الحياة المبكرة والتعليم
ولدت هيلغا نوتني في فيينا، النمسا. حصلت على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة فيينا عام 1967. خلال دراستها، تأثرت بشكل كبير بالعديد من المفكرين، بما في ذلك يورغن هابرماس وتيودور أدورنو، اللذين شكلا نظرتها إلى العلاقة بين العلم والمجتمع.
المسيرة المهنية
بدأت نوتني مسيرتها المهنية كباحثة في جامعة فيينا. في عام 1973، انتقلت إلى جامعة ييل، حيث عملت كأستاذة زائرة. بعد ذلك، شغلت مناصب أكاديمية في جامعات مختلفة، بما في ذلك جامعة كامبريدج وجامعة بيليفيلد. في عام 1986، انضمت إلى المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ (ETH Zurich)، حيث أسست ورأست قسم دراسات العلوم والتكنولوجيا. خلال فترة عملها في ETH Zurich، قامت بتوجيه العديد من الطلاب والباحثين، وأسهمت بشكل كبير في تطوير هذا المجال.
المساهمات الفكرية
تعتبر نوتني من أبرز العلماء في مجال دراسات العلوم والتكنولوجيا. تركز أبحاثها على العلاقة بين العلم والمجتمع، وكيف تؤثر العوامل الاجتماعية والسياسية على إنتاج المعرفة العلمية وتوظيفها. أحد أهم مساهماتها هو تطوير مفهوم “العلوم المجتمعية” (Societal Science)، الذي يؤكد على أهمية مشاركة المجتمع في تحديد أولويات البحث العلمي وتوجيه مساره. هذا المفهوم يشجع على الشفافية والمساءلة في العلم، ويدعو إلى إشراك المواطنين في صنع القرارات العلمية.
قامت نوتني أيضًا بدراسة الحوكمة العلمية، وهي الآليات التي يتم من خلالها تنظيم وتقييم الأنشطة العلمية. وقد دعت إلى ضرورة وجود آليات حوكمة قوية لضمان أن العلم يخدم المصلحة العامة، وأن يتم التعامل مع المخاطر والفرص التي تنطوي عليها التكنولوجيا الجديدة بشكل مسؤول. كما اهتمت نوتني بدراسة العلاقة بين العلم والابتكار، وكيف يمكن للسياسات العامة أن تدعم الابتكار وتعزز التنمية الاقتصادية.
المناصب القيادية
بالإضافة إلى مساهماتها الفكرية، شغلت نوتني العديد من المناصب القيادية التي ساعدتها في التأثير على السياسات العلمية على المستويين الأوروبي والدولي. من أبرز هذه المناصب:
- رئيسة المجلس الأوروبي للبحوث (ERC) من 2010 إلى 2013. خلال فترة رئاستها، لعبت دورًا حاسمًا في تطوير برنامج ERC، الذي يدعم البحوث الأساسية عالية الجودة في جميع المجالات العلمية.
- عضوة في العديد من اللجان والمجالس الاستشارية، بما في ذلك مجلس العلوم والتكنولوجيا التابع للاتحاد الأوروبي.
- عضوة في العديد من الأكاديميات العلمية المرموقة، مثل الأكاديمية النمساوية للعلوم والأكاديمية الأوروبية للعلوم.
من خلال هذه المناصب، ساهمت نوتني في تشكيل السياسات العلمية في أوروبا، ودعمت البحث العلمي المتميز، وعززت التعاون العلمي الدولي.
الجوائز والتكريمات
تقديرًا لمساهماتها في مجال دراسات العلوم والتكنولوجيا والحوكمة العلمية، حصلت نوتني على العديد من الجوائز والتكريمات المرموقة. تشمل هذه الجوائز:
- جائزة جون ديزموند برنال (John Desmond Bernal Prize) من جمعية دراسات العلوم (Society for Social Studies of Science).
- دكتوراه فخرية من جامعات مختلفة، بما في ذلك جامعة لوند وجامعة أوسلو.
- وسام الاستحقاق النمساوي للعلوم والفنون.
تعكس هذه الجوائز التقدير الكبير الذي تحظى به نوتني في المجتمع العلمي، وتبرز أهمية عملها في فهم العلاقة المعقدة بين العلم والمجتمع.
أعمالها المنشورة
كتبت هيلغا نوتني وحررت العديد من الكتب والمقالات العلمية التي نشرت في مجلات مرموقة. من أبرز أعمالها:
- The Authority of Science: The Science of Authority (1990): يستكشف هذا الكتاب العلاقة بين العلم والسلطة، وكيف يتم استخدام العلم لتبرير القرارات السياسية والاجتماعية.
- Post-Academic Science: The Science of Research (1994): يحلل هذا الكتاب التغيرات التي طرأت على العلم في العصر الحديث، بما في ذلك صعود البحث التطبيقي والتنافس المتزايد على التمويل.
- Re-Thinking Science: Knowledge and the Public in an Age of Uncertainty (2000): يستكشف هذا الكتاب دور الجمهور في صنع المعرفة العلمية، وكيف يمكن للعلماء والمواطنين العمل معًا لمواجهة التحديات العلمية والاجتماعية.
- The Public Value of Science (2005): يركز هذا الكتاب على أهمية العلم للمجتمع، وكيف يمكن للعلم أن يساهم في حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية.
تعتبر أعمال نوتني مرجعًا أساسيًا للباحثين والطلاب المهتمين بفهم العلاقة بين العلم والمجتمع. كما أنها تلقي الضوء على أهمية العلم في عالم اليوم، وتدعو إلى تعزيز الحوار بين العلماء والمواطنين.
التأثير والإرث
لقد تركت هيلغا نوتني بصمة واضحة في مجال دراسات العلوم والتكنولوجيا. لقد ساعدت في تشكيل هذا المجال، وقدمت مساهمات فكرية هامة، وشغلت مناصب قيادية أثرت على السياسات العلمية. يتمثل إرثها في:
- دعمها للعلم المجتمعي: من خلال التأكيد على أهمية إشراك المجتمع في عملية صنع القرار العلمي، ساهمت نوتني في تعزيز الشفافية والمساءلة في العلم.
- دراساتها للحوكمة العلمية: من خلال دراسة آليات الحوكمة العلمية، قدمت نوتني رؤى قيمة حول كيفية تنظيم وتقييم الأنشطة العلمية لخدمة المصلحة العامة.
- قيادتها في المجلس الأوروبي للبحوث: خلال فترة رئاستها للمجلس الأوروبي للبحوث، ساهمت نوتني في دعم البحث العلمي المتميز في جميع المجالات العلمية.
إن عمل هيلغا نوتني لا يزال يؤثر على الباحثين والسياسيين والمواطنين في جميع أنحاء العالم. فهي تلهمنا للتفكير بشكل نقدي في دور العلم في المجتمع، وكيف يمكننا العمل معًا لبناء مستقبل أفضل.
التحديات المستقبلية
في عالم اليوم، يواجه العلم تحديات متزايدة. تشمل هذه التحديات:
- التشكيك في العلم: يواجه العلم تحديًا متزايدًا من قبل الحركات الشعبوية والمجموعات التي تشكك في مصداقية العلم والخبراء.
- التمويل العلمي: يواجه التمويل العلمي ضغوطًا متزايدة، مما يهدد قدرة العلماء على إجراء البحوث الأساسية.
- القضايا الأخلاقية: تثير التطورات العلمية والتكنولوجية السريعة قضايا أخلاقية معقدة، مثل الذكاء الاصطناعي وتعديل الجينات.
في مواجهة هذه التحديات، من الضروري أن يستمر العلماء والمجتمع في العمل معًا لتعزيز الثقة في العلم، ودعم البحث العلمي، ومعالجة القضايا الأخلاقية الناشئة. يجب أن نواصل أيضًا تطوير آليات حوكمة علمية قوية لضمان أن العلم يخدم المصلحة العامة.
خاتمة
تعتبر هيلغا نوتني شخصية بارزة في مجال دراسات العلوم والتكنولوجيا، حيث قدمت مساهمات فكرية قيمة، وشغلت مناصب قيادية مؤثرة. من خلال عملها، ساعدت في تشكيل هذا المجال، ودعمت البحث العلمي المتميز، وعززت التعاون العلمي الدولي. لا يزال إرثها يؤثر على الباحثين والسياسيين والمواطنين في جميع أنحاء العالم، وهي تلهمنا للتفكير بشكل نقدي في دور العلم في المجتمع وبناء مستقبل أفضل.
المراجع
- Wikipedia: Helga Nowotny
- European Research Council: Governing Body
- ETH Zurich: Former Professors
- Goodreads: Helga Nowotny
“`