نشأته وبداياته
ولد ستانلي شاختر في مدينة نيويورك، وتلقى تعليمه في جامعة ييل، حيث حصل على درجة البكالوريوس عام 1942. بعد خدمته في الجيش خلال الحرب العالمية الثانية، عاد إلى الدراسة وحصل على درجة الماجستير والدكتوراه في علم النفس من جامعة ميشيغان. بدأ مسيرته الأكاديمية في جامعة كولومبيا، حيث أجرى معظم أبحاثه الرائدة. تأثر شاختر بالعديد من العلماء البارزين في عصره، مما ساعد في تشكيل رؤيته الفريدة في علم النفس.
نظرية العاملين في العواطف
من أبرز إسهامات شاختر كانت نظرية العاملين في العواطف، التي طورها بالتعاون مع جيروم إي. سينجر. تفترض هذه النظرية أن العواطف تتشكل من عاملين أساسيين: الإثارة الفسيولوجية والتفسير المعرفي. بمعنى آخر، نشعر بالعاطفة أولاً من خلال الاستجابات الجسدية (مثل زيادة معدل ضربات القلب، والتعرق)، ثم نفسر هذه الاستجابات بناءً على السياق والظروف المحيطة. على سبيل المثال، إذا كنا نشعر بالإثارة الفسيولوجية في موقف خطير، فقد نفسر هذه الإثارة على أنها خوف. أما في موقف ممتع، فقد نفسرها على أنها سعادة. هذه النظرية غيرت الطريقة التي نفكر بها في العواطف وأثرت بشكل كبير على علم النفس.
تجربة الإبينفرين والجهل
لتوضيح نظرية العاملين في العواطف، أجرى شاختر وسينجر سلسلة من التجارب الشهيرة. في إحدى هذه التجارب، حقن المشاركون بالإبينفرين (الأدرينالين)، الذي يسبب الإثارة الفسيولوجية. تم إخبار بعض المشاركين بالآثار الجانبية للإبينفرين، بينما لم يتم إخبار الآخرين. ثم تم وضع المشاركين في مواقف مختلفة مع ممثلين تصرفوا بسعادة أو غضب. أظهرت النتائج أن المشاركين الذين لم يتم إخبارهم بالآثار الجانبية للإبينفرين كانوا أكثر عرضة لتفسير حالتهم الفسيولوجية بناءً على سلوك الممثلين. هذا الدليل التجريبي دعم فكرة أن العواطف تتشكل من خلال تفاعل بين الإثارة الفسيولوجية والتفسير المعرفي.
أبحاث السمنة
بالإضافة إلى عمله في مجال العواطف، أجرى شاختر أبحاثًا مهمة حول السمنة. لاحظ أن الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن قد يختلفون في سلوكيات الأكل عن الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي. على سبيل المثال، وجد شاختر أن الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة يميلون إلى أن يكونوا أكثر عرضة للأكل عندما يكون الطعام متاحًا بسهولة، بغض النظر عن شعورهم بالجوع. كما أنهم أكثر عرضة للتأثر بالعوامل الخارجية، مثل حجم العبوات، أكثر من الإشارات الداخلية، مثل الشعور بالجوع أو الشبع. قدمت أبحاثه رؤى قيمة حول العوامل النفسية التي تساهم في السمنة.
تجربة السمنة (حجم الوجبة)
في أحد التجارب المتعلقة بالسمنة، قام شاختر بتقديم وجبات مختلفة الأحجام للأشخاص الذين يعانون من السمنة والأشخاص ذوي الوزن الطبيعي. أظهرت النتائج أن الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة يميلون إلى تناول كميات أكبر من الطعام عندما كانت الوجبات أكبر، بغض النظر عن شعورهم بالجوع. على النقيض من ذلك، كان سلوك الأكل لدى الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي أكثر حساسية للإشارات الداخلية للجوع والشبع. هذه التجربة دعمت فكرة أن الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة قد يكونون أكثر عرضة للتأثر بالإشارات الخارجية في بيئتهم، مثل حجم الوجبات، بدلاً من الإشارات الداخلية من أجسادهم.
أبحاث التدخين
ساهم شاختر أيضًا في فهمنا لسلوك التدخين. أظهرت أبحاثه أن التدخين يمكن أن يكون مرتبطًا بالعواطف، حيث يستخدم المدخنون السجائر كوسيلة لتنظيم مشاعرهم. وجد أن المدخنين يميلون إلى التدخين أكثر في أوقات التوتر والقلق، مما يشير إلى أن التدخين قد يكون بمثابة آلية للتكيف مع هذه المشاعر. علاوة على ذلك، أظهرت أبحاثه أن الأعراض الانسحابية المرتبطة بالتوقف عن التدخين (مثل القلق والتهيج) تلعب دورًا هامًا في الحفاظ على عادة التدخين. قدمت هذه الأبحاث رؤى قيمة حول دوافع التدخين وساهمت في تطوير استراتيجيات فعالة للإقلاع عن التدخين.
مساهمات أخرى
بالإضافة إلى أبحاثه في العواطف والسمنة والتدخين، قدم شاختر مساهمات في مجالات أخرى من علم النفس الاجتماعي. على سبيل المثال، درس سلوكيات الانضمام إلى المجموعات وكيفية تأثير القلق على هذه السلوكيات. أظهرت أبحاثه أن الأشخاص الذين يشعرون بالقلق يميلون إلى الانضمام إلى الآخرين في المواقف العصيبة، ربما للحصول على الدعم العاطفي أو للمقارنة الاجتماعية. كان لعمله تأثير كبير على فهمنا للسلوك الاجتماعي في مجموعة متنوعة من السياقات.
تقييم أبحاثه وتأثيرها
كان لعمل ستانلي شاختر تأثير كبير على علم النفس، ولا سيما في مجالات العواطف والسمنة والسلوك الاجتماعي. قدمت نظرياته وأبحاثه إطارًا مهمًا لفهم العمليات النفسية الأساسية التي تؤثر على سلوكنا. لا تزال نظرية العاملين في العواطف، على وجه الخصوص، مؤثرة في علم النفس، وتستخدم على نطاق واسع في البحوث والتطبيقات العملية. كما أن أبحاثه حول السمنة والتدخين ساهمت في تطوير التدخلات والاستراتيجيات التي تهدف إلى مساعدة الأشخاص على تغيير سلوكياتهم الصحية.
نقد عمل شاختر
على الرغم من تأثيره الكبير، تعرض عمل شاختر أيضًا لبعض الانتقادات. ركزت بعض الانتقادات على المنهجية المستخدمة في بعض تجاربه، بالإضافة إلى مدى تعميم النتائج على جميع الأفراد. ومع ذلك، تم الاعتراف على نطاق واسع بقيمة مساهماته في علم النفس. لقد ألهمت أبحاثه العديد من الباحثين الآخرين وأدت إلى فهم أعمق للسلوك البشري. كما أن أفكاره ونظرياته لا تزال قيد الدراسة والتطبيق حتى يومنا هذا.
تراثه
ترك ستانلي شاختر إرثًا دائمًا في علم النفس. لقد كان مفكرًا مبدعًا وباحثًا موهوبًا ترك بصمة واضحة على هذا المجال. أسهمت أبحاثه في تقدم فهمنا للعواطف، والسمنة، والتدخين، والسلوك الاجتماعي، وقد ألهمت أجيالًا من الباحثين والعلماء. بالإضافة إلى ذلك، كان معروفًا بأسلوبه الأكاديمي الأنيق وقدرته على التواصل بوضوح وفعالية. لا تزال أفكاره ونظرياته جزءًا لا يتجزأ من مناهج علم النفس الحديثة.
خاتمة
كان ستانلي شاختر عالم نفس اجتماعي أمريكيًا رائدًا، قدم مساهمات مهمة في فهمنا للعواطف، والسمنة، والسلوك الاجتماعي. من خلال تطويره لنظرية العاملين في العواطف وإجراء أبحاث رائدة في مجالات السمنة والتدخين، ترك شاختر إرثًا دائمًا في علم النفس. لقد أثرت أفكاره ونظرياته بشكل كبير على الطريقة التي نفكر بها في السلوك البشري، ولا تزال ذات صلة وواسعة الانتشار حتى يومنا هذا.
المراجع
- Stanley Schachter – Wikipedia
- Stanley Schachter | American psychologist | Britannica
- Schachter-Singer Two-Factor Theory of Emotion – Simply Psychology
- Psychology of Obesity – American Psychological Association
“`