نشأته وتعليمه
ولد الحاخام فايدنفيلد في مدينة بوتشاتش (Buczacz) في غاليسيا، التي كانت جزءًا من الإمبراطورية النمساوية المجرية (حالياً أوكرانيا). تلقى تعليمه الأولي في مسقط رأسه، ثم التحق بمدرسة يشيفا (مدرسة دينية يهودية) في مدن مختلفة، بما في ذلك ليمبرغ (Lemberg)، ولاحقًا في يشيفا نوفوهاردوك (Navahrudak)، التي كانت تحت قيادة الحاخام يوسف يوزيل هورفيتز. تأثر فايدنفيلد بشكل كبير بأساتذته، وخاصة الحاخام شموئيل روزوفسكي، الذي كان له تأثير كبير على فكره الديني.
كان فايدنفيلد طالبًا مجتهدًا ومتميزًا، وسرعان ما اكتسب سمعة طيبة بذكائه وفهمه العميق للتوراة والتلمود. كان معروفًا بقدرته على استيعاب المعلومات المعقدة وتحليلها، وقدرته على إيجاد حلول إبداعية للمسائل القانونية الدينية. بالإضافة إلى دراسته الدينية، كان لديه معرفة واسعة بالعلوم الأخرى، بما في ذلك الرياضيات والفلك.
الحاخام الأكبر لتريبينيا
في عام 1905، في سن الرابعة والعشرين، تم تعيين فايدنفيلد حاخامًا لمدينة تريبينيا، وهي بلدة صغيرة في بولندا. في ذلك الوقت، كان هذا المنصب يعتبر منصبًا مرموقًا. تولى فايدنفيلد مسؤولياته الجديدة بحماس وتفانٍ. كان يكرس وقته لتعليم الناس وتوجيههم، وتقديم المساعدة للمحتاجين، والعمل على تعزيز الوحدة في المجتمع اليهودي.
خلال فترة توليه منصب الحاخام الأكبر، أثبت فايدنفيلد أنه قائد قوي وفعال. كان قادرًا على التعامل مع مجموعة واسعة من القضايا، من المسائل الدينية إلى القضايا الاجتماعية والاقتصادية. كان معروفًا بعدالته وحكمته، وكان يحظى باحترام كبير من قبل جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن خلفياتهم أو آرائهم.
أثناء وجوده في تريبينيا، أسس فايدنفيلد يشيفا خاصة به، والتي أصبحت مركزًا للتعلم اليهودي في المنطقة. اجتذبت يشيفا طلابًا من جميع أنحاء أوروبا، وأنتجت جيلًا من العلماء والقادة الذين أثروا في العالم اليهودي. كان فايدنفيلد مدرسًا بارعًا، وكان معروفًا بقدرته على تبسيط المفاهيم المعقدة وجعلها في متناول طلابه.
الحرب العالمية الثانية والنازحون
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، تغيرت حياة فايدنفيلد وعائلته بشكل مأساوي. احتلت ألمانيا النازية بولندا، وبدأ اليهود في مواجهة الاضطهاد والتمييز. في عام 1942، تم ترحيل معظم يهود تريبينيا إلى معسكرات الإبادة. تمكن فايدنفيلد من الاختباء في البداية، لكنه في النهاية تم أسره ونقله إلى معسكر اعتقال.
بأعجوبة، نجا فايدنفيلد من المحرقة. بعد تحرير معسكر الاعتقال، أمضى بعض الوقت في معسكر للاجئين في ألمانيا. خلال هذه الفترة، عمل بجد لمساعدة الناجين الآخرين، وتوفير الطعام والملابس والمأوى لهم. كما سعى إلى الحفاظ على التقاليد اليهودية، من خلال إقامة الصلوات وتقديم الدروس الدينية.
الحياة في إسرائيل
في عام 1947، هاجر فايدنفيلد إلى إسرائيل. استقر في تل أبيب، حيث واصل عمله كقائد ديني ومعلم. أسس يشيفا جديدة، والتي أصبحت مركزًا للتعلم اليهودي في المدينة. واصل كتابة أعماله الفقهية، التي لا تزال تحظى بتقدير كبير حتى اليوم.
في إسرائيل، لعب فايدنفيلد دورًا مهمًا في إعادة بناء المجتمع اليهودي بعد المحرقة. عمل على مساعدة الناجين على التعافي من الصدمات التي تعرضوا لها، وتوفير الدعم لهم في بناء حياة جديدة. كما عمل على تعزيز الوحدة في المجتمع اليهودي، وتشجيع الحوار بين مختلف الجماعات اليهودية.
كان فايدنفيلد شخصية محترمة وموثوقة في إسرائيل. كان يُطلب رأيه في مجموعة واسعة من القضايا الدينية والسياسية. كان معروفًا بحكمته وبصيرته، وكان يحظى باحترام كبير من قبل الجميع.
أعماله وكتاباته
ترك فايدنفيلد وراءه إرثًا من الكتابات التي لا تزال تدرس حتى اليوم. كان مؤلفًا غزير الإنتاج، وكتب العديد من الكتب والمقالات حول مجموعة واسعة من الموضوعات الدينية. تشمل أعماله البارزة:
- شيلت ليدود: سلسلة من المجلدات التي تناقش القضايا الفقهية اليهودية.
- سيفا دي ديفوشا: عمل فلسفي يناقش العلاقة بين الإنسان والله.
- إيجريوت يشيم: مجموعة من الرسائل التي كتبها إلى الأفراد والمجتمعات.
تميزت كتابات فايدنفيلد بالعمق والوضوح، وتغطي مجموعة واسعة من القضايا الدينية. كان معروفًا بقدرته على الجمع بين التعمق في الدراسة والقدرة على تطبيق المبادئ الدينية على الحياة اليومية. لا تزال أعماله تُقرأ وتُدرس على نطاق واسع في الدوائر اليهودية الأرثوذكسية.
إرثه
ترك الحاخام دوف بيريش فايدنفيلد إرثًا دائمًا. كان قائدًا دينيًا بارزًا، ومعلمًا متميزًا، ومفكرًا عميقًا. عمل بلا كلل لتعزيز التعلم اليهودي والحفاظ على التقاليد اليهودية. كان أيضًا رمزًا للأمل والصمود في مواجهة المحنة. لا يزال إرثه يلهم الناس في جميع أنحاء العالم.
تم تكريمه بعدة طرق، بما في ذلك تسمية الشوارع والمدارس الدينية باسمه. يعتبر مثالًا على التفاني في خدمة الله والناس. لا تزال أفكاره وكتاباته تدرس حتى اليوم، ولا يزال يتم تذكره كأحد أهم القادة الدينيين في القرن العشرين.
الحياة الشخصية والعائلة
تزوج الحاخام فايدنفيلد من راشيل، وأنجبا العديد من الأطفال. عانت عائلته أيضًا خلال المحرقة، لكنهم تمكنوا في النهاية من الهجرة إلى إسرائيل. كان لفايدنفيلد أحفاد وأحفاد أحفاد، الذين يواصلون الحفاظ على إرثه وتعليمه.
السنوات الأخيرة والوفاة
أمضى الحاخام فايدنفيلد سنواته الأخيرة في تل أبيب، حيث استمر في التدريس والكتابة. توفي في عام 1965 عن عمر يناهز 84 عامًا. دفن في القدس، وتعتبر مقبرته مكانًا للحج للعديد من الأشخاص الذين سعوا لتقديم الاحترام لذكراه. كان موته خسارة كبيرة للعالم اليهودي، لكن إرثه لا يزال حيًا.
خاتمة
كان الحاخام دوف بيريش فايدنفيلد شخصية بارزة في اليهودية الأرثوذكسية في القرن العشرين. عمل كحاخام في تريبينيا، وبقيادته وشخصيته، كان له تأثير كبير على المجتمع اليهودي في تلك المنطقة. نجى من المحرقة، وعمل على مساعدة الناجين وبناء حياة جديدة في إسرائيل. كان عالمًا متمرسًا ومفكرًا عميقًا، وترك إرثًا دائمًا من التعلم والقيادة. لا تزال كتاباته وأعماله تدرس على نطاق واسع، ولا يزال يُذكر كأحد القادة الروحيين الأكثر تأثيرًا في عصره.
المراجع
“`