أصول تصميم من المهد إلى المهد
ظهر مفهوم تصميم من المهد إلى المهد في أواخر التسعينيات، وصاغه الكيميائي مايكل برونغارت والمهندس المعماري ويليام ماكدونو. في كتابهما المشترك، “من المهد إلى المهد: إعادة تصميم الطريقة التي نصنع بها الأشياء” (2002)، قدموا رؤية شاملة لكيفية تصميم المنتجات والعمليات الصناعية بشكل إيجابي، وليس مجرد تقليل الأثر السلبي. لقد تحدوا فكرة “التقليل من الضرر” (مثل إعادة التدوير) وطرحوا فكرة “الإنتاجية الإيكولوجية” التي تسعى إلى إنشاء نظام صحي ومستدام.
المبادئ الأساسية لتصميم من المهد إلى المهد
يقوم تصميم من المهد إلى المهد على مجموعة من المبادئ الأساسية التي توجه عملية التصميم والإنتاج. هذه المبادئ تشمل:
- إهدار يساوي الغذاء: تعني هذه الفكرة أن كل مادة تدخل في عملية الإنتاج يجب أن تكون مصممة إما للعودة بأمان إلى البيئة (الدورة البيولوجية) أو لإعادة تدويرها واستخدامها مرة أخرى في الصناعة (الدورة التقنية).
- استخدام الطاقة المتجددة: استخدام مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لتشغيل العمليات الصناعية، والحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
- الاحتفال بالتنوع: تصميم المنتجات التي تحترم التنوع البيولوجي والتنوع الاجتماعي، وتجنب استخدام المواد السامة التي يمكن أن تضر بصحة الإنسان والبيئة.
- الاستخدام الفعال للمياه: تصميم العمليات الصناعية التي تقلل من استهلاك المياه وتضمن نظافة المياه وإعادة تدويرها.
الدورات البيولوجية والتقنية
يستند تصميم من المهد إلى المهد إلى مفهومين رئيسيين للدورات:
- الدورة البيولوجية: تتعلق بالمواد التي يمكنها العودة بأمان إلى البيئة، مثل المواد العضوية القابلة للتحلل. يمكن لهذه المواد أن تتحلل وتعود إلى التربة كسماد، مما يغذي الطبيعة ويحافظ على التوازن البيئي.
- الدورة التقنية: تتعلق بالمواد التي يمكن إعادة تدويرها واستخدامها في منتجات جديدة، مثل المعادن والبلاستيك. يجب تصميم هذه المواد لتكون قابلة لإعادة التدوير بسهولة، مما يقلل من الحاجة إلى استخراج مواد خام جديدة ويقلل من النفايات.
فوائد تصميم من المهد إلى المهد
يوفر تصميم من المهد إلى المهد العديد من الفوائد، منها:
- الاستدامة البيئية: من خلال تقليل النفايات، والحد من التلوث، والحفاظ على الموارد الطبيعية، يساهم تصميم من المهد إلى المهد في تحقيق الاستدامة البيئية.
- الصحة والسلامة: يركز هذا التصميم على استخدام مواد آمنة وصحية، مما يحمي صحة الإنسان والبيئة.
- الابتكار: يشجع تصميم من المهد إلى المهد على الابتكار في التصميم والإنتاج، مما يؤدي إلى تطوير منتجات جديدة ومستدامة.
- الاقتصاد الدائري: يساعد على التحول إلى الاقتصاد الدائري، حيث يتم إعادة استخدام المواد والمنتجات في دورات مستمرة.
تطبيقات تصميم من المهد إلى المهد
يمكن تطبيق تصميم من المهد إلى المهد في مجموعة واسعة من الصناعات والمنتجات، بما في ذلك:
- المنتجات الاستهلاكية: تصميم الملابس والأثاث والأجهزة الإلكترونية وغيرها من المنتجات التي يمكن إعادة تدويرها أو تحللها بيولوجيًا.
- البناء: استخدام مواد بناء صديقة للبيئة، مثل الخشب المعاد تدويره والخرسانة الخضراء، وتصميم المباني التي تستخدم الطاقة المتجددة والمياه بكفاءة.
- التعبئة والتغليف: تصميم عبوات قابلة لإعادة التدوير أو التحلل، والحد من استخدام المواد البلاستيكية.
- الزراعة: تطبيق مبادئ تصميم من المهد إلى المهد في الزراعة العضوية، واستخدام الأسمدة الطبيعية، والحفاظ على التربة.
التحديات التي تواجه تصميم من المهد إلى المهد
على الرغم من فوائده العديدة، يواجه تصميم من المهد إلى المهد بعض التحديات، منها:
- التكلفة: قد تكون تكلفة إنتاج المنتجات المصممة وفقًا لمبادئ من المهد إلى المهد أعلى من المنتجات التقليدية، على الأقل في البداية.
- التوافر: قد يكون العثور على المواد المناسبة والتقنيات اللازمة لتصميم من المهد إلى المهد أمرًا صعبًا في بعض الأحيان.
- التعقيد: يتطلب تصميم من المهد إلى المهد فهمًا عميقًا لعمليات الإنتاج والمواد والبيئة، مما قد يجعل العملية معقدة.
- التغيير الثقافي: يتطلب الانتقال إلى تصميم من المهد إلى المهد تغييرًا في عادات المستهلكين وسلوكياتهم.
أمثلة على تصميم من المهد إلى المهد
هناك العديد من الأمثلة على الشركات والمنتجات التي تتبنى مبادئ تصميم من المهد إلى المهد:
- باتاغونيا (Patagonia): علامة تجارية للملابس الرياضية في الهواء الطلق، تستخدم مواد معاد تدويرها، وتدعم إعادة تدوير منتجاتها القديمة.
- إكستشينج (Ecover): شركة منتجة لمنظفات صديقة للبيئة، تستخدم عبوات قابلة لإعادة التدوير وتدعم مبادئ الدورة البيولوجية.
- نظام شهادة من المهد إلى المهد: يقدم معيارًا للمنتجات التي تم تصميمها وتصنيعها وفقًا لمبادئ من المهد إلى المهد، ويمنح شهادات للمنتجات التي تفي بالمتطلبات.
الفرق بين تصميم من المهد إلى المهد وإعادة التدوير
غالبًا ما يتم الخلط بين تصميم من المهد إلى المهد وإعادة التدوير، لكن هناك اختلافات جوهرية بينهما:
- إعادة التدوير: هي عملية تحويل النفايات إلى مواد جديدة، وغالبًا ما تتضمن عملية تقليل أو تدهور لجودة المواد.
- تصميم من المهد إلى المهد: يركز على تصميم المنتجات بحيث يمكن إعادة استخدام موادها بشكل كامل، دون فقدان الجودة، إما في الدورة البيولوجية أو الدورة التقنية.
بمعنى آخر، تهدف إعادة التدوير إلى “تقليل الضرر”، بينما يهدف تصميم من المهد إلى المهد إلى “الإنتاجية الإيكولوجية”.
دور الحكومات والمجتمع
تلعب الحكومات والمجتمع دورًا حاسمًا في دعم وتوسيع نطاق تصميم من المهد إلى المهد:
- الحكومات: يمكن للحكومات أن تدعم تصميم من المهد إلى المهد من خلال وضع السياسات واللوائح التي تشجع على الاستدامة، وتقديم الحوافز للشركات التي تتبنى هذا التصميم، والاستثمار في البحث والتطوير في مجال المواد المستدامة.
- المجتمع: يمكن للمجتمع أن يدعم تصميم من المهد إلى المهد من خلال زيادة الوعي بأهميته، وشراء المنتجات المستدامة، والمطالبة بالمزيد من الشفافية والمساءلة من الشركات.
مستقبل تصميم من المهد إلى المهد
يبدو مستقبل تصميم من المهد إلى المهد واعدًا، مع تزايد الوعي بأهمية الاستدامة والحاجة إلى التحول إلى اقتصاد دائري. من المتوقع أن يستمر هذا التصميم في النمو والتطور، مع ظهور المزيد من المنتجات والتقنيات المبتكرة التي تتبنى مبادئه. سيشهد هذا التصميم زيادة في الطلب على المواد المستدامة، وتطوير المزيد من المعايير والشهادات، وتعاونًا أكبر بين الشركات والحكومات والمجتمع.
خاتمة
تصميم من المهد إلى المهد يمثل تحولًا جذريًا في الطريقة التي نفكر بها في التصميم والإنتاج. إنه يهدف إلى إنشاء نظام إنتاج مستدام يعتمد على إعادة استخدام المواد، وتقليل النفايات، وحماية البيئة. من خلال تبني مبادئ تصميم من المهد إلى المهد، يمكننا الانتقال من نموذج “من المهد إلى اللحد” إلى نموذج “من المهد إلى المهد” الذي يضمن مستقبلًا أكثر استدامة وصحة للجميع.