<![CDATA[
النشأة والسنوات الأولى (قبل عام 1916)
تعود جذور الجيش الجمهوري الأيرلندي إلى الحركات القومية المسلحة التي ظهرت في أيرلندا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. كان الهدف الرئيسي لهذه الحركات هو تحقيق الاستقلال عن الحكم البريطاني. يمكن اعتبار “الإخوة الأيرلنديون الجمهوريون” (Irish Republican Brotherhood) واحدة من أبرز هذه الحركات، والتي تأسست في عام 1858 بهدف إقامة جمهورية أيرلندية مستقلة من خلال الثورة المسلحة. لعبت هذه الجماعة دورًا مهمًا في تهيئة الأجواء للتمردات المستقبلية.
شهدت أيرلندا في تلك الفترة صعودًا للحركات القومية والثقافية، مثل “الرابطة الغيلية” التي عملت على إحياء اللغة والثقافة الأيرلندية. ساهم هذا الإحياء الثقافي في تعزيز الهوية الوطنية الأيرلندية وتوفير الدعم الشعبي للحركات الانفصالية.
كانت “حركة الوطن” (Home Rule movement) تمثل اتجاهًا آخر، حيث سعت إلى الحكم الذاتي لأيرلندا ضمن المملكة المتحدة. ومع ذلك، اعتبر العديد من القوميين أن هذا الحل غير كافٍ، وواصلوا السعي لتحقيق الاستقلال التام.
ثورة عيد الفصح وتشكيل الجيش الجمهوري الأيرلندي (1916-1922)
شكلت ثورة عيد الفصح عام 1916 نقطة تحول حاسمة في تاريخ أيرلندا. اندلعت الثورة في دبلن، حيث قام القوميون الأيرلنديون بمحاولة للاستيلاء على المباني الرئيسية وإعلان الجمهورية الأيرلندية. على الرغم من قمع الثورة في غضون أسبوع، إلا أنها تركت أثرًا عميقًا على الوعي الوطني الأيرلندي. أدت إعدام قادة الثورة إلى تحويلهم إلى شهداء، مما أثار موجة من الغضب والتعاطف مع القضية الجمهورية.
بعد ثورة عيد الفصح، بدأ الجيش الجمهوري الأيرلندي في التبلور كقوة عسكرية منظمة. تشكل الجيش من متطوعين أيرلنديين، وتلقى دعمًا متزايدًا من الشعب الأيرلندي. كان الهدف الأساسي للجيش هو مواصلة الكفاح المسلح لتحقيق الاستقلال.
شهدت الفترة من عام 1919 إلى 1921 حرب الاستقلال الأيرلندية. خاض الجيش الجمهوري الأيرلندي حرب عصابات ضد القوات البريطانية، مستخدمًا تكتيكات الكر والفر. حقق الجيش نجاحات كبيرة، وأجبر الحكومة البريطانية على التفاوض على معاهدة أنجلو-أيرلندية.
بموجب المعاهدة الأنجلو-أيرلندية في عام 1921، تم تقسيم أيرلندا إلى دولة أيرلندية حرة (Free State) وشمال أيرلندا، والتي ظلت جزءًا من المملكة المتحدة. أثارت المعاهدة انقسامًا عميقًا داخل صفوف الجيش الجمهوري الأيرلندي، حيث أيد البعض المعاهدة واعتبرها خطوة نحو الاستقلال الكامل، بينما رفضها آخرون، معتبرين أنها تخون مبادئ الجمهورية.
الحرب الأهلية الأيرلندية (1922-1923)
أدت الخلافات حول معاهدة أنجلو-أيرلندية إلى اندلاع الحرب الأهلية الأيرلندية في عام 1922. تقاتل الجيش الجمهوري الأيرلندي المنشق ضد الدولة الأيرلندية الحرة الجديدة. كان الصراع دمويًا ومريرًا، وشهد أعمال عنف واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد.
انقسم الجيش الجمهوري الأيرلندي إلى فصيلين رئيسيين: المؤيدون للمعاهدة والمعارضون لها. كان الجيش الجمهوري الأيرلندي المناهض للمعاهدة، بقيادة قادة مثل ليام لينش، يهدف إلى الإطاحة بالدولة الأيرلندية الحرة وإقامة جمهورية أيرلندية موحدة.
تمكنت الدولة الأيرلندية الحرة من قمع التمرد في النهاية، ولكن الحرب الأهلية خلفت جروحًا عميقة في المجتمع الأيرلندي. أدت الحرب إلى مقتل الآلاف وتدمير البنية التحتية، وتركت إرثًا من الانقسام السياسي الذي استمر لعقود.
الفترة ما بين الحربين (1923-1969)
بعد الحرب الأهلية، تضاءل نشاط الجيش الجمهوري الأيرلندي بشكل كبير. واجهت الجماعة صعوبات في الحفاظ على قوتها وتماسكها في ظل القمع الحكومي والافتقار إلى الدعم الشعبي الواسع. استمرت بعض الجماعات الصغيرة في شن هجمات متفرقة، لكنها لم تشكل تهديدًا كبيرًا للدولة.
ركزت الجماعة على إعادة التنظيم والتدريب في فترة ما بين الحربين. حاول القادة إعادة بناء الجيش الجمهوري الأيرلندي وبناء شبكات دعم، مع التركيز على الأيديولوجية الجمهورية والتحضير للصراع المستقبلي.
شهدت هذه الفترة أيضًا صعودًا للحركات الجمهورية الأخرى، بما في ذلك الحركات السياسية. أدرك بعض القادة أن تحقيق الاستقلال يتطلب استراتيجية متعددة الأوجه، تجمع بين الكفاح المسلح والعمل السياسي. ومع ذلك، استمر الجيش الجمهوري الأيرلندي في رؤية الكفاح المسلح كوسيلة رئيسية لتحقيق أهدافه.
في هذه الفترة، شهدت أيرلندا تطورات اقتصادية واجتماعية مهمة. ومع ذلك، استمر التمييز ضد الكاثوليك في شمال أيرلندا، مما أدى إلى زيادة التوتر الطائفي وتجدد الدعم للقضية الجمهورية.
الصراع في شمال أيرلندا (1969-1998)
شكلت الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين فترة مضطربة في شمال أيرلندا، حيث اندلع الصراع العرقي والطائفي الذي عرف باسم “المشاكل” (The Troubles). في عام 1969، انقسم الجيش الجمهوري الأيرلندي إلى فصيلين رئيسيين: الجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت (Provisional IRA) والجيش الجمهوري الأيرلندي الرسمي (Official IRA).
كان الجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت هو الفصيل الأكثر نشاطًا وعنفًا. تبنى هذا الفصيل استراتيجية حرب العصابات ضد القوات البريطانية والهدف المعلن هو إنهاء الحكم البريطاني في أيرلندا الشمالية. شن الجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت حملة تفجيرات واغتيالات واسعة النطاق، مما أدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين وأفراد الأمن.
أما الجيش الجمهوري الأيرلندي الرسمي، فقد تبنى في البداية استراتيجية أكثر تركيزًا على العمل السياسي. ومع ذلك، ظل الفصيل يشارك في بعض الأنشطة العسكرية، لكنه انخفض تدريجيًا في التأثير مع مرور الوقت.
خلال فترة الصراع، تطورت العلاقة بين الجيش الجمهوري الأيرلندي والمجتمع الأيرلندي الشمالي. في حين كان الجيش يحظى بدعم كبير في بعض الدوائر، فقد أدان آخرون أساليبه العنيفة، وشعروا بأنها تعيق عملية السلام. ومع ذلك، ظل الجيش الجمهوري الأيرلندي رمزًا للنضال القومي الأيرلندي، ولا سيما في المجتمعات الكاثوليكية.
أدى الصراع في شمال أيرلندا إلى تعقيد العلاقات بين المملكة المتحدة وأيرلندا. شاركت حكومتا البلدين في محادثات سلام طويلة وصعبة، سعياً إلى إيجاد حل دائم للصراع.
اتفاقية الجمعة العظيمة وتطور الجيش الجمهوري الأيرلندي (1998-2005)
في عام 1998، تم التوصل إلى اتفاقية الجمعة العظيمة، والتي مثلت لحظة فارقة في تاريخ أيرلندا الشمالية. هدفت الاتفاقية إلى إنهاء العنف وتحقيق السلام والاستقرار. وافق الجيش الجمهوري الأيرلندي على وقف إطلاق النار والتخلي عن الكفاح المسلح.
كانت اتفاقية الجمعة العظيمة بمثابة تحول كبير في تطور الجيش الجمهوري الأيرلندي. فقد تطلب الأمر من الجيش نزع أسلحته ووضع حد لأنشطته العسكرية. على الرغم من بعض الخلافات والمقاومة الداخلية، فقد التزم الجيش الجمهوري الأيرلندي في النهاية ببنود الاتفاقية.
شهدت الفترة التي تلت اتفاقية الجمعة العظيمة انخفاضًا كبيرًا في مستوى العنف في شمال أيرلندا. بدأت الحياة الطبيعية في العودة إلى المنطقة، وبدأ القوميون والوحدويون في بناء الثقة والتعاون. ومع ذلك، استمرت بعض الجماعات المنشقة عن الجيش الجمهوري الأيرلندي في القيام بهجمات متفرقة، مما أثار القلق بشأن استقرار السلام.
خلال هذه الفترة، تحول الجيش الجمهوري الأيرلندي من منظمة عسكرية إلى منظمة سياسية. شارك أعضاء سابقون في الجيش في العمل السياسي، ودعموا عملية السلام. لعب الحزب السياسي شين فين (Sinn Féin)، والذي كان مرتبطًا بالجيش الجمهوري الأيرلندي، دورًا متزايد الأهمية في السياسة الأيرلندية.
الانتهاء الرسمي وإرث الجيش الجمهوري الأيرلندي (2005 – حتى الآن)
في عام 2005، أعلن الجيش الجمهوري الأيرلندي عن إنهاءه الرسمي لحملته العسكرية، وأصدر أمرًا لجميع أفراده بتسليم أسلحتهم. شكل هذا الإعلان نهاية رسمية للصراع المسلح في شمال أيرلندا.
على الرغم من إنهاء حملته العسكرية، إلا أن إرث الجيش الجمهوري الأيرلندي لا يزال يؤثر على المشهد السياسي والاجتماعي في أيرلندا. لا يزال الجيش يمثل رمزًا للنضال القومي الأيرلندي، ويحظى بدعم كبير في بعض الدوائر. ومع ذلك، فإن أساليب الجيش العنيفة تثير جدلاً مستمرًا.
بعد إنهاء حملته العسكرية، ركز الجيش الجمهوري الأيرلندي على المساهمة في بناء السلام والمصالحة في شمال أيرلندا. شارك أعضاء سابقون في الجيش في مبادرات السلام والمجتمع، وعملوا على تعزيز التفاهم بين المجتمعات المختلفة. ومع ذلك، لا تزال بعض القضايا العالقة، مثل ضحايا العنف، تشكل تحديًا أمام عملية المصالحة.
اليوم، أصبح الجيش الجمهوري الأيرلندي جزءًا من التاريخ الأيرلندي. لا يزال إرث الجيش يمثل قضية حساسة، ولكن يجب فهمها في سياق التاريخ الأيرلندي المعقد والمضطرب.
خاتمة
يمثل الجيش الجمهوري الأيرلندي رمزًا للنضال القومي الأيرلندي، وتاريخه مليء بالصراع والعنف. من جذوره في الحركات القومية في أوائل القرن العشرين إلى دوره في الصراع في شمال أيرلندا، ترك الجيش أثرًا عميقًا على المجتمع الأيرلندي. على الرغم من إنهاء حملته العسكرية، إلا أن إرث الجيش الجمهوري الأيرلندي لا يزال يؤثر على المشهد السياسي والاجتماعي في أيرلندا. يعد فهم التسلسل الزمني لأحداث الجيش الجمهوري الأيرلندي أمرًا ضروريًا لفهم تاريخ أيرلندا المعاصر.