خلفية تأسيس الجمعية
في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، شهدت حركة التحليل النفسي في فرنسا توترات متزايدة. كان جاك لاكان، وهو طبيب نفسي ومحلل نفسي لامع، يطور نظرياته الخاصة التي انحرفت بشكل كبير عن التحليل النفسي التقليدي الفرويدي. أثارت أفكار لاكان، التي تضمنت مفاهيم مثل “الآخر الكبير” و”الواقعي والرمزي والمتخيل”، جدلاً واسعاً بين المحللين النفسيين الفرنسيين.
كانت جمعية باريس للتحليل النفسي، وهي الفرع الفرنسي من الرابطة الدولية للتحليل النفسي (IPA)، منقسمة حول مسألة لاكان. رأى البعض في أفكاره إضافة قيمة إلى النظرية التحليلية، بينما اعتبرها آخرون انحرافاً خطيراً عن المبادئ الأساسية. تفاقمت هذه الخلافات بسبب أساليب لاكان التدريسية والاستشارية غير التقليدية، والتي تضمنت جلسات تحليلية قصيرة بشكل غير عادي.
في عام 1953، اتخذت الرابطة الدولية للتحليل النفسي قراراً مثيراً للجدل بحظر لاكان من إجراء التحليلات التدريبية، مما يعني أنه لم يعد بإمكانه تدريب المحللين النفسيين الجدد. كان هذا القرار بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وأدى إلى انشقاق كبير في جمعية باريس للتحليل النفسي.
تأسيس الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي
بعد قرار الرابطة الدولية للتحليل النفسي بحظر لاكان، قرر عدد من المحللين النفسيين الفرنسيين المؤيدين له الانفصال عن جمعية باريس للتحليل النفسي وتأسيس جمعية جديدة. في 13 يونيو 1953، تم تأسيس الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي رسمياً. كان من بين المؤسسين البارزين فرانسواز دولتو، ودانييل لاغاش، وجوليان رويال، بالإضافة إلى جاك لاكان نفسه.
كان الهدف الرئيسي للجمعية الفرنسية للتحليل النفسي هو توفير منتدى للمحللين النفسيين الذين كانوا مهتمين باستكشاف أفكار لاكان وتطويرها. أرادت الجمعية أيضاً الحفاظ على معايير عالية للتدريب والممارسة التحليلية، ولكن دون الخضوع لقيود الرابطة الدولية للتحليل النفسي.
علاقة الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي بجاك لاكان
لعب جاك لاكان دوراً محورياً في الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي منذ تأسيسها. كان لاكان يعتبر الزعيم الفكري للجمعية، وكانت محاضراته وندواته تحظى بحضور كبير. ومع ذلك، لم يكن لاكان دائماً عضواً رسمياً في الجمعية. بعد فترة وجيزة من تأسيس الجمعية، استقال لاكان منها بسبب خلافات حول مسائل التنظيم والتدريب.
على الرغم من استقالته، استمر لاكان في التأثير على الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي. واصل إلقاء المحاضرات والندوات في الجمعية، وكان العديد من أعضاء الجمعية من طلابه ومريديه. في عام 1964، أسس لاكان مدرسته الخاصة، مدرسة التحليل النفسي في باريس (École freudienne de Paris)، والتي أصبحت فيما بعد مؤسسة مستقلة.
الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي والرابطة الدولية للتحليل النفسي
بعد انشقاقها عن جمعية باريس للتحليل النفسي، لم يتم الاعتراف بالجمعية الفرنسية للتحليل النفسي من قبل الرابطة الدولية للتحليل النفسي. اعتبرت الرابطة الدولية للتحليل النفسي أن الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي هي مجموعة منشقة لا تلتزم بمعايير التحليل النفسي الدولية.
حاولت الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي مراراً وتكراراً الحصول على اعتراف من الرابطة الدولية للتحليل النفسي، لكن دون جدوى. كانت الرابطة الدولية للتحليل النفسي مصرة على أن الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي يجب أن تتخلى عن أفكار لاكان المثيرة للجدل وأن تلتزم بالتحليل النفسي الفرويدي التقليدي.
في عام 1963، حاولت الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي والجمعية الفرنسية للتحليل النفسي (SPP) الاندماج مرة أخرى. ومع ذلك، فشلت هذه المحاولة بسبب الخلافات المستمرة حول أفكار لاكان ومسائل التنظيم والتدريب. وفي النهاية، لم يتمكن أعضاء الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي من الحصول على عضوية الرابطة الدولية للتحليل النفسي إلا بعد تفككها عام 1998.
تأثير الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي
على الرغم من أنها لم تحظ باعتراف الرابطة الدولية للتحليل النفسي، إلا أن الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي كان لها تأثير كبير على حركة التحليل النفسي في فرنسا وخارجها. ساهمت الجمعية في تطوير أفكار لاكان ونشرها، وشجعت على البحث والتفكير النقدي في نظرية وتقنية التحليل النفسي.
أنتجت الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي عدداً من المحللين النفسيين البارزين الذين كان لهم تأثير كبير على هذا المجال. كانت فرانسواز دولتو، وهي أحد الأعضاء المؤسسين للجمعية، شخصية رائدة في التحليل النفسي للأطفال. كان دانييل لاغاش محللاً نفسياً بارزاً ومؤلفاً غزير الإنتاج، وساهم في تطوير النظرية التحليلية.
كما لعبت الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي دوراً هاماً في نشر التحليل النفسي في الأوساط الأكاديمية والثقافية الفرنسية. قامت الجمعية بتنظيم المؤتمرات والندوات، ونشرت المجلات والكتب، وقدمت الدعم للمحللين النفسيين والباحثين. ساعدت هذه الجهود على ترسيخ التحليل النفسي كمجال هام للدراسة والبحث في فرنسا.
الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي اليوم
لا تزال الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي موجودة حتى اليوم، وهي تواصل لعب دور نشط في حركة التحليل النفسي الفرنسية. تواصل الجمعية تنظيم المؤتمرات والندوات، ونشر المجلات والكتب، وتقديم الدعم للمحللين النفسيين والباحثين. تحتفظ الجمعية أيضاً بمكتبة واسعة من المواد التحليلية النفسية، والتي يمكن للباحثين والطلاب الوصول إليها.
الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي هي عضو في الاتحاد الأوروبي للتحليل النفسي (EFP)، وهي منظمة إقليمية تمثل جمعيات التحليل النفسي في أوروبا. تعمل الجمعية أيضاً بشكل وثيق مع مؤسسات التحليل النفسي الأخرى في فرنسا وخارجها.
تظل الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي ملتزمة بتعزيز البحث والتفكير النقدي في نظرية وتقنية التحليل النفسي. تشجع الجمعية أعضائها على استكشاف أفكار جديدة وتطوير أساليب جديدة في الممارسة التحليلية. تسعى الجمعية أيضاً إلى تعزيز الحوار والتفاهم بين مختلف وجهات النظر في التحليل النفسي.
خاتمة
الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي هي جمعية مهنية فرنسية للتحليل النفسي تأسست في عام 1953 إثر انشقاق عن جمعية باريس للتحليل النفسي. لعبت الجمعية دوراً هاماً في تطوير ونشر أفكار جاك لاكان، وعلى الرغم من عدم اعتراف الرابطة الدولية للتحليل النفسي بها لفترة طويلة، كان لها تأثير كبير على حركة التحليل النفسي في فرنسا وخارجها. لا تزال الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي موجودة حتى اليوم، وهي تواصل لعب دور نشط في تعزيز البحث والتفكير النقدي في نظرية وتقنية التحليل النفسي.