<![CDATA[
نشأته وتعليمه
ولد ألبرت كابيكيّان في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1930، لعائلة من أصل أرمني. نشأ في بيئة شجعت على العلم والبحث. حصل على درجة البكالوريوس من جامعة هوارد عام 1952، ثم حصل على درجة الدكتوراه في الطب من جامعة شيكاغو عام 1956. بعد تخرجه، بدأ مسيرته المهنية في مجال الفيروسات، حيث انضم إلى المعاهد الوطنية للصحة (NIH) في عام 1957، وبقي فيها طوال حياته المهنية تقريبًا.
مسيرته المهنية وإنجازاته
بدأ كابيكيّان مسيرته المهنية في قسم الأمراض المعدية في المعاهد الوطنية للصحة (NIH). كان تركيزه الأساسي على دراسة الفيروسات المعوية، وخاصة تلك التي تسبب أمراضًا تصيب الجهاز الهضمي. في بداية مسيرته، كان العمل على الفيروسات المعوية يمثل تحديًا كبيرًا بسبب صعوبة زراعة هذه الفيروسات في المختبر. ومع ذلك، تمكن كابيكيّان وفريقه من تطوير تقنيات جديدة مكنتهم من عزل الفيروسات المعوية ودراستها بشكل فعال.
كان أحد أهم إنجازات كابيكيّان هو اكتشاف وتوصيف فيروس الروتا (Rotavirus) كسبب رئيسي للإسهال الحاد عند الأطفال. في أوائل السبعينيات، بدأ كابيكيّان وزملاؤه في دراسة حالات الإسهال الحاد عند الأطفال. باستخدام تقنيات المجهر الإلكتروني، تمكنوا من تحديد فيروس جديد في عينات البراز من الأطفال المصابين. أطلقوا على هذا الفيروس اسم “فيروس الروتا” نسبة إلى شكل العجلة الذي يظهر به تحت المجهر. كان هذا الاكتشاف تحولًا كبيرًا في فهم أسباب الإسهال عند الأطفال، والذي كان يمثل مشكلة صحية عالمية في ذلك الوقت.
بعد تحديد فيروس الروتا، تحول تركيز كابيكيّان وفريقه إلى تطوير لقاح فعال لمكافحة هذا الفيروس. استغرق هذا العمل سنوات عديدة، وشمل تحديات كبيرة. كان عليهم أولاً عزل سلالات مختلفة من فيروس الروتا، ثم دراسة خصائصها وتحديد أيها الأكثر ملاءمة لتطوير اللقاح. ثم، قاموا بتطوير لقاح حي موهن، أي لقاح يحتوي على فيروس أُضعف بحيث لا يسبب المرض ولكنه يحفز الجسم على تكوين أجسام مضادة. تطلب الأمر أيضًا إجراء تجارب سريرية واسعة النطاق لإثبات سلامة وفعالية اللقاح.
في عام 2006، وبعد سنوات من البحث والتطوير، حصل لقاح فيروس الروتا الذي طوره كابيكيّان وفريقه على ترخيص للاستخدام في الولايات المتحدة. كان هذا إنجازًا تاريخيًا، حيث أنهى عقودًا من المعاناة من الإسهال الناجم عن فيروس الروتا، الذي كان يودي بحياة مئات الآلاف من الأطفال حول العالم كل عام. أصبح اللقاح متاحًا على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى انخفاض كبير في معدلات الإصابة بالإسهال الناجم عن فيروس الروتا ووفياته.
بالإضافة إلى عمله على لقاح فيروس الروتا، ساهم كابيكيّان في تطوير العديد من التقنيات والاكتشافات الأخرى في مجال الفيروسات. وشملت هذه الاكتشافات تحديد مسببات أمراض فيروسية أخرى مثل فيروس نورو (Norovirus)، والذي يسبب التهابات معوية حادة أخرى، وأيضًا تطوير تقنيات تشخيصية متطورة للأمراض الفيروسية.
الجوائز والتكريمات
حصل ألبرت كابيكيّان على العديد من الجوائز والتكريمات المرموقة على مدار مسيرته المهنية تقديرًا لإسهاماته البارزة في مجال الفيروسات. وتشمل هذه الجوائز:
- جائزة لاسكر-ديباكي للأبحاث الطبية السريرية (Lasker-DeBakey Clinical Medical Research Award): وهي من أرفع الجوائز في مجال الأبحاث الطبية، وحصل عليها في عام 2002.
- انتخابه في الأكاديمية الوطنية للعلوم (National Academy of Sciences): وهي منظمة مرموقة تضم العلماء الأكثر تميزًا في الولايات المتحدة.
- العديد من الجوائز الأخرى من المؤسسات العلمية والطبية المرموقة.
عُرف كابيكيّان بكونه عالمًا ملتزمًا ومخلصًا، يتمتع برؤية ثاقبة وشغف بالبحث العلمي. كان أيضًا معلمًا ملهمًا للعديد من علماء الفيروسات الشباب، وترك إرثًا دائمًا في مجال الفيروسات والأمراض المعدية. عمله على تطوير لقاح فيروس الروتا أنقذ أرواح الملايين من الأطفال حول العالم، ولا يزال يُنظر إليه على أنه نموذج يحتذى به للباحثين في مجال العلوم الطبية.
إرثه العلمي
يُعتبر ألبرت كابيكيّان واحدًا من أبرز علماء الفيروسات في التاريخ. يكمن إرثه العلمي في مساهماته في فهم الفيروسات المعوية، وتطوير لقاح فعال ضد فيروس الروتا، وهو السبب الرئيسي للإسهال الحاد عند الأطفال. عمله لم يقتصر على الجانب العلمي فقط، بل امتد ليشمل تحسين الصحة العامة حول العالم.
تعتبر تقنياته وأساليب البحث التي ابتكرها في عزل الفيروسات المعوية ودراستها بمثابة معايير قياسية في علم الفيروسات. كما أن لقاح الروتا الذي طوره قد أثبت فعاليته في الوقاية من المرض، مما أدى إلى انخفاض كبير في حالات الإسهال ووفيات الأطفال حول العالم. ساعدت هذه الجهود في تحسين الصحة العامة وتخفيف المعاناة الإنسانية.
بالإضافة إلى ذلك، كان كابيكيّان مرشدًا ومعلمًا للعديد من علماء الفيروسات الشباب، حيث ساهم في تطوير الجيل القادم من العلماء في هذا المجال. ترك وراءه إرثًا دائمًا في مجال الصحة العامة، ولا يزال تأثيره ملموسًا في جميع أنحاء العالم.
خاتمة
ألبرت كابيكيّان كان عالم فيروسات استثنائيًا، ترك بصمة لا تمحى في مجال العلوم الطبية. من خلال عمله الدؤوب وتفانيه، تمكن من تطوير أول لقاح فعال ضد فيروس الروتا، وهو إنجاز أنقذ حياة الملايين من الأطفال حول العالم. مساهماته في علم الفيروسات، بالإضافة إلى إلهامه لعلماء المستقبل، جعلت منه شخصية محورية في تاريخ الصحة العامة. إرثه العلمي يستمر في التأثير على الصحة العالمية، ويذكره كنموذج يحتذى به في التفاني والابتكار في مجال العلوم.