<![CDATA[
مقدمة
الدْرُول (Droll) هو عبارة عن مشهد هزلي قصير نشأ خلال فترة خلو العرش في إنجلترا (Puritan Interregnum). مع إغلاق المسارح من قبل الحكومة التطهيرية، ابتكر الممثلون طرقًا جديدة للترفيه عن الجمهور، وغالبًا ما كانت هذه العروض مقتطفات من مسرحيات أطول. الدْرُول بشكل أساسي عبارة عن مقتطفات مسلية من مسرحيات معروفة، تقدم غالبًا بشكل سري أو في أماكن غير رسمية لتجنب الرقابة.
أصل وتطور الدْرُول
تعود جذور الدْرُول إلى فترة شهدت فيها إنجلترا تحولات سياسية واجتماعية عميقة. في عام 1642، أمر البرلمان الإنجليزي بإغلاق جميع المسارح، معتبرًا أنها غير أخلاقية وتشجع على الفسق. أدى هذا الإجراء إلى توقف شبه كامل للإنتاج المسرحي التقليدي، مما دفع الممثلين والكتاب إلى البحث عن طرق مبتكرة للالتفاف على القيود.
الدْرُول نشأ كرد فعل مباشر لهذا القمع المسرحي. بدلًا من المسرحيات الكاملة، تم تقديم مقتطفات قصيرة، وغالبًا ما كانت فكاهية أو مثيرة للجدل، في أماكن خاصة مثل المنازل والحانات. كانت هذه العروض بمثابة وسيلة للحفاظ على جزء من الثقافة المسرحية حية خلال فترة الحظر.
مع مرور الوقت، تطورت الدْرُول لتصبح شكلاً فنيًا مستقلاً بذاته. لم تعد مجرد مقتطفات من مسرحيات أخرى، بل بدأت تتضمن مشاهد مكتوبة خصيصًا لهذا الغرض. غالبًا ما كانت هذه المشاهد تسخر من الشخصيات البارزة في المجتمع أو تنتقد السياسات الحكومية.
خصائص الدْرُول
تتميز الدْرُول بعدة خصائص مميزة تجعلها مختلفة عن الأنواع المسرحية الأخرى:
- القصر: الدْرُول عادةً ما تكون قصيرة جدًا، وتتراوح مدتها بين بضع دقائق وعشرين دقيقة. هذا القصر يسمح بتقديمها في أماكن غير رسمية وبشكل سري.
- الكوميديا: العنصر الأساسي في الدْرُول هو الفكاهة. تعتمد على النكات، والمواقف المضحكة، والسخرية الاجتماعية لجذب الجمهور.
- الاعتماد على المسرحيات المعروفة: في البداية، كانت الدْرُول تعتمد بشكل كبير على المسرحيات المشهورة، حيث يتم اقتطاع المشاهد الأكثر إثارة أو فكاهية وتقديمها بشكل منفصل.
- السخرية السياسية: غالبًا ما تتضمن الدْرُول سخرية سياسية أو اجتماعية، حيث يتم انتقاد الشخصيات البارزة أو السياسات الحكومية بطريقة فكاهية.
- الأداء في أماكن غير رسمية: بعيدًا عن المسارح الرسمية، كانت الدْرُول تُقدم في المنازل الخاصة، والحانات، وحتى في الشوارع.
أمثلة على الدْرُول
على الرغم من أن العديد من نصوص الدْرُول قد فقدت على مر السنين، إلا أن بعض الأمثلة لا تزال موجودة وتوضح طبيعة هذا النوع المسرحي. من بين الأمثلة البارزة:
- “The Bouncing Knight”: وهو دْرُول مقتبس من مسرحية “Henry IV, Part 1” لشكسبير. يركز على شخصية فالستاف الفكاهية ومغامراته.
- “The Merry Conceits of Bottom the Weaver”: وهو دْرُول مقتبس من مسرحية “A Midsummer Night’s Dream” لشكسبير. يسلط الضوء على المشاهد الكوميدية التي يظهر فيها شخصية بوتم.
هذه الأمثلة تظهر كيف تم استخدام شخصيات ومواقف معروفة من المسرحيات الشعبية لإنشاء عروض قصيرة ومسلية. كما تظهر كيف تم تكييف هذه المقتطفات لتناسب الأماكن غير الرسمية والجمهور الذي يبحث عن الترفيه الخفيف.
أهمية الدْرُول
على الرغم من أن الدْرُول قد تبدو مجرد شكل ترفيهي بسيط، إلا أنها تحمل أهمية كبيرة من الناحية التاريخية والثقافية:
- الحفاظ على الثقافة المسرحية: خلال فترة حظر المسارح، ساهمت الدْرُول في الحفاظ على جزء من الثقافة المسرحية حية. سمحت للممثلين والكتاب بالاستمرار في العمل والتعبير عن أنفسهم بطرق مبتكرة.
- التعبير عن المعارضة السياسية: كانت الدْرُول وسيلة للتعبير عن المعارضة السياسية والانتقاد الاجتماعي في فترة كانت فيها الرقابة شديدة. سمحت للناس بالتعبير عن آرائهم بطريقة فكاهية وذكية.
- تطوير المسرح الإنجليزي: ساهمت الدْرُول في تطوير المسرح الإنجليزي من خلال تجربة أشكال جديدة من الأداء والجمهور. مهدت الطريق لظهور أنواع مسرحية جديدة بعد استعادة النظام الملكي.
- نافذة على الحياة الاجتماعية: تقدم الدْرُول نظرة ثاقبة على الحياة الاجتماعية والثقافية في إنجلترا خلال القرن السابع عشر. تعكس اهتمامات الناس، ومخاوفهم، وحس الفكاهة لديهم.
الدْرُول وتأثيرها على المسرح الحديث
على الرغم من أن الدْرُول لم تعد تُمارس كشكل مسرحي مستقل، إلا أن تأثيرها لا يزال محسوسًا في المسرح الحديث. يمكن رؤية تأثيرها في:
- المشاهد القصيرة والاسكتشات الكوميدية: العديد من العروض المسرحية الحديثة تتضمن مشاهد قصيرة أو اسكتشات كوميدية تذكرنا بطبيعة الدْرُول.
- الكوميديا السياسية: لا يزال المسرح يستخدم كوسيلة للتعبير عن المعارضة السياسية والانتقاد الاجتماعي، تمامًا كما كانت تفعل الدْرُول.
- العروض في أماكن غير تقليدية: هناك اتجاه متزايد نحو تقديم العروض المسرحية في أماكن غير تقليدية، مثل المقاهي والشوارع، وهو ما يشبه الطريقة التي كانت تُقدم بها الدْرُول.
تحديات دراسة الدْرُول
دراسة الدْرُول تواجه بعض التحديات بسبب:
- نقص النصوص: لم يتم الحفاظ على العديد من نصوص الدْرُول، مما يجعل من الصعب تجميع صورة كاملة عن هذا النوع المسرحي.
- الطبيعة العابرة للعروض: كانت الدْرُول غالبًا ما تُقدم في أماكن غير رسمية وبشكل مؤقت، مما يجعل من الصعب تتبعها وتوثيقها.
- صعوبة التمييز بين الدْرُول وأنواع مسرحية أخرى: في بعض الأحيان، يكون من الصعب التمييز بين الدْرُول والمشاهد الكوميدية الأخرى التي كانت تُقدم في نفس الفترة.
على الرغم من هذه التحديات، فإن الباحثين والمؤرخين يواصلون العمل على استكشاف تاريخ الدْرُول وأهميتها في تطور المسرح الإنجليزي.
خاتمة
الدْرُول هي شكل مسرحي فريد نشأ في إنجلترا خلال فترة خلو العرش. كانت عبارة عن مشاهد هزلي قصيرة تُقدم في أماكن غير رسمية للترفيه عن الجمهور والتعبير عن المعارضة السياسية. على الرغم من أنها لم تعد تُمارس كشكل مستقل، إلا أن تأثيرها لا يزال محسوسًا في المسرح الحديث. تمثل الدْرُول نافذة على الحياة الاجتماعية والثقافية في إنجلترا خلال القرن السابع عشر، وتذكرنا بأهمية الفن في التعبير عن الذات ومقاومة القمع.