خلفية الكتاب
بعد أن نشر إيراسموس الروتردامي كتابه “حرية الإرادة”، توقع مارتن لوثر أن يرد عليه. كان لوثر قد هاجم بالفعل بعض أفكار إيراسموس في كتاباته السابقة، لكنه كان يعتقد أن إيراسموس لم يتناول بعد جوهر الخلاف بينهما. عندما صدر كتاب إيراسموس، وجد لوثر أنه سطحي وغير مقنع، لكنه أدرك أنه يجب عليه أن يرد عليه بشكل كامل ونهائي.
كانت قضية الإرادة الحرة موضوعًا مركزيًا في الجدال اللاهوتي في ذلك الوقت. كان إيراسموس يدافع عن فكرة أن الإنسان يملك إرادة حرة تمكنه من اختيار الخير أو الشر، وأن الله يمنح الإنسان هذه الحرية حتى يكون مسؤولاً عن أفعاله. أما لوثر، فكان يرى أن الإنسان بسبب الخطيئة الأصلية قد فقد إرادته الحرة وأصبح عبدًا للخطيئة، وأنه لا يستطيع أن يفعل الخير إلا بنعمة الله.
ملخص الكتاب
يبدأ لوثر كتابه بالتأكيد على أن الكتاب المقدس يعلم بوضوح أن الإنسان بسبب الخطيئة الأصلية قد فقد إرادته الحرة. يجادل لوثر بأن الإنسان في حالته الطبيعية عبد للخطيئة والشيطان، وأنه لا يستطيع أن يفعل أي شيء يرضي الله. يرى لوثر أن كل أفعال الإنسان، حتى تلك التي تبدو جيدة، هي في الواقع ملوثة بالخطيئة.
ثم ينتقل لوثر إلى مناقشة مفهوم النعمة الإلهية. يرى لوثر أن النعمة هي هبة مجانية من الله، وأن الله يمنح هذه النعمة للذين يختارهم، وليس بسبب أي استحقاق من جانبهم. يجادل لوثر بأن الخلاص هو عمل الله وحده، وأن الإنسان لا يستطيع أن يساهم فيه بأي شكل من الأشكال.
يستعرض لوثر حجج إيراسموس ويرد عليها بالتفصيل. ينتقد لوثر طريقة إيراسموس في تفسير الكتاب المقدس، ويجادل بأن إيراسموس يسيء فهم طبيعة الإنسان وعلاقة الله به. يرى لوثر أن إيراسموس يقلل من أهمية الخطيئة الأصلية ومن قوة النعمة الإلهية.
يؤكد لوثر أن الإيمان بالمسيح هو السبيل الوحيد للخلاص. يرى لوثر أن الإيمان هو هبة من الله، وأن الله يمنح هذا الإيمان للذين يختارهم. يجادل لوثر بأن الإيمان يغير طبيعة الإنسان ويجعله قادرًا على فعل الخير، ولكن حتى هذه الأفعال الصالحة هي نتيجة لعمل الله في الإنسان وليست نتيجة لإرادة الإنسان الحرة.
يناقش لوثر أيضًا قضية القضاء والقدر. يرى لوثر أن الله قد قضى مسبقًا بمصير كل إنسان، وأن هذا القضاء لا يمكن تغييره. يجادل لوثر بأن هذا القضاء لا يعني أن الإنسان ليس مسؤولاً عن أفعاله، ولكن يعني أن الله هو المسيطر على كل شيء، وأن كل شيء يحدث وفقًا لخطته.
أهم الأفكار في الكتاب
- الخطيئة الأصلية: يؤكد لوثر على أن الخطيئة الأصلية قد أفسدت طبيعة الإنسان وجعلته عبدًا للخطيئة.
- النعمة الإلهية: يرى لوثر أن النعمة هي هبة مجانية من الله، وأن الخلاص هو عمل الله وحده.
- الإيمان بالمسيح: يؤكد لوثر على أن الإيمان بالمسيح هو السبيل الوحيد للخلاص.
- القضاء والقدر: يناقش لوثر قضية القضاء والقدر، ويؤكد على أن الله هو المسيطر على كل شيء.
- إنكار حرية الإرادة: يرفض لوثر فكرة أن الإنسان يملك إرادة حرة حقيقية، ويؤكد على أن الإنسان عبد للخطيئة أو عبد لله.
تأثير الكتاب
كان لكتاب “إرادة العبد” تأثير كبير على الفكر اللاهوتي المسيحي. أثر الكتاب بشكل خاص على حركة الإصلاح البروتستانتي، وساعد على تحديد ملامح اللاهوت اللوثري والكالفيني. يعتبر الكتاب حتى اليوم مرجعًا هامًا في دراسة اللاهوت المسيحي.
أثار الكتاب أيضًا جدلاً واسعًا بين اللاهوتيين والفلاسفة. انتقد العديد من المفكرين أفكار لوثر حول الجبرية وإنكار حرية الإرادة، بينما دافع عنها آخرون. لا يزال هذا الجدل مستمرًا حتى اليوم.
ردود الفعل على الكتاب
تلقى كتاب “إرادة العبد” ردود فعل متباينة. أشاد به بعض اللاهوتيين البروتستانت، واعتبروه دفاعًا قويًا عن الإيمان المسيحي. انتقد الكتاب بشدة من قبل اللاهوتيين الكاثوليك، الذين رأوا فيه هجومًا على العقيدة الكاثوليكية.
كما أثار الكتاب جدلاً داخل الحركة البروتستانتية نفسها. اختلف بعض البروتستانت مع لوثر حول قضية الجبرية، وفضلوا وجهة نظر أكثر اعتدالًا حول حرية الإرادة.
أهمية الكتاب اليوم
لا يزال كتاب “إرادة العبد” يحمل أهمية كبيرة اليوم. يساعد الكتاب على فهم وجهة نظر لوثر حول طبيعة الإنسان وعلاقته بالله. كما يساعد على فهم الجدل اللاهوتي حول قضية الإرادة الحرة، وهو جدل لا يزال مستمرًا حتى اليوم.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للكتاب أن يساعدنا على التفكير في قضايا فلسفية أساسية، مثل طبيعة الحرية والمسؤولية، وعلاقة الإنسان بالعالم.
الاقتباسات الرئيسية
- “الإرادة الحرة هي مجرد لقب، ولا توجد إرادة حرة حقيقية.”
- “الإنسان عبد للخطيئة أو عبد لله، ولا يوجد خيار ثالث.”
- “الخلاص هو عمل الله وحده، والإنسان لا يستطيع أن يساهم فيه بأي شكل من الأشكال.”
- “الإيمان هو هبة من الله، والله يمنح هذا الإيمان للذين يختارهم.”
- “الله قد قضى مسبقًا بمصير كل إنسان، وهذا القضاء لا يمكن تغييره.”
خاتمة
إرادة العبد هو عمل لاهوتي وفلسفي عميق يتناول قضية الإرادة الحرة والخلاص. يقدم لوثر في هذا الكتاب وجهة نظر قوية حول طبيعة الإنسان وعلاقته بالله، ويؤكد على أن الإنسان بسبب الخطيئة الأصلية قد فقد إرادته الحرة وأصبح عبدًا للخطيئة، وأنه لا يستطيع أن يفعل الخير إلا بنعمة الله. أثار الكتاب جدلاً واسعًا ولا يزال يحمل أهمية كبيرة اليوم في دراسة اللاهوت والفلسفة.