مقدمة
الأنبا جرمانوس (بالصربية: Герман، والاسم المقابل بالإنجليزية: Herman؛ 19 أغسطس 1899 – 27 أغسطس 1991) كان البطريرك الثالث والأربعين للكنيسة الصربية الأرثوذكسية من عام 1958 حتى وفاته. يعتبر شخصية محورية في تاريخ الكنيسة الصربية خلال فترة الحكم الشيوعي في يوغوسلافيا. تميزت فترة بطريركيته بالجهود المبذولة للحفاظ على الهوية الدينية والثقافية للشعب الصربي، وإعادة بناء وترميم العديد من الكنائس والأديرة المتضررة خلال الحرب العالمية الثانية.
نشأته وحياته قبل البطريركية
ولد جرمانوس في قرية يوفانوفو سييلو بالقرب من فينكوفسي في النمسا-المجر (كرواتيا حاليًا). تلقى تعليمه الابتدائي في مسقط رأسه، ثم التحق بالمدرسة الثانوية في سريمسكي كارلوفشي. بعد ذلك، درس في كلية اللاهوت بجامعة بلغراد. تميز منذ صغره بتقواه وتفانيه في خدمة الكنيسة.
قبل توليه منصب البطريرك، شغل جرمانوس عدة مناصب كنسية مهمة. عمل مدرسًا في مدرسة اللاهوت في سريمسكي كارلوفشي، ثم تم تعيينه سكرتيرًا للمجلس الكنسي الأبرشي في سريمسكي كارلوفشي. بعد ذلك، رُسِمَ راهبًا وأُعطي اسم جرمانوس. تمت ترقيته لاحقًا إلى رتبة أرشمندريت. قبل انتخابه بطريركًا، كان أسقفًا لأبرشية زيكا.
انتخابه بطريركًا
بعد وفاة البطريرك فيكنتيجي الثاني في عام 1958، انعقد المجمع المقدس للكنيسة الصربية الأرثوذكسية لانتخاب بطريرك جديد. تم انتخاب الأسقف جرمانوس بطريركًا في 14 سبتمبر 1958، وتنصيبه رسميًا في كاتدرائية بلغراد في 16 سبتمبر 1958. وقد تميزت فترة بطريركيته بالتحديات الكبيرة التي واجهت الكنيسة في ظل النظام الشيوعي.
تحديات الكنيسة في ظل الحكم الشيوعي
واجهت الكنيسة الصربية الأرثوذكسية العديد من التحديات خلال فترة الحكم الشيوعي في يوغوسلافيا. شملت هذه التحديات:
- القيود المفروضة على الحريات الدينية: فرض النظام الشيوعي قيودًا صارمة على الحريات الدينية، بما في ذلك تقييد بناء الكنائس، ومنع التعليم الديني في المدارس، والتدخل في شؤون الكنيسة الداخلية.
- مصادرة أملاك الكنيسة: قامت الحكومة الشيوعية بمصادرة واسعة النطاق لأملاك الكنيسة، بما في ذلك الأراضي والمباني، مما أضعف استقلالها المالي.
- الضغط على رجال الدين: تعرض رجال الدين لضغوط كبيرة من قبل السلطات، بما في ذلك التهديد والاعتقال والسجن، بهدف إجبارهم على التعاون مع النظام.
- نشر الإلحاد: شجع النظام الشيوعي نشر الإلحاد ومحاربة الدين، مما أدى إلى تراجع الالتزام الديني بين السكان.
جهود البطريرك جرمانوس في الحفاظ على الكنيسة
على الرغم من التحديات الكبيرة، بذل البطريرك جرمانوس جهودًا مضنية للحفاظ على الكنيسة الصربية الأرثوذكسية وتعزيزها. شملت هذه الجهود:
- الدفاع عن حقوق الكنيسة: دافع البطريرك جرمانوس بشجاعة عن حقوق الكنيسة وحرياتها الدينية أمام السلطات الشيوعية. كان يلتقي بمسؤولين حكوميين رفيعي المستوى ويطالبهم باحترام حقوق الكنيسة.
- إعادة بناء وترميم الكنائس والأديرة: قاد البطريرك جرمانوس حملة واسعة النطاق لإعادة بناء وترميم الكنائس والأديرة التي تضررت خلال الحرب العالمية الثانية. تم ترميم العديد من المواقع الدينية التاريخية الهامة بفضل جهوده.
- تعزيز التعليم الديني: سعى البطريرك جرمانوس إلى تعزيز التعليم الديني من خلال إنشاء مدارس لتعليم اللاهوت وتدريب رجال الدين. كما شجع نشر الكتب والمطبوعات الدينية.
- الحفاظ على الهوية الثقافية: أكد البطريرك جرمانوس على أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية للشعب الصربي من خلال الترويج للتراث الديني والثقافي الصربي.
- التواصل مع الكنائس الأرثوذكسية الأخرى: سعى البطريرك جرمانوس إلى تعزيز العلاقات مع الكنائس الأرثوذكسية الأخرى في جميع أنحاء العالم، بهدف تبادل الخبرات والدعم.
قضية الكنيسة الأرثوذكسية المقدونية
خلال فترة بطريركية جرمانوس، ظهرت قضية معقدة تتعلق بالكنيسة الأرثوذكسية المقدونية. في عام 1967، أعلنت الكنيسة الأرثوذكسية المقدونية استقلالها الذاتي عن الكنيسة الصربية الأرثوذكسية، وهو الإعلان الذي لم تعترف به الكنيسة الصربية. بذل البطريرك جرمانوس جهودًا كبيرة لحل هذه القضية من خلال الحوار والمفاوضات، لكن دون التوصل إلى حل نهائي خلال حياته.
زيارات رعوية هامة
قام البطريرك جرمانوس بعدة زيارات رعوية هامة خلال فترة توليه المنصب. زار العديد من الأبرشيات داخل يوغوسلافيا وخارجها، بهدف تفقد أحوال الرعية وتشجيعها. كما قام بزيارات رسمية إلى الكنائس الأرثوذكسية الأخرى، مثل الكنيسة الروسية الأرثوذكسية والكنيسة اليونانية الأرثوذكسية.
وفاته وخلافته
توفي البطريرك جرمانوس في 27 أغسطس 1991 في بلغراد، عن عمر يناهز 92 عامًا. بعد وفاته، انعقد المجمع المقدس للكنيسة الصربية الأرثوذكسية لانتخاب بطريرك جديد. تم انتخاب بولس بطريركًا للكنيسة الصربية الأرثوذكسية في 1 ديسمبر 1990، خلفًا للأنبا جرمانوس. يعتبر الأنبا جرمانوس شخصية بارزة في تاريخ الكنيسة الصربية الأرثوذكسية، ويحظى بتقدير كبير لدوره في الحفاظ على الكنيسة وتعزيزها في ظل ظروف صعبة.
إرثه
ترك البطريرك جرمانوس إرثًا كبيرًا للكنيسة الصربية الأرثوذكسية وللشعب الصربي. يُذكر بصفته مدافعًا قويًا عن حقوق الكنيسة وحرياتها الدينية، وقائدًا حكيمًا في فترة مضطربة. كما يُذكر بجهوده في إعادة بناء وترميم الكنائس والأديرة، وتعزيز التعليم الديني، والحفاظ على الهوية الثقافية للشعب الصربي.
خاتمة
كان البطريرك جرمانوس شخصية محورية في تاريخ الكنيسة الصربية الأرثوذكسية. قاد الكنيسة بحكمة وشجاعة خلال فترة الحكم الشيوعي، وتمكن من الحفاظ عليها وتعزيزها على الرغم من التحديات الكبيرة. يعتبر إرثه مصدر إلهام للأجيال القادمة من رجال الدين والمؤمنين.