التأسيس والأهداف
في ستينيات القرن العشرين، كان جيرالد بول يعمل على مشروع هارب (High Altitude Research Project)، وهو مشروع مشترك بين الولايات المتحدة وكندا يهدف إلى تطوير مدفع عملاق لإطلاق الأقمار الصناعية بتكلفة زهيدة. ومع ذلك، في عام 1968، تم تقليص التمويل المخصص للمشروع بشكل كبير، مما دفع بول إلى البحث عن طرق أخرى لمواصلة أبحاثه. في عام 1961 قام جيرالد بول بتطوير مدفع عالي السرعة مما ادى إلي حصوله علي الدكتوراة.
أسس بول مؤسسة أبحاث الفضاء (SRC) في عام 1961 كمؤسسة خاصة، وسعى من خلالها إلى تحقيق أهداف متعددة، بما في ذلك:
- تطوير تقنيات المدفعية بعيدة المدى: كان بول يؤمن بأن المدفعية يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في الحروب الحديثة، وسعى إلى تطوير مدافع قادرة على ضرب أهداف بعيدة بدقة عالية.
- تطوير تقنيات إطلاق الأقمار الصناعية بتكلفة منخفضة: كان بول يعتقد أن إطلاق الأقمار الصناعية يمكن أن يكون أرخص بكثير من استخدام الصواريخ التقليدية، وسعى إلى تطوير نظام إطلاق يعتمد على المدافع العملاقة.
- تقديم الاستشارات والخدمات الهندسية: سعت المؤسسة إلى تقديم خدماتها للحكومات والشركات في مجال تطوير الأسلحة والتقنيات الفضائية.
الأنشطة والمشاريع
انخرطت مؤسسة أبحاث الفضاء (SRC) في مجموعة متنوعة من الأنشطة والمشاريع، بما في ذلك:
- تطوير مدافع G5 و G6: قامت المؤسسة بتطوير مدافع G5 و G6 لصالح جنوب إفريقيا. كانت هذه المدافع من بين الأفضل في العالم في ذلك الوقت، ولعبت دورًا هامًا في العمليات العسكرية لجنوب إفريقيا.
- مشروع بابيل (Project Babylon): كان هذا المشروع يهدف إلى تطوير مدفع عملاق قادر على إطلاق الأقمار الصناعية بتكلفة منخفضة. ومع ذلك، تم إلغاء المشروع في عام 1990 بعد اغتيال جيرالد بول.
- تطوير تقنيات أخرى: عملت المؤسسة على تطوير تقنيات أخرى مثل قذائف المدفعية الموجهة وأنظمة التحكم في النيران.
تورط المؤسسة في انتهاك العقوبات الدولية
تورطت مؤسسة أبحاث الفضاء (SRC) في فضيحة كبيرة تتعلق بانتهاك العقوبات الدولية المفروضة على جنوب إفريقيا. في ذلك الوقت، كانت جنوب إفريقيا تخضع لعقوبات دولية بسبب سياساتها العنصرية (الأبارتايد). قامت المؤسسة ببيع مدافع G5 و G6 إلى جنوب إفريقيا بشكل سري، مما أدى إلى اتهامها بانتهاك العقوبات.
في عام 1980، اعترف جيرالد بول وعدد من مسؤولي المؤسسة بالذنب في تهم تتعلق بانتهاك قانون مراقبة تصدير الأسلحة الأمريكي. حُكم على بول بالسجن لمدة عام واحد مع وقف التنفيذ، وتم تغريم المؤسسة.
تأثير الفضيحة على المؤسسة
كان لفضيحة انتهاك العقوبات تأثير مدمر على مؤسسة أبحاث الفضاء (SRC). فقدت المؤسسة سمعتها، وتوقفت العديد من الحكومات والشركات عن التعامل معها. في عام 1990، تم إغلاق المؤسسة بشكل نهائي.
اغتيال جيرالد بول
في عام 1990، تم اغتيال جيرالد بول في بروكسل، بلجيكا. لم يتم الكشف عن هوية القتلة، ولكن يعتقد على نطاق واسع أن الموساد الإسرائيلي كان وراء الاغتيال. كان بول يعمل في ذلك الوقت مع العراق على تطوير مدفع عملاق، وكان يُخشى من أن هذا المدفع يمكن أن يستخدم لضرب إسرائيل.
إرث مؤسسة أبحاث الفضاء
على الرغم من تورطها في فضائح وإغلاقها في نهاية المطاف، تركت مؤسسة أبحاث الفضاء (SRC) إرثًا هامًا في مجال تطوير المدفعية وتقنيات إطلاق الأقمار الصناعية. ساهمت المؤسسة في تطوير بعض من أفضل المدافع في العالم، وأظهرت أن إطلاق الأقمار الصناعية باستخدام المدافع العملاقة ممكن من الناحية النظرية. كما سلطت الفضيحة التي تورطت فيها المؤسسة الضوء على المخاطر المرتبطة بتجارة الأسلحة وانتهاك العقوبات الدولية.
الدروس المستفادة
يمكن استخلاص العديد من الدروس من قصة مؤسسة أبحاث الفضاء (SRC)، بما في ذلك:
- أهمية الالتزام بالقوانين واللوائح الدولية: يجب على الشركات والأفراد الالتزام بالقوانين واللوائح الدولية، بما في ذلك العقوبات الدولية.
- مخاطر تجارة الأسلحة: يمكن أن تكون لتجارة الأسلحة عواقب وخيمة، بما في ذلك إطالة أمد النزاعات وتفاقم الأزمات الإنسانية.
- أهمية الأخلاق في البحث العلمي: يجب على العلماء والمهندسين مراعاة الجوانب الأخلاقية لأبحاثهم وتطبيقاتها.
التقنيات التي طورتها المؤسسة
طورت مؤسسة أبحاث الفضاء العديد من التقنيات المبتكرة في مجال المدفعية والفضاء، من أهمها:
- مدفع G5: مدفع ميداني ثقيل بعيد المدى، يتميز بدقته وقوته النيرانية.
- مدفع G6 رينوستورم: مدفع ذاتي الحركة يعتمد على هيكل مدرع، مما يوفر له حماية أكبر وقدرة على المناورة.
- قذائف المدفعية الموجهة: قذائف مدفعية قادرة على تغيير مسارها أثناء الطيران لتصحيح الأخطاء وزيادة الدقة.
- تقنية الإطلاق المدفعي للأقمار الصناعية: مفهوم ثوري لإطلاق الأقمار الصناعية باستخدام مدفع عملاق بدلاً من الصواريخ التقليدية.
التحديات التي واجهت المؤسسة
واجهت مؤسسة أبحاث الفضاء العديد من التحديات خلال فترة وجودها، من أبرزها:
- القيود المالية: كانت المؤسسة تعتمد بشكل كبير على التمويل الخارجي، مما جعلها عرضة للتغيرات في السياسات والظروف الاقتصادية.
- المخاطر السياسية: أثارت أنشطة المؤسسة جدلاً سياسياً واسعاً، خاصة فيما يتعلق بانتهاك العقوبات الدولية.
- التحديات التقنية: واجهت المؤسسة صعوبات في تطوير بعض التقنيات المبتكرة، مثل تقنية الإطلاق المدفعي للأقمار الصناعية.
- المنافسة: واجهت المؤسسة منافسة شديدة من الشركات الكبرى العاملة في مجال الدفاع والفضاء.
خاتمة
كانت مؤسسة أبحاث الفضاء (SRC) مؤسسة فريدة من نوعها جمعت بين الطموح العلمي والابتكار الهندسي والجدل السياسي. على الرغم من عمرها القصير وفضائحها، تركت المؤسسة بصمة واضحة في تاريخ تطوير المدفعية وتقنيات الفضاء، وأثارت تساؤلات مهمة حول أخلاقيات البحث العلمي والمسؤولية الاجتماعية للعلماء والمهندسين.