تاريخ علم الشكل في الفلكلور
يعود الفضل في تأسيس علم الشكل في الفلكلور إلى عالم الفلكلور الروسي فلاديمير بروب (Vladimir Propp)، الذي نشر كتابه الرائد “مورفولوجيا الحكاية الخرافية” (Morphology of the Folktale) عام 1928. في هذا الكتاب، قام بروب بتحليل مجموعة كبيرة من الحكايات الخرافية الروسية، وحدد 31 وظيفة أساسية تتكرر في هذه القصص. أظهر بروب أن هذه الوظائف ليست مجرد سلسلة عشوائية من الأحداث، بل تتبع نمطًا معينًا، وتشكل نظامًا بنيويًا يمكن من خلاله فهم كيفية بناء الحكايات الخرافية.
بناءً على عمل بروب، طور علماء آخرون نظرياتهم في علم الشكل. على سبيل المثال، قام كلود ليفي ستروس (Claude Lévi-Strauss) بتطبيق مبادئ علم الشكل على دراسة الأساطير، بينما قام جوزيف كامبل (Joseph Campbell) بتوسيع أفكار بروب ليقدم نظرية “رحلة البطل” (The Hero’s Journey) التي تحلل الأنماط المتكررة في الأساطير والحكايات الخرافية من مختلف الثقافات.
المفاهيم الأساسية في علم الشكل
يعتمد علم الشكل في الفلكلور على عدد من المفاهيم الأساسية:
- الوظيفة (Function): الوظيفة هي الفعل الذي يقوم به شخصية ما، ويؤثر على مسار القصة. يمثل بروب 31 وظيفة أساسية مثل “المنع” أو “الرحيل” أو “الحصول على أداة سحرية”.
- الشخصية (Character): الشخصية هي العنصر الفاعل في القصة، والذي يقوم بالوظائف. يمكن أن تكون الشخصيات بشرًا، أو حيوانات، أو قوى خارقة.
- المجال (Sphere): المجال هو مجموعة من الشخصيات التي تقوم بوظائف مماثلة. على سبيل المثال، يمكن أن يشمل مجال “العدو” شخصيات مختلفة مثل التنين أو الساحرة أو الملك الشرير.
- السلسلة (Sequence): السلسلة هي ترتيب الوظائف في القصة. يرى بروب أن الحكايات الخرافية تتبع سلسلة معينة من الوظائف، على الرغم من أن بعض الوظائف قد تكون غائبة أو تظهر بترتيب مختلف.
تحليل الحكايات الخرافية باستخدام علم الشكل
عند تحليل حكاية خرافية باستخدام علم الشكل، يقوم الباحث بالخطوات التالية:
- تحديد الوظائف: تحديد الوظائف الأساسية التي تظهر في القصة، وتحديد أي من الـ 31 وظيفة التي حددها بروب تظهر.
- تحديد الشخصيات: تحديد الشخصيات التي تقوم بالوظائف، وتحديد المجالات التي تنتمي إليها هذه الشخصيات.
- تحديد السلسلة: تحديد ترتيب الوظائف في القصة، ومقارنتها بالأنماط التي حددها بروب.
- تحديد العناصر المتغيرة والثابتة: تحديد العناصر التي تتغير من قصة إلى أخرى (مثل الأسماء والأماكن) والعناصر التي تبقى ثابتة (مثل الوظائف).
- تحليل المعنى: بناءً على تحليل الوظائف والشخصيات والسلاسل، يقوم الباحث بتحليل المعنى الكامن وراء القصة، وفهم الرسائل التي تنقلها.
على سبيل المثال، يمكن تحليل قصة “سندريلا” باستخدام علم الشكل. يمكن تحديد وظائف مثل “المنع” (منع سندريلا من الذهاب إلى الحفل)، و “المغادرة” (رحيل سندريلا إلى الحفل)، و “الحصول على أداة سحرية” (الحصول على الفستان والحذاء من العرابة)، و “التعرف” (تعرف الأمير على سندريلا). يمكن تحديد الشخصيات مثل “الزوجة الشريرة” (التي تمنع سندريلا) و “العربة السحرية” (الأداة السحرية). يمكن تتبع السلسلة التي تتبعها الأحداث. من خلال هذا التحليل، يمكن فهم أن قصة “سندريلا” تتناول موضوعات مثل الظلم والانتصار والتحول.
أهمية علم الشكل في الفلكلور
لعلم الشكل أهمية كبيرة في دراسة الفلكلور. فهو يساعد على:
- فهم البنية الأساسية للقصص الشعبية: من خلال تحليل الوظائف والشخصيات والسلاسل، يمكن للباحثين فهم كيفية بناء القصص الشعبية، وكيفية تفاعلها.
- تحديد الأنماط المتكررة: يساعد علم الشكل في تحديد الأنماط المتكررة في القصص الشعبية من مختلف الثقافات، مما يمكن من فهم طبيعة القصص العالمية.
- تتبع تطور القصص: يساعد علم الشكل في تتبع تطور القصص عبر الزمن والثقافات، وتحديد كيفية تغيرها وتكيفها.
- فهم المعنى العميق للقصص: من خلال تحليل البنية، يمكن للباحثين فهم المعنى العميق للقصص الشعبية، وكيفية ارتباطها بالثقافة والقيم.
- المقارنة بين القصص: يسمح علم الشكل بمقارنة القصص المختلفة من حيث البنية، مما يساعد في تحديد أوجه التشابه والاختلاف، وفهم العلاقات بين القصص المختلفة.
تطبيقات علم الشكل
يستخدم علم الشكل في مجموعة متنوعة من المجالات:
- دراسات الفلكلور: هو الأساس في دراسة القصص الشعبية، والحكايات الخرافية، والأساطير.
- الأنثروبولوجيا: يستخدم لفهم الثقافة والقيم التي تعكسها القصص الشعبية.
- علم اللغة: يستخدم في تحليل السرد، وفهم كيفية بناء اللغة للقصص.
- الأدب المقارن: يستخدم في مقارنة الأدب من مختلف الثقافات.
- تحليل الأفلام: يستخدم لتحليل الأفلام، وتحديد الأنماط السردية.
- التسويق والإعلان: يستخدم في فهم القصص التي تثير اهتمام الجمهور، وبناء الحملات الإعلانية الفعالة.
نقد علم الشكل
على الرغم من أهميته، إلا أن علم الشكل واجه بعض الانتقادات:
- التركيز على البنية: يركز علم الشكل بشكل كبير على البنية، وقد يغفل عن جوانب أخرى مهمة في القصص، مثل السياق الثقافي والتعبير الفني.
- التبسيط: قد يرى البعض أن علم الشكل يبسط القصص بشكل مفرط، ويقلل من تعقيدها.
- العمومية: قد يكون من الصعب تطبيق علم الشكل على جميع أنواع القصص الشعبية، وخاصة تلك التي تختلف بشكل كبير عن الحكايات الخرافية.
- الإغفال عن المعنى: قد يركز علم الشكل على الوظائف والبنية، دون أن يولي اهتمامًا كافيًا للمعنى والرمزية.
على الرغم من هذه الانتقادات، يظل علم الشكل أداة قيمة في دراسة الفلكلور، ويساهم في فهمنا للقصص الشعبية وتطورها.
التطورات الحديثة في علم الشكل
شهد علم الشكل تطورات حديثة تسعى إلى معالجة بعض الانتقادات الموجهة إليه. ومن بين هذه التطورات:
- دمج علم الشكل مع مناهج أخرى: يسعى الباحثون إلى دمج علم الشكل مع مناهج أخرى مثل التحليل النفسي، والنقد الثقافي، لفهم القصص بشكل أكثر شمولًا.
- التركيز على السياق الثقافي: يولي الباحثون اهتمامًا أكبر بالسياق الثقافي للقصص، وكيف يؤثر على معناها وتفسيرها.
- توسيع نطاق البحث: يتم تطبيق علم الشكل على أنواع جديدة من القصص الشعبية، مثل القصص الحضارية، والأساطير الحديثة.
- استخدام التكنولوجيا: يتم استخدام التكنولوجيا في تحليل القصص، مثل استخدام برامج الحاسوب لتحليل الوظائف والشخصيات.
تساهم هذه التطورات في تعزيز علم الشكل، وجعله أداة أكثر فعالية لفهم القصص الشعبية في العصر الحديث.
خاتمة
علم الشكل في الفلكلور هو مجال دراسي هام يركز على تحليل بنية وتكوين القصص الشعبية، وخاصة الحكايات الخرافية. من خلال تحديد الوظائف الأساسية، والشخصيات، والسلاسل، يمكن للباحثين فهم كيفية بناء القصص، وكيفية تطورها عبر الثقافات المختلفة. على الرغم من بعض الانتقادات، يظل علم الشكل أداة قيمة لفهم القصص الشعبية، وتتبع أصولها وتطورها التاريخي. ساهم عمل فلاديمير بروب في تأسيس هذا المجال، وقد تطور على مر السنين ليشمل مناهج متنوعة ويأخذ في الاعتبار السياقات الثقافية المختلفة. يهدف علم الشكل إلى كشف الأنماط المتكررة والمعاني العميقة الكامنة وراء هذه القصص، مما يساهم في فهمنا للإرث الثقافي الإنساني.