية والأخلاقية، وتقديم الدعم الروحي للمؤمنين. يعتبر إرث يواكيم جزءًا لا يتجزأ من هذا الدور المستمر للكنيسة.
الحياة الشخصية
بالإضافة إلى مسيرته الكنسية، كان يواكيم رجلاً يتمتع بشخصية قوية وإيمان عميق. كان معروفًا بتواضعه وزهده. كان يقضي الكثير من وقته في الصلاة والدراسة. كان أيضًا يتمتع بحس فكاهي. كان محبوبًا من قبل الناس، الذين احترموه كقائد روحي. كان يواكيم يعتبر قدوة للكثيرين، وكان يحظى باحترام كبير داخل الكنيسة وخارجها. أثرت حياته وإيمانه في حياة الكثيرين من حوله.
تقييم دوره التاريخي
يمكن تقييم دور البطريرك يواكيم من جوانب متعددة. من ناحية، كان مدافعًا عن التقاليد الأرثوذكسية ومقاومًا للتغيير، وهذا ما جعله في صراع مع بطرس الأكبر. من ناحية أخرى، كان رجل دين مخلصًا، اهتم بالتعليم ونشر المعرفة الدينية، وعمل على تعزيز مكانة الكنيسة. يمكن القول إنه كان رجلًا في زمن صعب، حاول الحفاظ على الهوية الروسية في مواجهة التغييرات الجوهرية. يظهر دوره التاريخي مدى تعقيد الشخصيات التاريخية وتعدد أبعادها.
تأثيره على الكنيسة الأرثوذكسية الروسية
ترك يواكيم تأثيرًا كبيرًا على الكنيسة الأرثوذكسية الروسية. لقد ساهم في الحفاظ على التقاليد الأرثوذكسية وتعزيزها في وقت كانت فيه هناك محاولات لتغييرها. عزز التعليم الديني وأعاد إحياء الأدب الديني. عمل على تحسين العلاقات بين الكنيسة والدولة، على الرغم من الخلافات مع القيصر بطرس. يعتبر إرثه جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، ولا يزال يُحتفى به حتى اليوم.
النقاط الأساسية
- كان يواكيم البطريرك الحادي عشر لموسكو وعموم روسيا.
- عارض بشدة الإصلاحات التي قام بها بطرس الأكبر، والتي اعتبرها تهديدًا للقيم الأرثوذكسية التقليدية.
- عمل على تعزيز التعليم الديني، ونشر الكتب الدينية.
- ترك إرثًا دائمًا في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.
- يعتبر رمزًا للتقوى والإخلاص للكنيسة.
خاتمة
في الختام، كان البطريرك يواكيم شخصية بارزة في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية الروسية. على الرغم من معارضته للإصلاحات التي قام بها بطرس الأكبر، إلا أنه ترك إرثًا دائمًا من خلال دعمه للتعليم الديني والحفاظ على التقاليد الأرثوذكسية. كان رجلاً يتمتع بإيمان عميق وتفانٍ في خدمة الله والكنيسة. لا يزال يذكره الروسيون كأحد أهم الشخصيات الدينية في تاريخهم.
المراجع
“`