تاريخ دُبرِس
يعود تاريخ دُبرِس إلى الفترة التي سبقت الغزو الروماني لبريطانيا في عام 43 م. ومع ذلك، اكتسبت المدينة أهمية كبيرة بعد الغزو، حيث قام الرومان بتطويرها لتصبح ميناءً رئيسيًا وقاعدة عسكرية استراتيجية. لعب موقعها الجغرافي دورًا حاسمًا في هذا التطور، حيث تقع على أقصر مسافة بين بريطانيا وغال (فرنسا الحديثة).
في عهد الإمبراطور كلوديوس، أصبحت دُبرِس جزءًا من شبكة الطرق الرومانية، وخاصة طريق واتلينغ (Watling Street)، الذي ربطها بمدن أخرى مهمة في بريطانيا الرومانية مثل لندن (لندينيوم) وكانتربري (دوروفيرنوم). ساهم هذا الربط في تعزيز التجارة وتبادل البضائع بين دُبرِس وبقية المقاطعة الرومانية.
خلال القرنين الأول والثاني الميلاديين، شهدت دُبرِس فترة ازدهار كبير. تم بناء العديد من المباني العامة والخاصة، بما في ذلك الحمامات الرومانية والفيلات والمخازن. كما تم إنشاء حامية عسكرية كبيرة لحماية الميناء والمدينة من الغارات.
في القرن الثالث الميلادي، بدأت دُبرِس في التدهور، ربما بسبب الغارات المتزايدة من قبل القبائل الجرمانية من القارة الأوروبية. ومع ذلك، ظلت المدينة مأهولة بالسكان حتى نهاية الحكم الروماني في بريطانيا في أوائل القرن الخامس الميلادي.
أهمية دُبرِس
تكمن أهمية دُبرِس في عدة جوانب:
- الموقع الاستراتيجي: كانت دُبرِس تقع على أقصر مسافة بين بريطانيا والقارة الأوروبية، مما جعلها نقطة عبور مثالية للجيوش والتجار والمسافرين.
- الميناء الرئيسي: كانت دُبرِس أحد أهم الموانئ في بريطانيا الرومانية، حيث تم من خلالها استيراد وتصدير البضائع المختلفة، مثل الحبوب والنبيذ والزيت والفخار والمعادن.
- القاعدة العسكرية: كانت دُبرِس قاعدة عسكرية مهمة، حيث كانت تحمي الميناء والمدينة من الغارات، وتوفر الدعم اللوجستي للجيوش الرومانية العاملة في بريطانيا.
- التبادل الثقافي: كانت دُبرِس مركزًا للتبادل الثقافي بين بريطانيا وروما وبقية الإمبراطورية الرومانية.
الاكتشافات الأثرية في دُبرِس
تم إجراء العديد من الحفريات الأثرية في دُبرِس على مر السنين، والتي كشفت عن العديد من الاكتشافات الهامة التي ألقت الضوء على تاريخ المدينة وأهميتها في العصر الروماني. من بين هذه الاكتشافات:
- منارة دُبرِس: تم اكتشاف بقايا منارتين رومانيتين في دوفر، يُعتقد أنهما كانتا تستخدمان لتوجيه السفن إلى الميناء. إحدى هاتين المنارتين لا تزال قائمة حتى اليوم، وتعتبر من أقدم المباني الرومانية في بريطانيا.
- الحمامات الرومانية: تم اكتشاف بقايا حمامات رومانية كبيرة في دُبرِس، مما يشير إلى وجود مجتمع روماني مزدهر في المدينة.
- فيلا رومانية: تم اكتشاف بقايا فيلا رومانية فاخرة في دُبرِس، والتي ربما كانت مملوكة لأحد التجار أو المسؤولين الرومان الأثرياء.
- المقبرة الرومانية: تم اكتشاف مقبرة رومانية كبيرة في دُبرِس، والتي تحتوي على العديد من القبور والقطع الأثرية التي توفر معلومات قيمة عن الحياة والموت في المدينة.
- السفن الرومانية: تم اكتشاف بقايا العديد من السفن الرومانية في ميناء دُبرِس، مما يدل على الأهمية البحرية للمدينة.
منارة دُبرِس الرومانية
تعتبر منارة دُبرِس الرومانية، المعروفة أيضًا باسم “فاروس” (Pharos)، واحدة من أهم المعالم الأثرية في المدينة. تم بناؤها في القرن الأول الميلادي، وهي واحدة من أقدم المنارات الرومانية التي لا تزال قائمة حتى اليوم. كانت المنارة تستخدم لتوجيه السفن إلى ميناء دُبرِس، وكانت جزءًا من نظام من المنارات التي تمتد على طول الساحل الجنوبي لبريطانيا.
تتكون المنارة من برج حجري مربع الشكل، يبلغ ارتفاعه حوالي 24 مترًا. كانت المنارة مغطاة بالجص الأبيض، وكان يُشعل فيها نار في الليل لإرشاد السفن. لا يزال البرج قائماً حتى اليوم في ساحة كنيسة سانت ماري في كاستل، دوفر.
دُبرِس في العصور الوسطى
بعد نهاية الحكم الروماني في بريطانيا، تدهورت دُبرِس وأصبحت مدينة صغيرة. ومع ذلك، استمرت المدينة في لعب دور مهم في التجارة والدفاع عن الساحل الإنجليزي. في العصور الوسطى، تم بناء قلعة دوفر لحماية المدينة والميناء من الغزاة.
خلال فترة العصور الوسطى، شهدت دُبرِس تطورات معمارية وعسكرية، حيث تم تعزيز التحصينات وبناء الكنائس والأديرة. أصبحت دوفر جزءًا من اتحاد “سينك بورتس” (Cinque Ports)، وهو تحالف من المدن الساحلية في جنوب شرق إنجلترا التي كانت مسؤولة عن توفير السفن والرجال للدفاع عن المملكة.
في القرن الحادي عشر، غزا النورمانديون إنجلترا، وأصبحت قلعة دوفر نقطة استراتيجية هامة في الدفاع عن البلاد. قام ويليام الفاتح بتحصين القلعة وجعلها واحدة من أقوى القلاع في إنجلترا.
دُبرِس الحديثة
اليوم، دوفر هي مدينة حديثة ومزدهرة، وهي ميناء رئيسي للعبارات التي تربط إنجلترا بفرنسا. تستقبل المدينة ملايين المسافرين والبضائع كل عام. لا تزال الآثار الرومانية في دُبرِس تجذب السياح والباحثين من جميع أنحاء العالم.
بالإضافة إلى أهميتها التجارية، تحتفظ دوفر بتاريخها العريق، حيث يمكن للزوار استكشاف قلعة دوفر الرائعة، وزيارة منارة دُبرِس الرومانية، والتعرف على تاريخ المدينة في متحف دوفر.
خاتمة
كانت دُبرِس، أو بورتوس دُبرِس، ميناءً رومانيًا حيويًا في بريطانيا، لعب دورًا استراتيجيًا في التجارة والدفاع. بفضل موقعها المتميز، كانت نقطة وصل بين بريطانيا والقارة الأوروبية، وشهدت ازدهارًا ثقافيًا واقتصاديًا. لا تزال الآثار المتبقية من دُبرِس شاهدة على تاريخها العريق وأهميتها في تشكيل التاريخ الروماني والإنجليزي.