مقدمة
النزعة النفعية الفعلية هي نظرية أخلاقية نفعية تنص على أن فعل الشخص يكون صحيحًا من الناحية الأخلاقية إذا وفقط إذا كان ينتج أكبر قدر ممكن من الخير العام. بعبارة أخرى، يجب على الفرد أن يختار الفعل الذي سيؤدي إلى أفضل النتائج الممكنة لجميع المتأثرين به. هذه النظرية تركز على تقييم كل فعل على حدة بناءً على نتائجه المباشرة والمتوقعة.
تعتبر النزعة النفعية الفعلية من بين أقدم وأبسط أشكال النفعية. ترجع جذورها إلى كتابات الفلاسفة مثل جيرمي بنثام وجون ستيوارت ميل، على الرغم من أنهم لم يستخدموا هذا المصطلح تحديدًا. يعتبر بنثام من أوائل من قدموا النفعية كفلسفة أخلاقية واضحة، حيث أكد على أن السعادة والألم هما المحركان الرئيسيان للسلوك البشري، وأن الهدف من الأخلاق هو تعظيم السعادة وتقليل الألم.
المبادئ الأساسية للنزعة النفعية الفعلية
تستند النزعة النفعية الفعلية إلى عدة مبادئ أساسية:
- مبدأ العواقب: الأهم هو نتائج الفعل، وليس النوايا أو الدوافع وراءه. الفعل الذي يؤدي إلى أفضل العواقب هو الفعل الصحيح أخلاقياً.
- مبدأ السعادة: السعادة (أو المتعة) هي الخير الأسمى، والألم هو الشر الأسمى. يجب أن يهدف الفعل إلى زيادة السعادة وتقليل الألم لأكبر عدد ممكن من الناس.
- مبدأ المساواة: يجب أن يحسب سعادة كل فرد على قدم المساواة. لا ينبغي تفضيل سعادة شخص على سعادة شخص آخر.
- مبدأ الحيادية: يجب أن يكون الفاعل محايداً بين سعادته الخاصة وسعادة الآخرين. يجب أن يسعى إلى تحقيق أكبر قدر من السعادة العامة، بغض النظر عمن سيستفيد منها.
كيفية تطبيق النزعة النفعية الفعلية
عند تطبيق النزعة النفعية الفعلية، يجب على الفرد القيام بما يلي:
- تحديد جميع الأفعال الممكنة المتاحة له في موقف معين.
- تقدير النتائج المحتملة لكل فعل.
- تقييم كمية السعادة أو الألم التي ستنتج عن كل نتيجة.
- اختيار الفعل الذي من المرجح أن ينتج أكبر قدر من السعادة وأقل قدر من الألم لجميع المتأثرين به.
هذا يتطلب تحليلًا دقيقًا وتقييمًا شاملاً للنتائج المحتملة، وهو ما قد يكون صعبًا في بعض الأحيان. ومع ذلك، فإن النزعة النفعية الفعلية تقدم إطارًا واضحًا لاتخاذ القرارات الأخلاقية.
نقاط القوة في النزعة النفعية الفعلية
تتمتع النزعة النفعية الفعلية بعدة نقاط قوة تجعلها جذابة:
- البساطة: تقدم نظرية بسيطة ومباشرة لاتخاذ القرارات الأخلاقية.
- الحدسية: تتوافق مع حدسنا حول أهمية السعادة والرفاهية.
- المرونة: يمكن تطبيقها على مجموعة واسعة من المواقف الأخلاقية.
- الشمولية: تأخذ في الاعتبار مصالح جميع المتأثرين بالفعل.
انتقادات للنزعة النفعية الفعلية
على الرغم من نقاط قوتها، تواجه النزعة النفعية الفعلية العديد من الانتقادات:
- صعوبة التنبؤ بالعواقب: من الصعب جدًا التنبؤ بدقة بجميع العواقب المحتملة للفعل، خاصة على المدى الطويل. قد يؤدي فعل يبدو جيدًا في البداية إلى نتائج سلبية غير متوقعة.
- صعوبة قياس السعادة: من الصعب قياس السعادة أو الألم وتحديد كيفية مقارنتهما بين الأفراد. هل يمكننا حقًا مقارنة سعادة شخص بسعادة شخص آخر؟
- إمكانية تبرير الأفعال غير العادلة: قد تؤدي النزعة النفعية الفعلية إلى تبرير الأفعال التي تبدو غير عادلة أو تنتهك حقوق الأفراد، إذا كانت هذه الأفعال تؤدي إلى زيادة السعادة العامة. على سبيل المثال، قد يتم تبرير التضحية بفرد واحد من أجل إنقاذ مجموعة أكبر من الناس.
- متطلبات عالية: تتطلب النزعة النفعية الفعلية من الأفراد أن يكونوا محايدين تمامًا وأن يسعوا دائمًا إلى تحقيق أكبر قدر من السعادة العامة، وهو ما قد يكون صعبًا وغير واقعي بالنسبة للكثيرين.
- إهمال الواجبات والحقوق: تركز النزعة النفعية الفعلية بشكل كامل على العواقب، مما قد يؤدي إلى إهمال الواجبات والحقوق. قد يتم تجاهل الالتزامات الأخلاقية الأخرى إذا كانت لا تؤدي إلى زيادة السعادة العامة.
أمثلة على النزعة النفعية الفعلية
لتوضيح كيفية عمل النزعة النفعية الفعلية، دعونا ننظر في بعض الأمثلة:
- مثال طبي: يواجه الطبيب مريضين يحتاجان إلى عملية زرع أعضاء. مريض يحتاج إلى قلب، ومريض آخر يحتاج إلى رئة. يصل مريض ثالث بصحة جيدة إلى المستشفى لإجراء فحص روتيني. وفقًا للنزعة النفعية الفعلية، قد يكون من الأخلاقي قتل المريض الثالث وزرع أعضائه للمرضى الآخرين، إذا كانت هذه العملية ستؤدي إلى إنقاذ حياتين بدلاً من حياة واحدة. ومع ذلك، فإن هذا الفعل سيكون غير أخلاقي بشكل بديهي لمعظم الناس.
- مثال اقتصادي: تقرر شركة نقل مصنعها إلى بلد آخر حيث تكون تكاليف العمالة أقل. يؤدي هذا القرار إلى فقدان العديد من العمال وظائفهم في البلد الأصلي، ولكنه يزيد من أرباح الشركة ويسمح لها بتقديم منتجات أرخص للمستهلكين. وفقًا للنزعة النفعية الفعلية، قد يكون هذا القرار أخلاقيًا إذا كانت الزيادة في السعادة للمستهلكين والمساهمين في الشركة تفوق الألم الذي يعاني منه العمال الذين فقدوا وظائفهم.
- مثال سياسي: تقرر الحكومة فرض ضريبة جديدة على الأغنياء لتمويل برامج الرعاية الاجتماعية للفقراء. يؤدي هذا القرار إلى تقليل ثروة الأغنياء، ولكنه يحسن من مستوى معيشة الفقراء. وفقًا للنزعة النفعية الفعلية، قد يكون هذا القرار أخلاقيًا إذا كانت الزيادة في السعادة للفقراء تفوق الألم الذي يعاني منه الأغنياء.
النزعة النفعية الفعلية مقابل النزعة النفعية القاعدية
غالبًا ما تتم مقارنة النزعة النفعية الفعلية بالنزعة النفعية القاعدية. بينما تركز النزعة النفعية الفعلية على تقييم كل فعل على حدة، تركز النزعة النفعية القاعدية على تقييم القواعد أو المبادئ الأخلاقية. وفقًا للنزعة النفعية القاعدية، يجب علينا اتباع القواعد التي من المرجح أن تؤدي إلى أفضل النتائج العامة، حتى لو كانت هذه القواعد تؤدي في بعض الحالات إلى نتائج أقل مثالية.
الفرق الرئيسي بين النزعتين هو أن النزعة النفعية الفعلية تسمح بانتهاك القواعد إذا كان ذلك سيؤدي إلى زيادة السعادة في موقف معين، بينما تصر النزعة النفعية القاعدية على اتباع القواعد حتى لو كانت النتيجة أقل مثالية في بعض الحالات. على سبيل المثال، قد تسمح النزعة النفعية الفعلية بالكذب إذا كان الكذب سيؤدي إلى منع حدوث ضرر أكبر، بينما قد تحظر النزعة النفعية القاعدية الكذب حتى لو كان الكذب سيمنع حدوث ضرر أكبر.
النزعة النفعية القاعدية تعتبر أكثر عملية وقابلية للتطبيق في الحياة اليومية، حيث أنها لا تتطلب من الأفراد إجراء حسابات معقدة للعواقب في كل موقف. كما أنها تساعد على تجنب بعض المشاكل الأخلاقية التي تنشأ عن النزعة النفعية الفعلية، مثل تبرير الأفعال غير العادلة أو انتهاك الحقوق.
تأثير النزعة النفعية الفعلية على الفكر الأخلاقي
كان للنزعة النفعية الفعلية تأثير كبير على الفكر الأخلاقي والقانوني والسياسي. ساهمت في تطوير العديد من النظريات الأخلاقية الأخرى، كما أثرت على صياغة السياسات العامة والقوانين. على سبيل المثال، تم استخدام النفعية لتبرير الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي تهدف إلى تحسين رفاهية السكان.
ومع ذلك، أثارت النزعة النفعية الفعلية أيضًا العديد من الجدل والانتقادات، ولا تزال موضوعًا للنقاش المستمر بين الفلاسفة وعلماء الأخلاق. تظل قضية كيفية تحقيق التوازن بين السعادة الفردية والسعادة العامة، وكيفية التعامل مع الأفعال التي قد تكون غير عادلة ولكنها تؤدي إلى زيادة السعادة العامة، من بين التحديات الرئيسية التي تواجه النزعة النفعية.
خاتمة
النزعة النفعية الفعلية هي نظرية أخلاقية تركز على تحقيق أكبر قدر ممكن من السعادة لجميع المتأثرين بالفعل. على الرغم من بساطتها وجاذبيتها الحدسية، فإنها تواجه العديد من الانتقادات والتحديات، بما في ذلك صعوبة التنبؤ بالعواقب وقياس السعادة، وإمكانية تبرير الأفعال غير العادلة. ومع ذلك، تظل النزعة النفعية الفعلية من بين أهم النظريات الأخلاقية التي أثرت على الفكر الأخلاقي والقانوني والسياسي.