خلفية تاريخية
شهدت إستونيا، كغيرها من دول البلطيق، اضطرابات سياسية واجتماعية كبيرة في أعقاب الحرب العالمية الأولى. كانت إستونيا تحت السيطرة الألمانية خلال الحرب، ومع هزيمة ألمانيا، ظهرت فرصة لإعلان الاستقلال. في 24 فبراير 1918، أعلنت إستونيا استقلالها، ولكن هذا الإعلان قوبل بتحديات كبيرة.
في ذات الوقت، كانت روسيا البلشفية تسعى إلى توسيع نفوذها، ورأت في إستونيا أرضاً خصبة لنشر الشيوعية. قام البلاشفة بغزو إستونيا، ودعموا تشكيل حكومة بديلة موالية لهم. هكذا نشأت كومونة عمال إستونيا.
تأسيس الكومونة
تأسست كومونة عمال إستونيا في 29 نوفمبر 1918 في مدينة نارفا، وهي مدينة إستونية تقع على الحدود مع روسيا. ترأس الكومونة يوهان غيلتر، وهو بلشفي إستوني. ضمت الكومونة أعضاء من الحزب الشيوعي الإستوني، بالإضافة إلى بعض الفصائل الاشتراكية الأخرى.
اتخذت الكومونة من نارفا عاصمة لها، وأعلنت أنها الحكومة الشرعية لإستونيا. اتبعت الكومونة سياسات شيوعية متطرفة، بما في ذلك تأميم الممتلكات الخاصة، ومصادرة الأراضي، وإلغاء الديون. كما سعت الكومونة إلى القضاء على المعارضة السياسية، واعتقال وسجن من يعارضون سياستها.
الحرب الأهلية الإستونية
شهدت إستونيا حرباً أهلية ضارية بين الحكومة الإستونية المستقلة والكومونة المدعومة من البلاشفة. قاتل الجيش الإستوني، بدعم من المتطوعين الألمان والبريطانيين والدنماركيين والسويديين والفنلنديين، ضد قوات الكومونة. كانت الحرب دامية وشهدت قتالاً شرساً.
كانت قوات الكومونة مدربة جيدًا، ومجهزة بالأسلحة من قبل روسيا البلشفية. ومع ذلك، واجهت صعوبات في الحفاظ على السيطرة على الأراضي التي احتلتها. لم تحظ الكومونة بدعم واسع من الشعب الإستوني، الذي كان يتوق إلى الاستقلال.
سقوط الكومونة
تمكن الجيش الإستوني، بدعم من الحلفاء، من صد قوات الكومونة واستعادة السيطرة على الأراضي. في يناير 1919، شن الجيش الإستوني هجوماً مضاداً، وتمكن من طرد قوات الكومونة من معظم الأراضي الإستونية. في 19 فبراير 1919، استسلمت الكومونة، وانهارت الحكومة البلشفية في إستونيا.
بعد سقوط الكومونة، استعادت الحكومة الإستونية المستقلة سيطرتها الكاملة على البلاد. أُجريت انتخابات، وتم تشكيل حكومة ديمقراطية. في 2 فبراير 1920، وقعت إستونيا وروسيا السوفيتية معاهدة تارتو، التي اعترفت بموجبها روسيا باستقلال إستونيا.
تأثير الكومونة
على الرغم من عمرها القصير، تركت كومونة عمال إستونيا تأثيراً كبيراً على تاريخ إستونيا. أدت الحرب الأهلية إلى دمار واسع في البلاد، وتسببت في مقتل الآلاف من الأشخاص. كما أدت سياسات الكومونة إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
ومع ذلك، ساعدت تجربة الكومونة الشعب الإستوني على توحيد صفوفه، وتعزيز عزمه على الدفاع عن الاستقلال. كما أدت إلى تعزيز الديمقراطية في إستونيا، وإلى إقامة نظام سياسي واجتماعي أكثر عدالة.
أهداف وأيديولوجيات الكومونة
كانت أهداف كومونة عمال إستونيا واضحة ومستوحاة من الأيديولوجية الماركسية اللينينية. سعت الكومونة إلى تحقيق الأهداف التالية:
- إقامة نظام شيوعي: كان الهدف الرئيسي هو إنشاء مجتمع شيوعي في إستونيا، يعتمد على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، والقضاء على الطبقات الاجتماعية.
- تأميم الممتلكات: قامت الكومونة بتأميم جميع الممتلكات الخاصة، بما في ذلك الأراضي والمصانع والبنوك. اعتبرت الكومونة أن الملكية الخاصة هي مصدر للظلم والاستغلال.
- دعم العمال والفلاحين: سعت الكومونة إلى تحسين أوضاع العمال والفلاحين، من خلال توفير فرص عمل، ورفع الأجور، وتوزيع الأراضي.
- القضاء على المعارضة: اعتبرت الكومونة أي معارضة لسلطتها بمثابة عدو للشعب. قامت الكومونة باعتقال وسجن وقتل من عارضوا سياستها.
- التحالف مع روسيا السوفيتية: كانت الكومونة حليفًا وثيقًا لروسيا السوفيتية، وسعت إلى دمج إستونيا في الاتحاد السوفيتي.
أسباب فشل الكومونة
فشلت كومونة عمال إستونيا في تحقيق أهدافها لعدة أسباب:
- الدعم الشعبي المحدود: لم تحظ الكومونة بدعم واسع من الشعب الإستوني، الذي كان يتوق إلى الاستقلال. كان معظم الإستونيين يرغبون في نظام ديمقراطي مستقل، وليس في نظام شيوعي مدعوم من الخارج.
- المقاومة العسكرية: واجهت الكومونة مقاومة عسكرية قوية من الجيش الإستوني، الذي كان مدعومًا من الحلفاء. كان الجيش الإستوني مدربًا جيدًا ومجهزًا بالأسلحة، وتمكن من صد هجمات الكومونة.
- القيادة الضعيفة: كانت قيادة الكومونة ضعيفة وغير فعالة. لم يتمكن قادة الكومونة من توحيد صفوفهم، أو من وضع سياسات فعالة.
- السياسات المتطرفة: اتبعت الكومونة سياسات شيوعية متطرفة، بما في ذلك تأميم الممتلكات ومصادرة الأراضي. أدت هذه السياسات إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وإلى فقدان الدعم الشعبي.
- الدعم الخارجي المحدود: على الرغم من دعم روسيا السوفيتية، لم تحصل الكومونة على دعم خارجي كافٍ. لم تتمكن الكومونة من الحصول على الأسلحة والتمويل اللازمين، أو من حشد الدعم الدولي.
النتائج والتبعات
لسقوط كومونة عمال إستونيا تبعات كبيرة على إستونيا والمنطقة بشكل عام:
- استقلال إستونيا: ساعد انتصار الجيش الإستوني على الكومونة في ترسيخ استقلال إستونيا، وفتح الطريق أمام إقامة نظام ديمقراطي.
- الحرب الأهلية: أدت الحرب الأهلية إلى دمار واسع في إستونيا، وتسببت في مقتل الآلاف من الأشخاص، وتفاقمت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
- العلاقات مع روسيا: أدت الحرب الأهلية إلى توتر العلاقات بين إستونيا وروسيا، وتعقدت مسألة الحدود والاعتراف بالاستقلال.
- صعود الشيوعية: على الرغم من فشل الكومونة، إلا أنها ساهمت في صعود الشيوعية في المنطقة، وإلى زيادة التوتر السياسي.
الكومونة في الذاكرة التاريخية
تُعتبر كومونة عمال إستونيا حدثًا تاريخيًا هامًا في تاريخ إستونيا. لا تزال الكومونة تثير جدلاً واسعًا بين المؤرخين والسياسيين. يرى البعض أن الكومونة كانت محاولة غير شرعية لفرض نظام شيوعي على إستونيا، في حين يرى آخرون أنها كانت جزءًا من الصراع من أجل العدالة الاجتماعية.
بغض النظر عن وجهة النظر، فإن الكومونة تظل تذكيرًا بالاضطرابات السياسية والاجتماعية التي شهدتها إستونيا في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وتأثير الثورة الروسية على المنطقة. كما أنها تذكير بأهمية الدفاع عن الاستقلال والحرية والديمقراطية.
خاتمة
في الختام، كانت كومونة عمال إستونيا حكومة غير معترف بها سعت إلى السيطرة على إستونيا بعد الحرب العالمية الأولى. على الرغم من الدعم الروسي الأولي، فقد فشلت الكومونة في تحقيق أهدافها بسبب الافتقار إلى الدعم الشعبي، والمقاومة العسكرية من قبل القوات الإستونية، والسياسات المتطرفة. كان سقوط الكومونة بمثابة انتصار للاستقلال الإستوني، ولكنه ترك أيضًا ندوبًا عميقة في المجتمع الإستوني.
المراجع
- ويكيبيديا الإنجليزية – كومونة عمال إستونيا
- موسوعة بريتانيكا – حرب الاستقلال الإستونية
- تاريخ اليوم – إعلان إستونيا لاستقلالها
“`